تدور خلافات حادة حول الانتخابات المُزمع إجراؤها في جمهوريتي "دونيتسك الشعبية" و"لوغانسك الشعبية"، المُعلنتين من جانب واحد، والعازمتين على الانفصال عن أوكرانيا، والتحرّر من سلطة كييف المركزية. ويدور الخلاف في الجوهر حول الانتخابات من حيث المبدأ، وإمكانية تأسيسها سلطة جديدة، تكتسب شرعيتها من إرادة الشعب، وتُهيئ أرضية قانونية للانفصال، بينما تتناول النقاشات في الأوساط الدبلوماسية، مسألة شكلية، هي إجراء الانتخابات، اليوم الأحد، كما يريد زعماء دونباس (الإقليم الذي يضم دونيتسك ولوغانسك إضافة إلى خاركوف ودنيبروبتروفسك) وموسكو معهم، أم في 7 ديسمبر/كانون الأول المقبل، كما تريد كييف والغرب من ورائها.
في هذه الأثناء، تصرّ كييف على أن تتم الانتخابات في 7 ديسمبر، مستندة إلى أن القانون عن الوضع الخاص لإقليم دونباس الذي أقرّه البرلمان الأوكراني في 16 سبتمبر/أيلول الماضي، وصادق عليه الرئيس بيترو بوروشينكو، ينصّ على إجراء الانتخابات في هذا الموعد. وهو موعد مختلف عليه بسبب أنه جاء بعد اتفاقات مينسك. وفي المقابل، يؤكد ممثلو دونيتسك ولوغانسك على أنهم يملكون الحق باختيار التاريخ الذي يرونه مناسباً لإجراء الانتخابات في أقاليمهم، وذلك ما تسمح به اتفاقات مينسك كما يؤكدون وتؤكده مصادر أخرى.
وفي السياق، نشرت صحيفة "كوميرسانت"، استناداً إلى مصادر مطلعة في أوساط الحكومة الروسية، أنه تم "في ملحق غير منشور لاتفاقات مينسك، تثبيت مجال زمني لإجراء الانتخابات المحلية في إقليم دونباس، وأن تاريخ اليوم يقع ضمن هذا المجال، بينما موعد 7 ديسمبر يقع خارجه. وأنهم في كييف يعرفون ذلك جيداً". وأضافت الصحيفة، نقلاً عن مصادرها في محيط بوروشينكو، تأكيدهم وجود مثل هذا الاتفاق فعلاً ولكنهم يقولون إنه كان شفهياً وليس كتابياً.
إلى ذلك، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أكد في منتدى "فالداي"، وجود اتفاقات غير معلنة حول موعد الانتخابات في مينسك، فقال "قلّة من يعرفون أن هناك اتفاقات، وأن الانتخابات في جنوب شرقي أوكرانيا يمكن أن تجري، ثم في اللحظة الأخيرة أجريت تعديلات (المقصود من قبل كييف) على القانون المعني بخصوص المواعيد، دون أن يستشيروا أحداً، ودون أن يتشاوروا مع جنوب شرقي البلاد، فقرروها في 7 ديسمبر".
ولم تتأخر الخارجية الروسية في تأكيد اتفاقات مينسك وخرق كييف لها. فقد جاء في تصريح الخارجية المنشور على موقعها الرسمي، بتاريخ 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أنه "انطلاقاً من تحذير كييف، وعدد من العواصم الغربية من إجراء الانتخابات في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، نجد مناسباً التذكير بالتالي: وفق اتفاقات مينسك التي تم التوصل إليها في سبتمبر بين ممثلي الرئيس الأوكراني وجنوب شرق أوكرانيا، بوجود ممثلين عن روسيا وبعثة الأمن والتعاون الأوروبية، فإن موعد إجراء الانتخابات يقع بين 19 أكتوبر و3 نوفمبر".
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد أكد أثناء مقابلة أجرتها صحيفة "أوفيستيا" وقناة "لايف نيوز" التلفزيونية، في 27 أكتوبر، مضمون تصريح الخارجية الرسمي، وركّز على أهمية إجراء الانتخابات من زاوية إكساب السلطات المحلية شرعية دستورية وشعبية. وأضاف "نعتقد أن هذه واحدة من أهم الاتجاهات في اتفاقات مينسك، وننتظر أن تتم الانتخابات في موعدها المقرر، ونحن بالطبع سنعترف بنتائجها".
وفي إطار حاجة سلطات الجمهوريتين الانفصاليتين إلى شرعية دستورية مستمدة من الشعب، نقلت صحيفة "فزغلاد" قول الباحث السياسي الشهير فيدور لوكيانوف، بهذا الشأن "الانتخابات التي ستُجرى هناك مهمة، من وجهة نظر أن الأشخاص في السلطة يجب أن يتمتعوا ولو بالحد الأدنى من الشرعية. فمن يمارس السلطة هناك حتى الآن هم القادة الميدانيون. وهم لا يستطيعون الحديث عن إرادة الشعب".
وتنقل وكالة "إنترفاكس" في 29 أكتوبر الماضي، عن الممثل الدائم للاتحاد الأوروبي في روسيا، فيغادوس أوشاكاس، قوله "نحن قلقون من أن استعداد روسيا للاعتراف وإرسال مراقبين إلى الانتخابات، التي حددتها سلطات الجمهوريتين المعلنتين من جانب واحد والتي تناقض اتفاقات مينسك. ومن المستبعد أن يخدم ذلك في تخفيض التوتر وإرساء الثقة لتنفيذ اتفاقات مينسك". ويلمح أوشاكاس إلى مزيد من العقوبات قد تُتخذ بحق روسيا إذا أجريت الانتخابات قبل 7 ديسمبر.
كما جاء التنصّل من اتفاقات مينسك، التي تؤكدها موسكو، على لسان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، فقد نقلت عنه وكالة "ريا نوفوستي" دعوته إلى عدم إجراء الانتخابات اليوم، وتأكيده أن "هذه الانتخابات تنتهك جدياً بروتوكول مينسك، والتفاهم الذي يجب تنفيذه بالكامل وبصورة عاجلة".
بانتظار الانتخابات وما قد يترتب عليها في الداخل الأوكراني، ينتظر الروس مزيداً من الضغوطات عليهم، ليرتسم خط المواجهة بوضوح أكبر يوماً عن يوم، عند بسطاء الروس، بين روسيا "البوتينية" وأوروبا "الواشنطونية".