يروي العمل الصادر عن "دار سؤال" البيروتية، حكاية معارض سوري ينتسب إلى الطائفة العلوية قضى 15 عاماً معتقلاً بسبب انتماءاته اليسارية، وبعد الإفراج عنه يتجّه إلى الكتابة وقد عاد إليه التفاؤل مع اندلاع الثورات العربية، لكن سرعان ما يتمّ اعتقاله ويموت تحت التعذيب، وتستأصل أعضائه وترسل عبر شبكات الاتجار بالأعضاء البشرية إلى أوروبا.
يقول أوسي في حديثه لـ"العربي الجديد" إن الرواية "لم تكن للإحاطة بالثورة وسنواتها، بل كانت محاولة لطرح أسئلة الثورة في تلك السنوات الثلاث الاولى، واستشراف المآلات. لم يكن العمل للتأريخ، بل لسرد حكاية الثورة وإثارة أسئلتها والإشارة إلى خيباتها، في "لحظة باردة" حسب تعبير الروائي خالد خليفة؛ هذه "اللحظة الباردة" أثناء الكتابة، بقيت محاصرة بعقود وقرون من سنوات العنف والاحتراب بين العقائد والمذاهب والأديان والملل والنحل. ومع ذلك، حاولت الاستحواذ على تلك اللحظة، والانطلاق منها نحو التعبير عن التراجيديا الكونية التي تعيشها سورية".
يوضّح صاحب "ارتجالات الأزرق" أن "العمل نفسه لا يُحصر ضمن بيئة معيّنة، لئلا يبقى أسير بقعة جغرافيّة محدّدة. لذا، يمكن ان تجد في الرواية جانباً من التجربة الفلسطينيّة والتجربة الكردية، إلى جوانب من تجارب تونس ومصر والعراق...الخ".
"إن الروائي يبقى يكتب رواية واحدة، مهما تعدّدت عناوين رواياته واختلفت مضامينها. إلاّ أن ما أردتُ قوله في "وطأة اليقين"، قلته، ولن أزيد عليه في أي عمل روائي لاحق وقادم"، بحسب أوسي الذي يضيف "لست من أنصار الأجزاء والثلاثيات والرباعيات في الكتابة الروائيّة. هذا هدفي وضالتي، وربما أفشل في الوصول إليهما أثناء خوض تجربة كتابة رواية جديدة، وأنا أخوضها الآن، ولننتظر النتيجة، حتى نحكم على العمل الجديد، وهل هو تتمة لسابقه أم منفصل عنه تماماً".
يرى صاحب "الكلام الشهيد" أن "السرد يمنح الكاتب حريّة أكبر من الشعر، لجهة القدرة على الإفصاح والإخبار أكثر من الإحياء الذي هو دين الشعر وديدنه. معطوفاً عليه؛ السرد يقبل الشعر، بينما الشعر لا يقبل السرد، كتقنية. الشعر يقوّي ويغذّي السرد، بينما الأخير يخفّف شعريّة القصيدة في حال جنحت لغتها نحو السرد".
ويتابع "عام 2005، صار هاجس إنجاز عمل روائي، من باب التجريب، يزيد من منسوب قلقي. بعد محنة التواري عن الأنظار والهرب من المخابرات الجوية نهاية 2008 وبداية 2009، والاضطرار إلى الهروب من الوطن إلى تركيا ثم اليونان، ثم إعادة الترحيل إلى تركيا، كتبت عملاً روئيّاً بعنوان "الأفغاني" تناولت فيه تجربة رجل، لديه عدد كبير من السير الذاتية يرويها أناس آخرون عنه. هذا المخطوط والكثير من أرشيف كتاباتي، ضاع".
بعد وصول أوسي إلى بلجيكا نهاية 2010، واندلاع الثورة السوريّة عقب شهور، استيقظ مجدّداً قلق السرد وهاجس الرواية لديه، وبل تأجّج، فعبّر عن نفسه في "وطأة اليقين"، محاولاً فيه "كتابة عمل، عن الثورة، من منظور مختلف، لا يعتمد المباشرة والغرق في التفاصيل وأخبار المظاهرات والمعارك، بل يركّز على الجانب الإنساني، ومراجعة الذات والتجارب، والإشارة إلى الآمال والخيبات، وكيف أن المأساة السورية تحوّلت إلى مأساة العصر والعالم. إلى جانب الإشارة إلى التورّط الدولي في هذه المأساة المتفاقمة".
العمل الذي يسعى إلى "خلخلة الرواية الرسميّة المتداولة والسائدة عن الثورة السورية"، يروي كيف انتقلت الأعضاء المنتزعة من أحشاء بطلها إلى بلجيكا، وزُرعت في أجساد فتاة ألمانية، ورجل كونغولي وشاب إيطالي، ولأن الأعضاء حين انتزاعها تكون حيّة، فإنها تبقى محافظة على جزء من روح صاحبها، وهذه الروح تنتقل إلى أجساد هؤلاء الثلاثة وتفعل فعلها وتغيّر في كيمياء شخصياتهم وميولهم وأمزجتهم.
يلفت صاحب "للعشق نبيّه، للجرح شراعه" إلى أن "عنوان العمل، لم يكن من اختياري، بل للناقد السوري خالد حسين المقيم في سويسرا، الذي استوحاه من النصّ، بحيث أتى العنوان تكثيفاً لما خرج به من قراءته لمخطوط الرواية، والعنوان فيه شحنة من الاستفزاز الفلسفي الوجودي، إلى جانب التقاطع مع التراكيب التراثية في عناوين الكتب، ووجود السجع في العنوان الفرعي: "محنة السؤال وشهوة الخيال".
يختم هوشنك أوسي "حاولت تجنّب وجود بطل مركزي، بالمعنى التقليدي، بحيث يكون كلّ الأبطال الآخرين عبارة عن هوامش أو أطراف تدور حول المركز. صحيح أن هناك شخصاً مفقوداً، أعضاء جسده موجودة في أجساد ثلاثة أشخاص من أبطال العمل، لكن كلّ شخص من هؤلاء الأشخاص هو عالم، هو بطل بحد ذاته، تصلح حياته لأن تكون مركز الرواية، وبقية القصص الأخرى، هوامش وأطراف تدور حول هذا المركز، أن تكون رواية الأمكنة التي تنتج أبطالها، ورواية متعدّدة الأبطال".