03 نوفمبر 2024
أين ستذوب دولة الإسلام؟
تنظيم الدولة الإسلامية، أو "داعش"، الاسم الحار الذي كان موضع حوارات طويلة على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، بوجوده العريض وموارده المبهمة وتنظيمه المتين الذي جثم على نصف أراضي دولتين عربيتين، وقد تبنى خطاباً إعلامياً عنيفاً مزوّقاً بكل الألوان التي تحتويها الكاميرات الحديثة، وجذب شباب العرب والغرب فهاجروا إليه، أو تعاطفوا معه، هذا التنظيم بدأ بالانحسار والتراجع، على الرغم من ضرباته المعزولة، أخيرا، في عواصم أوروبية ومدن تركية.
نبت فرع تنظيم القاعدة في العراق، وتضخّم حتى استيقظ العالم فجأة على احتلال "داعش" الموصل وتمدّده وصولاً إلى تخوم بغداد، وتغوله في الرقة وضواحيها حتى أصبحت عاصمته الثانية، باعتبار أن زعيمه أبو بكر البغدادي آثر أن يظهر خطيباً في الموصل العاصمة المفضلة. كان الاحتدام السياسي في العراق حينها على أشده، متزامناً مع حالة من التخلي الحكومي عن الأقاليم الشمالية التي لا تتبع لكردستان العراق، فانبثق التنظيم بديلاً جهنمياً مالئاً فراغ السلطة السياسية، وفاض على شكل عنفٍ موجهٍ وواعٍ، واستطاع أن يطوي كل التنظيمات المتصارعة حوله، ووسع من دائرة انتشاره، حتى وصل إلى منبج والباب في الغرب، وطرق أبواب عين العرب (كوباني)، ووضع يده على مدينة جرابلس الاستراتيجية، حيث يدخل نهر الفرات في الأراضي السورية.
شكل التنظيم في مدينة الرقة بديلاً سلطوياً بقدرته على الانتظام والسيطرة وامتلاكه المستبد عناصر الحياة في المناطق التي يحتلها. واستفاد كثيراً من تراخي خصومه، أو من ادّعوا الوقوف في وجهه، كالنظامين السوري والعراقي وأميركا وحلفائها وحتى كتائب المعارضة والفصائل الإسلامية التي نظرت إليه بعين الحسد والطموح، وجرّب بعضها الاندماج معه.
تُختصر عناصر نجاح تنظيم الدولة واستمراريته في وجود فوضى عارمة في المنطقة، ونقص قيادي وفكري، وتقاعس أعدائه، ونشاطه الإعلامي الفريد، لكنه الآن لا يبدو في أحسن حالاته، إذ فقد كثيراً من الأراضي والموارد والمريدين، ودخلت تركيا مباشرةً في قتاله بمشاركة فعالة من الجيش الحر، ولعلها الدولة الأولى التي خاضت معارك جادة ضده، وجعلته يتحرّك متراجعاً لأول مرة إلى شرقي نهر الفرات.
يبدو تنظيم الدولة الآن هدفاً وحيداً ترغب كل الدول في مواجهته، بعد أن تكاسلت طويلاً، واستفاد بعضها من تضخم إرهابه، وربما استعان به بشكل غير مباشر، ليخبئ إرهابه خلف إرهاب "داعش" المكشوف.. ويرغب رئيس أميركا الجديد، دونالد ترامب، بتسجيل نقاطٍ في صالحه، باستخدام شعار مكافحة الإرهاب، فزاد من خبرائه العسكريين والأمنيين في المنطقة، ودعم حملة الحكومة العراقية في الموصل، ويخطط لأخرى في الرقة، بمساعدةٍ تركية، وربما كردية، وينسق مع روسيا أيضاً، بما يوحي أن معركة الرقة تنتظر حدثاً سياسياً متناغماً بين دول الإقليم ليبدأ الهجوم. وعلى الرغم من تعثر معركة الموصل التي تتم "بالتقسيط"، ويشنها الجيش العراقي، بمساعدة مليشيات متنوعة، إلا أن التنظيم يتقهقر بالفعل، وقد خسر عدداً من قادته الكبار، وتتحدّث تقارير عن مغادرة البغدادي نفسه الموصل.
تثير كل هذه الأخبار تساؤلاً ملحاً: أين ستختفي الكتلة البشرية التي تشكل "داعش" مع آلاف المهاجرين وعائلاتهم وعشرات آلاف الأنصار ومنقولاتهم العينية وممتلكاتهم الثابتة، وقد اعتادوا في ظل التنظيم على أسلوب حياة محدّد؟
يشبه وضع تنظيم الدولة الإسلامية الراهن حال حركة طالبان وتنظيم القاعدة غداة دخول القوات الأميركية إلى كابول في العام 2001، حيث كانت القوات الأميركية تدخل إلى المدن، ويتبخر المقاتلون وعائلاتهم داخلها، وفي المحلات المجاورة، ولم يبق منهم سوى أخبار ومشاهد تشبه الأساطير، فقد تركوا وراءهم مدناً مليئةً بالناس المغتبطين بحلاقة ذقونهم، والمستمتعين بسماع الموسيقى، وتبدَّد عناصر "القاعدة" و"طالبان" في هواء كابول، وعلى ذرا جبالها، واختفى قادتهما، كأنهم لم يكونوا قط.
