تتميّز رحلة الطبيب الألماني أولريخ سيتزن إلى الشرق، والتي بدأت في عام 1802، قبيل وفاة أحمد باشا الجزار بثلاثة أشهر، بأنها الرحلة العلمية الأولى في القرن التاسع عشر التي يقوم بها رحالة غربي إلى المشرق العربي بهدف استكشاف المنطقة، ولغاية غير الحج إلى الأراضي المقدسة في فلسطين. إذ كان الهدف المعلن للرحلة جمع الآثار والنفائس في وقت كانت منطقة المشرق العربي تغرق في حالة من الفوضى والجهل العميم.
ولد الدكتور أولريخ كاسبر سيتزن في 30 كانون الثّاني (يناير) عام 1767 في بلدة جيفير، الواقعة ضمن مقاطعة فريزلاند الألمانية. كان والده من ملاكي الأراضي الميسورين، فساعده ذلك على الدراسة في كلية الطبّ في جامعة غوتنغن التي تخرج فيها عام 1789، لكنه قرر أن لا يعمل في هذه المهنة، إذ كانت اهتماماته منصبة على العلوم الطبيعة، وعلم النبات، وعلم المعادن، والزراعة، والاقتصاد السياسي.
قام سيتزن برحلات استكشافية في ألمانيا وهولندا والنمسا وهنغاريا ونشر مقالاته في المجلات المتخصصة، حيث اكتسب سمعة لا بأس بها في الأوساط العلمية. وفي عام 1802 حصل على وظيفة حكومية في بلدته جيفير.
وكان سيتزن قد تعرف أثناء دراسته الجامعية إلى ألكساندر فون هومبولدت، واتفقا على القيام برحلات إلى البلدان البعيدة. وفعلاً توجه فون هومبولدت إلى أميركا الجنوبية عام 1799. بينما اختار سيتزن آسيا وأفريقيا مجالاً لطموحاته. وكانت خطته أن يعبر أفريقيا من الشرق إلى الغرب خلال ثلاث سنوات، للتعرف إلى مختلف جوانب الحياة في هذه القارة المجهولة آنذاك.
وقد حصل سيتزن على دعم معنوي كبير من البروفيسور بلومنباخ مؤسس علم الأنثروبولوجيا والشخصية الأكاديمية المرموقة في ذلك الزمن، تبعه دعم مادي من دوق غوتا، المولع بجمع التحف والآثار، حيث أمده بالآلات الضرورية لإنجاز مهمته، كما ائتمنه على مبالغ كبيرة من الأموال لشراء أي لقى أثرية تتعلق بالفنون والآداب والأديان يجدها في طريقه.
تعلم العربية في حلب
بدأ سيتزن رحلته من جيفير إلى فيينا في 13 حزيران (يونيو) من عام 1802، حيث تعلّم رسم المخططات والخرائط. ثم سافر إلى بوخارست، وعبر البلقان إلى إستنبول، في 12 كانون الأول (ديسمبر) عام 1802، وبقي هناك ستّة أشهر عبر بعدها إلى آسيا الصغرى، فحلب التي وصلها مع نهاية عام 1803، وبقي فيها 15 شهراً تعلّم فيها العربية كتابة وتحدثاً.
ومن حلب مضى إلى دمشق، وطاف في أرجاء سورية وفلسطين، وصحارى بلاد العرب، يجمع المعلومات الجديدة واللقى الأثرية التي كان يشحنها إلى ألمانيا وروسيا، بعد أن حصل على رعاية إضافية من جامع تحف وآثار مشهور هو القيصر الروسي ألكسندر الأول.
في مطلع عام 1805 عاد سيتزن إلى دمشق من إحدى جولاته الاستكشافية، وبدأ رحلة إلى جبل الشيخ (حرمون)، ومنابع الأردن منتحلاً شخصية طبيب يدعى موسى الحكيم.
غادر سيتزن دمشق في يوم السبت في 18 كانون الثاني (يناير) 1805، وكتب حول ذلك في مفكرته: "تسطع الشمس في السماء، لكن جو الصباح بارد. قمت بشراء أشياء مختلفة للسفر، وودعت رهبان دير تيرا سانتا (الأرض المقدسة) والطبيب الفرنسي. في العهود القديمة سكن في القرية التي تبعد نصف ساعة من هنا، واسمها جوبر، عدد من اليهود، إلا أنهم أسلموا لاحقاً. وتوجد هنالك مغارة قيل إن النبي إلياس اختبأ فيها في العصور القديمة وتعتبر مقدسة. يوجد أيضاً في هذه القرية كنيس يهودي كثيراً ما تقام فيه الصلوات، ويقيم بعض الحجاج اليهود عدة أيام فيه. خلت جوبر حالياً من اليهود المقيمين فيها، باستثناء حاخام صغير القامة".
