جرت العادة أن يلتقي أوباما مع نائبه، مرّة كل أسبوع، على غداء داخل البيت الأبيض. هي فرصة للرجلين لإبقاء التواصل بينهما. كما هي فرصة ثمينة لبايدن لطرح رؤيته حول قضايا الساعة والتأثير على موقف الرئيس. لكن في غداء، يوم الاثنين الماضي، لم يكن ممكناً تجاوز الكلام عن نية بايدن في خوض المعركة. وقد ذكر أكثر من مصدر ديمقراطي في تسريبات، أن أوباما أعطى بايدن بركة الترشح إذا أراد ذلك، من دون أن يشجّعه أو يحذّره من هذه الخطوة. لكن المتحدثة باسم بايدن، كيندرا باركوف، نفت هذه التسريبات بالقول "تستمر المصادر في التكهّن حول أمر لا يعرفون شيئاً عنه".
أما المؤشر الثاني الأبرز لـ"بركة" أوباما، فأتت عندما قام بايدن بتوجيه دعوة لاجتماع بعد أسبوعين إلى أبرز المتمولين والنافذين في الحزب الديمقراطي في مقر إقامته الرسمي في المرصد البحري في واشنطن. وقد كشفت صحيفة "واشنطن بوست" عن أنّ على لائحة المدعوين أبرز الأسماء التي ساهمت في حملة أوباما الرئاسية عامي 2008 و2012. فيما لفتت شبكة "سي بي أس نيوز"، في تحليل لها، إلى أنّ من بين 770 شخصاً تبرعوا بمبالغ كبيرة لحملة أوباما عام 2012، 51 شخصاً منهم فقط التزموا حتى الآن بمبالغ كبيرة لهيلاري، ما يعني أنّ الساحة مفتوحة أمام بايدن. هذا الاجتماع سيكون بداية لسلسلة مشاورات ومناسبات اجتماعية سيستضيفها بايدن في الأسابيع المقبلة، وستشمل مروحة واسعة من القيادات والنخب الديمقراطية، فيما يحاول حسم خياره، على الرغم من أنّ هناك دلالات كثيرة على ميله إلى خوض المعركة.
خلال عطلة أوباما الصيفية في ولاية ماساشوستس، الأسبوع الماضي، أمضى بايدن وقته في منزله في ولاية ديلاوار يجتمع مع دائرة مستشاريه الصغيرة. لم يقطع عزلته هذه، سوى لساعات، يوم السبت الماضي، لزيارة خاطفة ولافتة إلى واشنطن، التقى خلالها السيناتور، إليزابيت وورين، وهي أحد أبرز رموز اليسار الأميركي في الكونغرس بمواقفها الشعبية التي تتعارض مع هيلاري كلينتون. لكن ردة الفعل الأولية للقاعدة اليسارية بميلها الشبابي، كانت بأنها لا تزال تؤيد مرشحها الرئاسي السيناتور بيرني ساندرز، واعتبرت أن بايدن يمثّل القيادة التقليدية في الحزب.
اقرأ أيضاً: فرضية ترشح بايدن تُربك حملة هيلاري
وفي السياق ذاته، دخل بايدن من واشنطن، أمس الأربعاء، على خط الاجتماعات المغلقة التي يجريها الحزب الديمقراطي في مدينة مينيابوليس هذا الأسبوع. وتزامناً مع حضور مرشحي الرئاسة الديمقراطيين بكثافة في هذا التجمع، قرّر بايدن تعويض غيابه بخطوة نادرة، وهي دعوة مئات من أعضاء لجان الحزب إلى اتصال هاتفي معه لـ"مناقشة بنود الاتفاق النووي" مع إيران. وأكثر من ذلك، شارك كبير مستشاريه، جوشوا الكورن، في اجتماعات مينيابوليس، ووجّه دعوات لمناصري الحزب لحضور لقاءات غير رسمية حول نظرة فريق بايدن إلى السباق الرئاسي، كما كشفت صحيفة "نيويورك تايمز".
في هذه الأثناء، لا تزال هيلاري كلينتون تتخبط في فضيحة استخدامها بريدها الإلكتروني الخاص خلال توليها منصب وزيرة الخارجية. وبدأ التوسع بالتحقيق، في الفترة الأخيرة، في مكتب التحقيق الفيدرالي ووزارة العدل الأميركية. هذه الفضيحة التي تطارد هيلاري يومياً، بدأت تقلق قيادات الحزب الديمقراطي وتجعلها تشكك بقدرتها على الفوز في الانتخابات العامة. لكن في الوقت عينه، هناك تشكيك بقدرة بايدن في هذا الوقت المتأخر من الحملة الرئاسية على تشكيل ماكينة انتخابية قادرة على مقارعة حملة هيلاري المنظمة.
وتكمن المشكلة الثانية التي تواجه بايدن، في أنّه لا يملك أموالاً خاصة ولا تبرعات مالية، وبالتالي لا يستطيع، في المرحلة الأولى، توفير سيولة سريعة لتغطية تكاليف سفره في الولايات الحاسمة أو لتوظيف فريق عمله. لكن يوحي بايدن بأنه غير مستعجل لاتخاذ القرار، وقد يحسم خياره نهاية شهر سبتمبر/أيلول المقبل، قبيل مناظرة الديمقراطيين الرئاسية الأولى في 13 أكتوبر/تشرين الأول. حينها، يكون قد اتضح مدى دعم الحزب لقراره، كما تكون اتضحت جدية الأبعاد القانونية لملف هيلاري، والأهم من التوقيت، هو موقف أوباما العلني.
تدل كل المؤشرات على أنّه سيكون هناك انقسام حاد بين الليبراليين في حال ترشح بايدن في وجه هيلاري، لا سيما أنّ السؤال الرئيسي بالنسبة لفريق الرئيس الأميركي، يكمن في هوية الشخصية التي ستكون في موقع أفضل لضمان استمرار إرث أوباما. الرسالة التي أوصلها المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش أرنست، خلال مؤتمره الصحافي، تكفي لتشير إلى حماسة فريق أوباما لفكرة ترشح بايدن، إذ لم يستبعد أرنست إعلان أوباما تأييده لأحد المرشحين خلال المعركة الانتخابية، وأشاد بخبرة بايدن قائلاً: "أعتقد أنه يمكن على الأرجح إقامة الحجة أن ليس هناك أحد في السياسة الأميركية اليوم، لديه فهم أفضل لما يتطلب أمر شن حملة رئاسية وطنية ناجحة". يبدو أن البيت الأبيض يقترب من دعم بايدن بقدر ما يقترب نائب الرئيس من قرار الترشح.
اقرأ أيضاً هيلاري كلينتون وباراك أوباما: دروس الوئام والخصام