أثار انهيار مبنى من خمسة طوابق فوق رؤوس ساكنيه في حي صلاح الدين بمدينة حلب، الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، الكثير من التساؤلات حول ترك النظام للمدنيين في مناطق سيطرته عرضة للموت، من خلال جعل الخيار الوحيد أمامهم، هو السكن في منازل آيلة للسقوط بسبب قصف قواته لها في وقت سابق، وعدم تأمين أي بديل يجنب المدنيين كوارث، ككارثة الأمس التي هزت الرأي العام السوري، بعد تسببها بمقتل عائلات بأكملها تحت أنقاض منازلها.
طبعاً مبررات النظام جاهزة دائماً لتفنيد ما حصل، فالمواطن المستهتر بحياته، والذي يرتضي السكن في مبنى آيل للسقوط سبب أساسي في حصول تلك الكوارث، عدا عن أن النظام منع، ولا يزال يمنع، مئات الآلاف من المدنيين في حلب ودمشق وحمص من العودة إلى منازلهم خوفاً عليهم من مصير مشابه لمصير إخوتهم في المواطنة الذين قضوا في انهيار مبنى صلاح الدين. وبالتالي من وجهة نظر النظام، فإن حادثة انهيار مبنى صلاح الدين حجة وبرهان قاطع لدى النظام على صوابية قراره بمنع المدنيين من العودة إلى منازلهم في بعض المناطق. ولعل السبب الرئيسي بمغامرة المدنيين في السكن ضمن منازلهم المتصدعة، والتي توشك على الانهيار، هو أن الإجراء الوحيد الذي يتخذه النظام حيال تلك المباني هو هدمها بشكل كامل، وترك سكانها في العراء من دون تأمين حتى خيمة تؤويهم. طبعاً هذا عدا عن المخاوف من عدم استطاعتهم العودة إلى بيوتهم في حال أقام النظام مشروعاً لإعادة إعمارها.
وبالتالي على أرض الواقع، فإن هناك الآلاف من المدنيين الذين يقطنون حالياً في مبانٍ آيلة للسقوط بسبب قصف طيران النظام لها، فيما يمنع النظام آلافاً آخرين من العودة إلى منازلهم بحجة عدم صلاحيتها للسكن، على الرغم من أنها لم تتعرض للقصف. أي أن هناك أولويات للنظام لا علاقة لها بحقوق المدنيين، إذ ظهرت مخططات تنظيمية تُرسم لتلك المناطق لأهداف لا علاقة لها بأمن وسلامة المدنيين، بل تنفيذاً لمشاريع تهدف إلى إجراء عمليات تغيير ديموغرافي، وستكون نتائج تلك المخططات حرمان سكان تلك المناطق من بيوتهم للأبد. ففي مدينة تدمر، التابعة لمحافظة حمص، يمنع النظام السكان من العودة إلى منازلهم، التي حولها إلى مساكن للمليشيات الأفغانية التي تسانده. وفي وادي بردى في ريف دمشق الشرقي يمنع النظام الأهالي من العودة إلى منازلهم التي لم تتعرض للقصف. وفي مناطق كثيرة من محيط دمشق، كجنوب دمشق وداريا والمعضمية وغيرها، يمنع النظام سكان بعضها من العودة نهائياً إلى منازلهم، فيما يشترط وجود موافقة أمنية على العودة لبعضها الآخر.