استثمرت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تأييد الرأي العام الداخلي والخارجي للضربة الصاروخية على مطار الشعيرات في سورية، رداً على استخدام نظام بشار الأسد الأسلحة الكيميائية في خان شيخون، في تبريد المعركة السياسية على جبهة الداخل، وتخفيف حدة الحملة الإعلامية والسياسية التي يتعرض لها فريق الرئيس.
ويحاول البيت الأبيض التخلص مما يصفه بالشائعات عن احتدام الخلافات والانقسامات والصراع على النفوذ بين المستشارين والمساعدين وكبار الموظفين في الدائرة الضيقة المحيطة بترامب.
فقد حوّل الانقلاب المفاجئ في موقف الإدارة من المسألة السورية، واستحضار خطاب التصعيد مع موسكو، اهتمام الأميركيين عن أخبار وتداعيات التحقيقات في حقيقة التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، وهوية الشخصيات المقربة من ترامب المتورطة في عقد اجتماعات سرية وعلنية مع مسؤولين روس قبل وبعد الانتخابات.
فأمام بيانات الحرب الصادرة عن البيت الأبيض والبنتاغون، وإطلاق صواريخ "توماهوك" فوق رؤوس الروس في سورية، تفقد معناها الاتهامات المبالغة بحجم التأثير الروسي في الانتخابات الأميركية.
وأمام قول البنتاغون إنه يحقق في أدلة عن تورط روسيا في الهجوم الكيميائي في سورية، لا يعود للحديث عن مخاطر الاختراق الروسي الإلكتروني للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي على الأمن القومي الأميركي، أي أهمية.
وكذلك الأمر في وصف القرصنة الإلكترونية الروسية لمؤسسات ومواقع أميركية بالاختراق الاستخباراتي للقيادة السياسية الأميركية، وأيضا ترويج صورة أن أي اجتماع أو اتصال هاتفي بين شخصيات من فريق ترامب مع مسؤولين روس، خلال الحملة الانتخابية، هو بمثابة عمل تجسسي.
لا يعني ذلك أن البيت الأبيض على حق عندما ينفي وجود خلافات وصراع على النفوذ بين مستشاري الرئيس والمقربين منه. فالصورة التي نُشرت للرئيس الأميركي في غرفة القيادة، متوسطا وزراءه ومساعديه لحظة انطلاق صواريخ "توماهوك" باتجاه أهدافها في سورية، قد تعكس رمزيتها بعضا مما يجري في الحلقة الترامبية الضيقة.
فقد حضر في صدر المشهد زوج ابنة الرئيس ترامب، جاريد كوشنر، فيما استُبعد مساعد ترامب، الرمز اليميني المتطرف، ستيفن بانون، من حلقة اتخاذ القرار وجلس في المقاعد الخلفية، بعدما تمت إقالته، في وقت سابق، من مجلس الأمن القومي. أما كبير الموظفين في البيت الأبيض، رينس بريبوس، فقد احتفظ بمقعده على الطاولة. وهي لا تناقض الأخبار التي تتحدث عن إجراء تغييرات كبيرة في فريق ترامب، في الأيام القليلة المقبلة، منها إجراءات جديدة تحد أكثر من صلاحيات بانون.
ويبدو أن بانون سيكون أحد أبرز ضحايا الموقف الجديد لإدارة ترامب إزاء الشأن السوري. فترامب من معارضي التدخل العسكري الأميركي في سورية، ويرى أن ذلك يتناقض مع شعار "أميركا أولا" وأدبيات التيار الوطني الانعزالي الداعي إلى ابتعاد الولايات المتحدة عن بؤر التوتر في العالم.
كما جلب له موقفه الجديد احتجاجات على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما نشطت مواقع مجموعات اليمين المتطرف احتجاجا على التدخل العسكري الأميركي في سورية، واتهمت إدارة ترامب بأنها خضعت للاستبلشمنت في واشنطن. وحسب تلك المجموعات، فقد تراجعت إدارة ترامب عن كل وعودها الانتخابية، من شعار محاربة فساد الطبقة السياسية التقليدية، وإلغاء خطة الإصلاح الصحي "أوباما كير"، إلى مواقفها الجديدة من التدخل في سورية وتغيير النظام في دمشق والإطاحة ببشار الأسد.
الأكيد أن إدارة ترامب اختارت المصالحة مع الاستبلشمنت الجمهوري، وحظي قرارها القيام بعمل عسكري في سورية بتأييد الأغلبية الجمهورية في الكونغرس. وفي أوساط الرأي العام الأميركي، نالت العملية العسكرية تأييد الديمقراطيين والجمهوريين، على حد سواء. ومن مؤشرات رجحان دفة المؤسسة الحزبية الجمهورية، الدور الكبير الذي يلعبه نائب الرئيس، مايك بينس، في إدارة الشؤون الأميركية الداخلية، وتحسين موقع بيربوس في البيت الأبيض على حساب بانون، وذلك بعد استقالة المستشار السابق للأمن القومي، مايكل فلين، الذي ضلل نائب الرئيس وأخفى عنه معلومات وتفاصيل اتصاله بالسفير الروسي في واشنطن، سيرغي كيسلاك، ومناقشة مسألة العقوبات الأميركية على موسكو.
كما يبدو أن الضربة العسكرية في سورية أيقظت حنينا في مشاعر الجمهوريين وألهبت حماسهم الوطني ونزعتهم نحو الحرب واستعادة دور الولايات المتحدة في قيادة العالم وفرض سطوتها العسكرية في معادلات وموازين القوى في العالم.
كما جذبت انتباه أوساط يسارية وليبرالية، محسوبة على الحزب الديمقراطي، رأت في إعادة الخطوط الحمراء الأميركية إلى سورية خطوة في الطريق الصحيح لاستعادة واشنطن هيبتها في العالم، والوصول إلى وضع استراتيجية أميركية واضحة تفضي إلى تفاهم متكافئ مع الروس يساعد على فرض حل سياسي في سورية.