تبدو الحالة مشابهةً هنا. ستدخل الجيوش المحرِّرة إلى الموصل والرّقة، لتجد الحلاقين ومحلات الموسيقى الذين ستنتعش أعمالهم، أما أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية فسيتوارون في مكان قريب، انتظاراً لأماكن الفوضى التالية التي سيتيحها لهم النظام الإقليمي ذاته.
نبت فرع تنظيم القاعدة في العراق، وتضخّم حتى استيقظ العالم فجأة على احتلال "داعش" الموصل وتمدّده وصولاً إلى تخوم بغداد، وتغوله في الرقة وضواحيها حتى أصبحت عاصمته الثانية، باعتبار أن زعيمه أبو بكر البغدادي آثر أن يظهر خطيباً في الموصل العاصمة المفضلة. كان الاحتدام السياسي في العراق حينها على أشده، متزامناً مع حالة من التخلي الحكومي عن الأقاليم الشمالية التي لا تتبع لكردستان العراق، فانبثق التنظيم بديلاً جهنمياً مالئاً فراغ السلطة السياسية، وفاض على شكل عنفٍ موجهٍ وواعٍ، واستطاع أن يطوي كل التنظيمات المتصارعة حوله، ووسع من دائرة انتشاره، حتى وصل إلى منبج والباب في الغرب، وطرق أبواب عين العرب (كوباني)، ووضع يده على مدينة جرابلس الاستراتيجية، حيث يدخل نهر الفرات في الأراضي السورية.
شكل التنظيم في مدينة الرقة بديلاً سلطوياً بقدرته على الانتظام والسيطرة وامتلاكه المستبد عناصر الحياة في المناطق التي يحتلها. واستفاد كثيراً من تراخي خصومه، أو من ادّعوا الوقوف في وجهه، كالنظامين السوري والعراقي وأميركا وحلفائها وحتى كتائب المعارضة والفصائل الإسلامية التي نظرت إليه بعين الحسد والطموح، وجرّب بعضها الاندماج معه.
تُختصر عناصر نجاح تنظيم الدولة واستمراريته في وجود فوضى عارمة في المنطقة، ونقص قيادي وفكري، وتقاعس أعدائه، ونشاطه الإعلامي الفريد، لكنه الآن لا يبدو في أحسن حالاته، إذ فقد كثيراً من الأراضي والموارد والمريدين، ودخلت تركيا مباشرةً في قتاله بمشاركة فعالة من الجيش الحر، ولعلها الدولة الأولى التي خاضت معارك جادة ضده، وجعلته يتحرّك متراجعاً لأول مرة إلى شرقي نهر الفرات.
يبدو تنظيم الدولة الآن هدفاً وحيداً ترغب كل الدول في مواجهته، بعد أن تكاسلت طويلاً، واستفاد بعضها من تضخم إرهابه، وربما استعان به بشكل غير مباشر، ليخبئ إرهابه خلف إرهاب "داعش" المكشوف.. ويرغب رئيس أميركا الجديد، دونالد ترامب، بتسجيل نقاطٍ في صالحه، باستخدام شعار مكافحة الإرهاب، فزاد من خبرائه العسكريين والأمنيين في المنطقة، ودعم حملة الحكومة العراقية في الموصل، ويخطط لأخرى في الرقة، بمساعدةٍ تركية، وربما كردية، وينسق مع روسيا أيضاً، بما يوحي أن معركة الرقة تنتظر حدثاً سياسياً متناغماً بين دول الإقليم ليبدأ الهجوم. وعلى الرغم من تعثر معركة الموصل التي تتم "بالتقسيط"، ويشنها الجيش العراقي، بمساعدة مليشيات متنوعة، إلا أن التنظيم يتقهقر بالفعل، وقد خسر عدداً من قادته الكبار، وتتحدّث تقارير عن مغادرة البغدادي نفسه الموصل.
تثير كل هذه الأخبار تساؤلاً ملحاً: أين ستختفي الكتلة البشرية التي تشكل "داعش" مع آلاف المهاجرين وعائلاتهم وعشرات آلاف الأنصار ومنقولاتهم العينية وممتلكاتهم الثابتة، وقد اعتادوا في ظل التنظيم على أسلوب حياة محدّد؟
يشبه وضع تنظيم الدولة الإسلامية الراهن حال حركة طالبان وتنظيم القاعدة غداة دخول القوات الأميركية إلى كابول في العام 2001، حيث كانت القوات الأميركية تدخل إلى المدن، ويتبخر المقاتلون وعائلاتهم داخلها، وفي المحلات المجاورة، ولم يبق منهم سوى أخبار ومشاهد تشبه الأساطير، فقد تركوا وراءهم مدناً مليئةً بالناس المغتبطين بحلاقة ذقونهم، والمستمتعين بسماع الموسيقى، وتبدَّد عناصر "القاعدة" و"طالبان" في هواء كابول، وعلى ذرا جبالها، واختفى قادتهما، كأنهم لم يكونوا قط.
تبدو الحالة مشابهةً هنا. ستدخل الجيوش المحرِّرة إلى الموصل والرّقة، لتجد الحلاقين ومحلات الموسيقى الذين ستنتعش أعمالهم، أما أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية فسيتوارون في مكان قريب، انتظاراً لأماكن الفوضى التالية التي سيتيحها لهم النظام الإقليمي ذاته.