والقضية، وفق صحافيين مشاركين، بدأت بـ"إخبارية" من مصادر عدة لصحيفة ألمانية "سود دوتش زايتونغ" منذ عدة أشهر، صحيفة وجدت بأن القضية أكبر من مجرد تسريب بسيط، وتستحق مشاركة أوسع حول العالم، ما استدعى تعاون "الائتلاف الدولي للصحافيين الاستقصائيين ICIJ".
ومساء الأحد أيضاً، في أكثر من 70 وسيلة إعلامية في 120 بلداً في وقت واحد تقريباً، كُشف عن أكثر من 11 مليون وثيقة عن النهب والفساد المالي والضريبي. هي القضية الأشمل منذ أن كشف النقاب في 2004 عن فضيحة لوكسمبورغ، التي تحولت أيضاً لملجأ لكبريات الشركات المتهربة من الضريبة.
أوراق بنما، بحسب ما تقوله الصحافة الغربية "ليست قضية بسيطة تتعلق بتهرب بائع نقانق تحاسبه الضريبة في كوبنهاغن أو ستوكهولم على كل حبة باعها، عادّة أنفاس الدخل الشخصي لبسطاء الناس، فما تسرب حتى الآن يبدو أن حيتاناً وأسماك قرش كبيرة سينزع عن وجهها قناع الابتسامة المصطنعة عن "الشفافية ومحاربة الفساد والنهب للأموال".
السلطة الرابعة تثبت مرة أخرى أنها قادرة على إيلام الناهبين وسراق الثروات الوطنية والشركات العملاقة المتهربة من الضريبة. حتى لو دفعت ثمناً باهظاً، كما حدث في سان بطرسبرغ مؤخراً، للصحافي ديمتري تسليكين، والعشرات من الصحافيين في روسيا وحول العالم.
المخزي فيما تكشف عنه الوقائع حتى الساعة، أن وثائق شركة المحاماة "موساك فونسيكا Mossack Fonseca" ومنذ 1977 تثبت اشتراك كبريات البنوك في هذه اللعبة. فأحد أكبر بنوك الشمال "نورديا - NORDEA"، ساعد زبائنه الأثرياء في إيجاد شركات وهمية في لوكسمبورغ.
منذ أن تفجرت قضية الإفلاس الآيسلندي، بانهيار البنوك، وكانت البلاد على وشك أن تباع، لم تشهد ريكيافيك هذا الغليان الذي يعود للصحافة والإعلام دور كبير فيه. تصرف رئيس وزراء الدولة، سيغموندر دافيد غونلاوغسون، في لقاء مع التلفزيون السويدي، زاد غضب الشارع ليخرج اليوم في مظاهرات تذكر بحالة الإفلاس التي وصلتها قبل سنوات أيسلندا.
السلطة الرابعة إذاً تكشف من جديد بأنها تملك سلطة أكبر مما يظن البعض، وإلا لما رأينا كل هذه الاغتيالات لصحافيين اقتربوا فردياً من المحظور في دول عدة ومنها "عظمى".
صحافة إسكندنافيا ليست في صدمة بعد تسريب الوثائق، حتى أن بعضها قد اشترك في التحقيق الذي كشف عن ذلك التلاعب الكبير، بل هي في موقع المساءلة والمحاسبة اليوم.
أفسحت الصحافة مساحات واسعة، لم تطبطب على الفساد، لقراء غاضبين غضباً له ما بعده في دول "الشفافية ومكافحة الفساد". فتكتب يوسفينا أغيبو معبرة عن مشاعر مشتركة للغاضبين:
"مرحباً بنك نورديا... شكراً لكم وسأغير المصرف". يصعب أن يفهم مواطنون إسكندنافيا ما كشفت عنه السلطة الرابعة دون أن يبدو صدمة وغضباً، خاصة في ظل ما يشاع عن تورط مصرف "يوسك بنك" أيضاً في القضية. وعلّق بعض القراء قائلين: "أنتم إرهابيو البزنس. إنكم تدمرون الدنمارك من داخلها وتستغلون الثقة التي منحكم إياها المواطنون. أنتم تتصرفون هكذا بينما تتلقون الدعم الاقتصادي من الدولة، إنها خيانة وطنية".
صُدمت دول الشمال مساء الأحد، حين كشفت قنواتها النقاب عن "عضوة مجلس إدارة متوفية منذ 30 سنة" ما تزال حية في تلك الشركات الوهمية التي أسست في بنما لتحويل أموال شركات وطنية ومتعددة الجنسيات. صدمة أخرى سرت حين تسمر المشاهدون وهم يراقبون انضمام بلادهم إلى طابور الفساد الذي جمع أنظمة ديكتاتورية تنهب بلادها.
ليس عجيباً إذاً أن يقول صحافيون في الشمال: "هذه فضيحة... ستتجاوز تداعياتها ويكيليكس بمرات... إنه عالم الجريمة الذي يجب أن ينتفض الناس ضده". كما ذكر اليسار في صحافته:
"قلنا لكم مرات ومرات تلك الشركات العملاقة تدفع صفراً من الضرائب، بينما تجري ملاحقة مواطنين مسحوقين، مرة أخرى تكشف الصحافة عن شجاعتها، فهل من يستيقظ قبل أن تنهار دول الرفاهية تحت رحمة هذا النهب الذي يتبين بأنه ليس فقط في الأنظمة الديكتاتورية؟ ولا في دول تقودها مافيا المال والأعمال باسم الوطنية".