يعدد سيتزن محطات طريقه إلى جبل الشيخ كما يلي: "في الطريق من هنا إلى قطنا يجب المرور بعدة قرى تقع كل واحدة منها على بعد نصف ساعة أو ساعة من الأخرى وهي: داريا عرطوز وقطنا. وما زالت كل هذه القرى تقع في منطقة الغوطة. وتبدأ المنطقة الجبلية بعد مدينة قطنا بحوالي ساعة".
بعد ذلك يعود للتعليق على سوق القمح في حي الميدان الدمشقي بقوله: "يقال إنه تم إنشاء ضاحية الميدان الطويلة عندما أحرق تيمورلنك الضاحية من الجهة الشمالية وهدمها. وتوجد في الميدان 20 بايكة و5 مستودعات للحبوب تملأ بالقمح والشعير والفاصولياء وغيرها ويتقاضى صاحب البايكة أجر كل (غرارة) قرشين ونصف ومقداراً معيناً من الحبوب وأصحاب البايكات سماسرة يعيشون من بيع الحبوب للمزارعين، ويقومون بعد النقود والتأكد من صحتها ويقدمون سلفاً للمزارعين حتى يوم الحصاد الخ... إن سهل الشام يمتد من أرض اللوان حيث يجري نهر اللوان، وحتى الجبال".
ويبدو أنه انطلق في رحلته من حي الميدان جنوبي العاصمة دمشق وخارج سورها: "تابعنا الرحلة ووصلنا إلى كفر سوسة في الثالثة والنصف، وفي طريقنا مررنا ببساتين مزروعة بشجر الزيتون وغيرها من الأشجار ويوجد فيها طاحونة. وفي الساعة الرابعة والنصف قطعنا البساتين المزروعة بشجر الزيتون والملفوف. أما الحجارة المتناثرة على الطريق فكان قسم منها من الصوان. فشاهدنا على جانبي الطريق جبالاً عارية، وقد اتجهنا نحو الجنوب حيث وصلنا في الساعة الخامسة إلى داريا، التي تقع على بعد ربع ساعة باتجاه اليسار. هنا المنطقة سهلية بأكملها.
ووصلنا أخيراً في الساعة السادسة إلى قرية اسمها المعضمية التي تقع حوالي عشر دقائق على يمين الطريق. هنا كانت الأرض مروية وبدأ فيها القمح بالاخضرار. في الساعة السابعة وصلنا إلى جديدة، وهي قرية فيها بيوت ترابية ذات سطوح منبسطة وسكانها من المسلمين، و فيها آغا. تقع هذه القرية على بعد ساعتين من نهر قطنا، وتنمو فيها أشجار الزيتون والحور".
إلى راشيا
وفي يوم الاثنين في 20 كانون الثاني (يناير) في الساعة السابعة وعشرين دقيقة يغادر سيتزن قرية عرطوز على بعد حوالي نصف ساعة إلى يسار الطريق حيث تنتهي سلسلة هضاب الكسوة. ويلاحظ أن حجارة المنطقة من البازلت وفي سفوح الهضبة الأولى يوجد حجر الصوان، فيقول واصفاً الطريق: "تابعنا رحلتنا في الساعة التاسعة والربع وقطعنا قطنا التي كانت تقع على نصف ساعة إلى شمال الطريق. هنا يقيم الشيخ حسن الراعي. وفيها جامع له قبة وبرج.
من هنا بدأنا نصعد مشارف الجبل حيث تكثر السبل الضيقة الوعرة. وجدنا في طريقنا قرية مهدمة وبئراً صغيرة في وادٍ قريب. وصادفنا خلال صعودنا الكثير من الحجارة الملونة، وكان أعلى الجبل مسطحاً والطريق خالياً من الثلوج. أما باتجاه اليسار حيث يقع جبل الشيخ وعلى اليمين باتجاه حرفوش كان هنالك شريط طويل من الثلوج".
