أوروبا وعدم الانسياق خلف الحملة ضد قطر: أسباب وخلفيات

13 يونيو 2017
خلال لقاء وزير الخارجية القطري بنظيره الألماني (توماس كوهيلر/Getty)
+ الخط -
شكل الموقف الأوروبي العام من الحملة ضد قطر، وعدم انسياق بروكسل كعاصمة للاتحاد، ولا العواصم الرئيسية لدوله، تحديداً باريس وبرلين، خلف الحملة، عاملاً في تخييب آمال محور الرياض ــ أبو ظبي. صحيح أن المواقف الأوروبية تفاوتت بين شعور بالصدمة إزاء القرارات المتخذة ضد الدوحة، وهو ما دفع بوزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل إلى الحديث عن احتمال حصول حرب، من جهة، وبين اكتفاء بالإعراب عن الحياد الإيجابي مثلما قالت باريس وبروكسل ولندن من جهة ثانية، إلا أن أياً من المواقف الصادرة عن القارة العجوز لم تسر خلف محور الرياض وأبو ظبي في الحملة ضد الدوحة. 

وربما تكون لهذا القرار أسباب عديدة، تبدأ من فهم المسؤولين الأوروبيين، عبر سفاراتهم في المنطقة العربية، للأسباب الحقيقية للتصعيد ضد قطر، أي الرغبة بضمّها إلى محور السعودية ــ الإمارات وتجريدها من أي عنصر استقلالية في سياساتها الخارجية، وتمرّ بإدراك أوروبا لتهافت الاتهامات الموجهة لقطر، وتصل إلى استشعار خطر جدي من احتمال تمدد النزاع الخليجي نحو مناطق حساسة بالنسبة للغرب، مثل إيران وتركيا مثلاً. ويحلو للبعض إيراد سبب آخر للموقف الأوروبي، ترجمته برلين بالقول إن الأزمة سببها الرئيس دونالد ترامب وتحريضه عواصم الحملة السعودية ــ الإماراتية، وهو ما يكشف، ضمنياً، ربما، رغبة أوروبية بالتمايز عن ترامب، في توقيت هو الأسوأ في العلاقات الأميركية ــ الأوروبية.


ويمكن القول إن الموقف الألماني عموماً، الذي واجه فيه وزير الخارجية سيغمار غابرييل نظيره السعودي عادل الجبير في برلين، بالدعوة إلى وقف فوري للتصعيد ضد قطر، كان أكثر التصريحات الواضحة في رفضها الحملة ضد الدوحة. ثم كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول الرؤساء الغربيين الذين يتصلون بأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، بعد ساعات من صدور قرارات "الحصار" ضد الدوحة، ليعلن خلاله ضرورة حلّ التوتر بالحوار.

وقد صدر موقف واحد يتيم عن الاتحاد الأوروبي كمؤسسة حول الموضوع يدعو أيضاً إلى الحوار، وكأن أوروبا تحتاط مما يخفيه المستقبل من تغيرات في منطقة حبلى بالأزمات، خصوصاً أن التكتل تربطه علاقات جيدة مع كل الدول الخليجية وإيران، ويسعى إلى البروز بمظهر الحياد. موقف جعل دول الاتحاد عنواناً لزيارات وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي التقى منسقة السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية، فيديريكا موغيريني، مساء الجمعة في بروكسل، بعد أن التقى وزير الخارجية الألماني قبل أن يكمل جولته الأوروبية إلى لندن وباريس.

وشددت منسقة السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية، فيديريكا موغيريني، على أنه "بالنسبة لنا كل بلد في المنطقة حليف مهم، ونؤمن بأن التعاون بينها وأيضاً مع المجموعة الدولية بما فيها الاتحاد الأوروبي هو مفتاح الأمن والاستقرار في المنطقة وجوارها بخصوص كل الأزمات، التي تواجهها هذه المنطقة ليس فقط في سورية، ونعتقد أن التعاون الإقليمي والحوار هو الحل".

وتربط الاتحاد الأوروبي بكل الدول المعنية علاقات متينة سواء على المستوى الاقتصادي، كقطر والسعودية والإمارات، أو على المستوى الأمني لمواجهة الهجرة غير النظامية مثلاً، كمصر. وهو ما لا يسمح له باتخاذ مواقف قد تعود عليه بالضرر. لذا أبدى ماكرون، استعداد بلاده للتوسط لحل الأزمة.

حياد إيجابي

ويقول الخبير في الشؤون الأوروبية، لخضر فراط، في حديث مع "العربي الجديد" إن "الاتحاد الأوروبي اختار التعامل مع الأزمة بنوع من الحياد الإيجابي. فهو لم يعلن دعمه لجهة ضد جهة أخرى ولم يوزع أي اتهامات، بل فضل الدعوة إلى الحوار واقتراح الوساطة، وإن كانت عبر مسؤولي الدول الأعضاء وليس عبر المسؤولين الأوروبيين".

ووفقاً لفراط فإن "الاتحاد يسعى إلى تفادي استمرار أزمة في منطقة تشهد العديد من الأزمات، إضافة إلى كون العديد من الدول المعنية بالأزمة الخليجية تشارك في الوساطة لحل مجموعة من الأزمات". وذكّر بأن "الاتحاد الأوروبي أدى دوراً مهماً في التوصل إلى حل للملف النووي الإيراني وعودة طهران إلى المجموعة الدولية ـ وهو بالتالي ليس على استعداد، على ما يبدو، لبدء أزمة جديدة مع إيران لا سيما أن الاتهامات الموجهة إليها لا تستند على أدلة قاطعة".
ويذكر الخبير في الشؤون العربية، بودوان لوز، في حديث مع "العربي الجديد" أن "قطر لم تختر العلاقات الجيدة مع إيران ضد جيرانها. فالبلد بالعكس لديه تذبذب في العلاقات مع طهران. فهي جيدة عندما يتعلق الأمر باستثمار احتياطيات الخليج العربي من الغاز الطبيعي. وأكثر توتراً في ما يتعلق بمستقبل سورية"، في ما يشبه الإشارة إلى أن قطر هي الشريك التجاري ما قبل الأخير مع إيران، بينما رأس حربة الحملة عليها اليوم، أي الإمارات، هي الشريك التجاري العالمي الثاني مع إيران، بعد الصين، بحسب ما كشفه وزير الخارجية القطري في حوار صحافي أجراه يوم السبت في موسكو التي زارها.

تبعات اقتصادية

وقد تؤجل الأزمة سعي الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة مع دول الخليج التي كانت قد بدأت تلوح في الأفق خلال الأسابيع الأخيرة، بعد سنوات من الجمود في المفاوضات. وضع يفرض على الاتحاد الترقب أملاً في انفراجة تنهي الأزمة للعودة إلى طاولة المفاوضات. فالاتفاق، إن تم توقيعه، سيدر بأرباح مهمة على الاقتصاد الأوروبي.   

وبلغ حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي 138 مليار يورو في 2016، بحسب إحصاءات الاتحاد، الذي بلغت قيمة صادراته لدول المجلس 100 مليار يورو في حين بلغ حجم وارداته 38 ملياراً. لذا، فإن محاولة الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الدول، وبشكل مماثل، هي المعادلة الصعبة التي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تطبيقها في أزمة الخليج التي يدرك أنه لا يستطيع فعل أي شيء لفك عقدها.