ويتابع وصفه الدقيق: "وصلنا في الساعة العاشرة والنصف إلى كفر قوق التي هي ليست إلا خربة فيها العديد من الصخور غير المرتفعة من الحجارة الجيرية. وصادفنا هنالك قطيعاً كبيراً من الماعز بعضها في المناطق المغطاة بالثلج، كما صادفنا حماراً يحمل نباتات يابسة تمد أفران دمشق بالوقود. تابعنا مسارنا في الساعة الثانية عشرة في واد صغير محاط بجبال من الصخور الكلسية التي بدت في بعض الأحيان مرتفعة وعارية من النباتات. وصلنا إلى قلعة رخلة. وهي تقع في منطقة مكسوة بالأشجار ذات الحجم الكبير، وكنا إلى ذلك الحين لم يسبق لنا أن صادفنا في طريقنا سوى مروج والقليل من السنديان".
يصل سيتزن إلى إحدى قمم جبل الشيخ التي يصفها بأنها "تشع كالفضة تحت أشعة الشمس"، وقال: "بلغناها في الساعة الثالثة، ومنها تسنى لنا الإطلال على بقعة صغيرة من البحر. كان الجو بارداً. وتبين لنا أن المنطقة الغربية أكثف نباتاً ولكن بدون أشجار وتتوفر فيها الصخور المسننة بكثرة. صادفنا في النزول وادياً ضيقاً يشابه الوادي الذي رأيناه في الصعود".
بعد ذلك يصف المشهد من قرية عيحا على السفح الغربي من الجبل: "وصلنا في الساعة الرابعة والربع إلى قرية عيحا المغروسة روابيها بشجر التوت وغيره وعلى يمينها تظهر من بُعد قرية كفرقوق.. عثرنا هنا على بقايا معبد يقع على حافة مرتفع من الصخر وهو مزين بقطع مستطيلة من المرمر، وما زال يستند مدخله إلى عامود من الطراز الإيوني، وهو يطل على واد صغير دائري الشكل. وفي قرية رخلة توجد آثار ولكنها ما زالت في حالة أفضل، إذ في عيحا لم يبق منها غير حائط واحد".
يصل سيتزن إلى راشيا في وادي التيم، فيقول واصفاً ذلك: "في الساعة السادسة وصلنا إلى راشيا ووجدنا هناك كتابين طبعا في مدينة فيينا كتاب الخط العربي طبع في فيينا عام 1792، وتفسير المزامير 1791. كتب مار يوحنا الدمشقي كتابين حول اللاهوت باللغة اللاتينية واليونانية وطبعا في باريس.. أصيبت سرايا راشيا بأضرار بالغة عقب هزة أرضية حصلت منذ 40 عاماً". وهو يقصد زلزال عام 1759 الذي دمر جنوبي بلاد الشام وخلف كارثة كبرى على الناس والعمارة.
ويضطر سيتزن للبقاء في راشيا بعض الوقت بسبب عاصفة ثلجية، وهو ما يتيح له وصفها بشكل أكثر تفصيلاً وبذكر اسم حاكم المدينة الشهابي: "منعنا هطول المطر المتواصل والضباب الكثيف من متابعة الرحلة. توجد في راشيا كنيستان للروم الأرثوذكس وكنيسة للسريان وكلاهما من الكنائس غير المتحدة. توجد أيضاً خلوتان وحوالي 450 بيتاً للسكن. أمير المنطقة يسمى الأمير فندي وهو من عائلة شهاب ويسميه الجميع أفندينا وهو ما زال شاباً.. يصيف أسقف صيدا وصور هنا بسبب البرودة وجودة الماء ويشتي في حاصبيا".
ويلفت النظر إلى ندرة اللحم الأحمر في هذه البلاد "بسبب تربية قطعان الغنم والماعز بدون البقر، لذا يقوم الأهالي باصطياد الخنزير البري قرب بحيرة الحولة ونهر الأردن"، بحسب تعبيره.
في زيارة الأمير الشهابي
يقول إنه زار الأمير فندي الشهابي ووجده يحاسب كاتبه، ويلاحظ "أن غرفته صغيرة جدا وأشبه بالمطبخ، لها باب واحد صغير". ثم يضيف أن "بيوت راشيا مشيدة على مدرجات تقع على منحدر الجبل"، ويشير إلى وجود مبنى أثري يدعى "قصر الشبيب لم يبق فيه سوى أربعة أعمدة يقع على بعد أربع ساعات باتجاه جنوبي شرقي راشيا".
ثم يقول إن "أهالي راشيا ينسجون الكثير من الأقمشة القطنية ويصنعون بعض المنتجات الحديدية والأحذية. وتصنّع الأواني الفخارية لبيعها في دمشق...ولا توجد في راشيا ساحات". ويلفت النظر إلى العثور على ما يسميه حجر النار، وهو الفحم الحجري، الذي يقول إنه تم نقله إلى جبل لبنان لاستخدامه في مصاهر الحديد، ولقلة وجود الحطب في هذه المنطقة.
ويلفت سيتزن النظر إلى أن عدد البيوت في راشيا يبلغ 450 منزلاً فقط، وأن القرى التي تتبع لراشيا تبلغ 20 قرية وأن جبل الشيخ يقع تحت سلطة أمير راشيا.
ويشير إلى أنه "على مقربة من راشيا، في أسفل الوادي، توجد عدة آبار من القار الذي يستخدمه السكان لدهن كروم العنب لحمايتها من الحشرات الضارة، ويسمى هنا حُمّر". أما آبار القار المذكورة فيقول عنها: "تعتبر آبار القار من أملاك الأمير –عمق حفرة المنجم من 40 – 50 قدماً على الأقل ويستخرج منها 200 – 300 قنطار وفي بعض الأحيان 1000 قنطار من القار، حسب عدد الأشخاص الذين يعملون فيها".
ويتقاضى عمّال المنجم أجرهم حسب عدد القناطير المستخرجة، فيبلغ الأجر بين 2 قرشين ونصف القرش و4 قروش لكل قنطار. تسبب رائحة القار الشديدة خطراً على صحة العمال. لاستخراج القار يتم ربط العامل بحبل وإنزاله إلى الحفرة. ويبيع القاضي الحُمّر إلى لبنان ودمشق وحلب وحمص الخ... ويهدي الأمير للفقراء منه بمقدار رطل لكل 4 بيوت. ولكن يحظّر على السكان المحليين العمل في المنجم لحسابهم الخاص. وبما أن القاضي هو المشرف على العمل يقال إنه يخفي منه الكثير عن الأمير".
ويتابع قائلاً: "يبدو واضحا أن اليوم ستنكشف الغيوم وسيتحسن الطقس قليلاً. غادرنا راشيا وتابعنا رحلتنا إلى حاصبيا. وذلك في الساعة التاسعة صباحاً. تصعد الطرق الجبليّة وتنزل باستمرار ولكنها ليست بصعوبة طرق جبال لبنان، فهي ترابية من اللون البني وتبدو خصبة". ويقول: "أنا متأكد أن أهل كسروان النشيطين لو قطنوا هنا لحوّلوها إلى أجمل البساتين والمصاطب، لكن أهل هذه المنطقة أقل منهم نشاطاً بكثير ولا توجد هنا إلا القليل من الأراضي المزروعة، لكن كثرة وجود شجر الزيتون يؤكد وسع انتشار الزراعة سابقاً. وهذا ما تبرهن عليه أيضاً كثرة القرى المندثرة الموجودة في المنطقة".
ويضيف في وصفه لطريق الرحلة من راشيا إلى حاصبيا: "كانت الأمطار تنحدر من جميع الجهات في مجارٍ ضيقة تغطي منحدرات الجبال وتجتمع لتؤلف في الوادي جدولاً اضطررنا لعبوره مرتين، وهو يجف في الأيام التي لا تهطل بها الأمطار. يصب هذا الجدول في نهر الحاصباني الذي ينبع تحت حاصبيا. أما بالنسبة للقرى فهي مشيدة كما في جبل لبنان ولكن بأقل مهارة وينقصها في كل مكان المهارة الكافية بالزراعة".
وحول مدينة حاصبيا وحاكمها يقول: "تقع حاصبيا في وادي التيم التحتا، وراشيا في وادي التيم الفوقا. أمير المنطقة من أسرة الشهاب، الذي تعود أصوله إلى شهبا، وهو مسلم ويدفع الضريبة إلى دمشق".
ويضيف قائلاً: "يميل أهل المنطقة إلى الحرب ولا يخشون العثمانيين أبداً. وفي إحدى المرات قتل 600 رجل من حاصبيا وراشيا 2000 جندي يتبعون لأحمد باشا الجزار".
في حاصبيا ثم إلى مصر والحجاز
وحول وصوله إلى مدينة حاصبيا يقول: "وصلنا إلى حاصبيا بعد أكثر من خمس ساعات من السفر وتقدمنا إلى أسقف الروم وسلمته كتاب توصية فرحّب بنا. يجري في الوادي السحيق نهر تبدو خلفه سفوح الجبال على شكل مدرجات، وتصل البيوت حتى قمة الجبل. تمد حاصبيا دمشق بالنبيذ والحرير.. يوجد في حاصبيا كنيستان للروم الأرثوذوكس وواحدة للروم الكاثوليك وأخرى مارونية وكنيس يهودي وثلاث خلوات وجامع واحد".
ويضيف: "ينبع نهر الحاصباني في أسفل حاصبيا وهو يشغّل سبع طواحين. فهو يجري حوالي خمس ساعات ثم يقترن قرب بانياس بنهر الأردن الذي ينبع في تل القاضي على بعد خمس ساعات من هنا. ويجري نهر بانياس لمدة ساعة فقط قبل اجتماعه بنهر الأردن".
يصنع الفخار في راشيا الفخار، ولكنه لا يصنع في حاصبيا. ومن فترة لا تتجاوز 5 أو 6 سنوات مضت، كان على بعد 3 ساعات من حاصبيا، أي في راشيا الفخار، فرن لصهر الحديد. وبالقرب من هذه القرية من جهة حاصبيا، في قرية تسمى بالهبارية يوجد برج قديم مهم وفي البرج باب حديدي وقبو.
على بعد 4 ساعات باتجاه جنوبي حاصبيا توجد قرية المطلة وهي عبارة عن دير كبير قديم مهدم. في منطقة حاصبيا حجارة بيضاء وعدد من الآبار والبرك ولا يوجد فيها نقوش على الحجر. وتبدو أنها ليست قديمة.
وحول بيوت حاصبيا يقول: "يشابه أثاث البيوت في المنطقة أثاث بقية مناطق لبنان، إلا أن الجدران أسوأ كما الشرفات والحدائق لا تتمتع بالعناية الموجودة في لبنان". لافتاً إلى أن طول وادي التيم من برقش إلى بانياس يبلغ خمس عشرة ساعة من السفر وعرضه خمس ساعات.
بعد ذلك يصف سيتزن مناطق شرقي الأردن من جهة الجولان، وهو أول رحالة غربي يصل إلى شرقي بحيرة طبرا منذ الحروب الصليبية، ويهبط باتجاه الأردن وفلسطين إلى أن يصل إلى مدينة القدس، وهنا يقيم فترة من الزمن قبل أن يسافر إلى الخليل، ثم إلى النقب فإلى مصر عبر صحراء سيناء، حيث أقام في القاهرة مدة عامين. ومن هناك يشتري لمتحف غوتا مجموعة من 1574 مخطوطة، و3536 لقية أثرية، والعديد من النماذج الصالحة لعلم المعادن وعلم النبات وعلم الحيوان.
وفي عام 1808 يزور الفيوم، وأهرامات الجيزة، وبحيرة قارون، وأضرحة الملوك المصريين القدماء في سقارة. ثم يسافر بحراً إلى ميناء ينبع الحجازي ومنه إلى جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة. وكانت آخر رسالة وصلت منه إلى أوروبا من مكة المكرمة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1810.
في أيلول (سبتمبر) من سنة 1811، يتم العثور على جثة سيتزن إلى جانب طريق قرب مدينة تعز اليمنية، ومن المحتمل أن يكون إمام اليمن قد أوعز بتسميمه بعد أن كشف حقيقة شخصيته، حسب رواية الرحالة الإنكليزي جيمس سيلك بكنغهام لدوق غوتا عام 1815.
وتتميز تقارير ومفكرات ورسائل سيتزن، والتي جمعها ونشرها البروفيسور فريدريك كروزة في برلين عام 1854 في أربعة مجلدات، ولم تترجم إلى العربية حتى الآن، بمعلوماتها الغنية والطريفة.
فقد وصف لقاءاته مع أصحاب الأملاك والباعة المتجولين والخدم، وروى حوادث شاهدها في الأسواق والحانات، ولكن هذه التقارير والمفكرات في الوقت نفسه تفتقر إلى الترابط المنطقي، فمن الممكن أن تقرأ معلومة تخصّ مدينة الدرعية في هضبة نجد ومحمد بن عبد الوهاب في سياق حديثه عن جبل الشيخ في بلاد الشام. والسبب في ذلك أنه لم ينسق معلوماته ولم يعدّها للنشر، وربما كان ينتظر فرصة سانحة إلى أن ينتهي من رحلاته بشكل نهائي كي يتفرغ للصياغة والتحليل، ولكن القدر لم يسعفه.
وتعد اكتشافات الدكتور أولريخ سيتزن ومفكراته ورسومه التخطيطية وثيقة مهمة ومرجعاً لكل المستشرقين الغربيين الذين أتوا بعده. وقد تميّز بشيء من النزاهة التي افتقر إليها كثير من المستكشفين اللاحقين.