ستشكل دول القرن الأفريقي (إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي والصومال، والبعض يصنّف السودان وجنوبه في خانتها)، أحد الملفات التي يتوقع أن تكون محور اهتمام الفريق المحيط بالرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب. غير أن هذه المنطقة قد تكون من بين الملفات الأقل عرضة للتغيير في عهد ترامب لناحية السياسة المتبعة تجاهها مقارنةً مع ما سلكته إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما. وتشكل المنطقة، تاريخياً وعسكرياً وجيوسياسياً، أهمية كبرى بالنسبة للولايات المتحدة منذ عُقود طويلة، باعتبار أن جميع دولها ـ باستثناء إثيوبيا ـ تطل على البحر الأحمر، وأهم ممرات التجارة العالمية عبر مضيق "باب المندب"، المدخل الجنوبي للبحر، وصولاً إلى قناة السويس مدخلها للبحر الأبيض المتوسط.
كما أن هذه الدول تعتبر عُمقاً استراتيجياً وجغرافياً يحمي ظهر دول مجلس التعاون الخليجي، المصدر الأهم والأكبر للنفط. كما أنها، أي دول القرن الأفريقي، تتوسط منطقة ترزح تحت وطأة التوتر والنزاعات والصراعات التي تهدد الإقليم برمته، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى إنشاء قاعدة عسكرية في دولة جيبوتي، المطلة على مضيق باب المندب مباشرة، والمقابلة للشواطئ اليمنية.
وبالنسبة لدولة الصومال، من المؤكد أن العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة سوف تشهد تحسناً في حال نجح الرئيس الصومالي الجديد، محمد عبد الله فرماجو، في وضع حد للحرب الأهلية التي تعاني منها الدولة منذ سقوط نظام الرئيس محمد سياد بري. وتحسّن العلاقات مرهون أيضاً بنجاح الحكومة الصومالية في بناء مؤسسات راسخة تدير أمور الدولة، وفي إعادة ترميم البنية التحتية التي تدهورت وتحطمت خلال سني الحرب الطويلة. ولعل المفارقة الأكبر والمثيرة للانتباه تتمثل في أن الرئيس الجديد فرماجو، يحمل الجنسية الأميركية، وظل يعمل أستاذاً في جامعاتها لسنوات طويلة، قبل أن يدخل إلى عالم السياسة في عهد الرئيس الأسبق، شيخ شريف أحمد، الذي عمل معه فرماجو رئيساً للوزراء بين أعوام 2009 و2011، شهدت خلالها الصومال استقراراً وهدوءاً نسبياً. وتمكن فرماجو بقيادته للدولة كرئيس تنفيذي، من أن يرسخ الأمن في أجزاء واسعة من الدولة، ومن ترميم الطرق والمستشفيات، وإعادة هيكلة كثير من الدواوين والمؤسسات الحكومية. كما نجح في إعادة تنظيم قوات الشرطة والجيش ومدها بالمعدات العسكرية لحفظ الأمن والاستقرار، إضافة لنجاحه في صرف رواتب العاملين في الدولة في تاريخها المحدد آخر كل شهر، وهو ما كان يؤدي لشل الحياة في دواوين الدولة قبل ترؤسه للوزارة.
أما بالنسبة لدولة إريتريا، فقد كان الرئيس، أسياس أفورقي، من أوائل الذين رحبوا بفوز ترامب، وبدأ في "مغازلة" إدارته منذ اليوم الأول لانطلاق عملها. غير أن عقبة ستقف أيضاً في طريق أفورقي، وتعكر صفو طموحاته لإقامة علاقات طبيعية وودية مع أميركا، تتمثل في أن هذا البلد يعتبر إثيوبيا حليفته الأقوى والأوثق في منطقة القرن الأفريقي، لاعتبارات ومؤهلات لا تملكها إريتريا، ولا يستطيع أفورقي توفيرها للولايات المتحدة، نظراً لإمكانيات دولته الضعيفة التي يحكمها منذ ما يزيد عن العقدين.
وبالنسبة لجيبوتي، يبدو أمر العلاقات معها محسوماً سلفاً، نظراً لوجود القاعدة الأميركية فيها، وما يلي ذلك من ضمان حفظ أمن البحر الأحمر، وشل تحركات قراصنة البحر الصوماليين الذين يهددون التجارة الدولية باعتدائهم على السُفن التجارية العابرة للبحر الأحمر، وخليج عدن وبحر العرب. وتبقى جيبوتي، الصغيرة في الحجم والكبيرة في الأهمية، تشكل محور اهتمام الولايات المتحدة التي تراقب من شواطئها وموانئها الحركة التجارية في الممر الحيوي، كما تراقب منها "بعين الصقر الأميركي" أمن دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما أمن المملكة السعودية، الحليف الأهم والأكبر للإدارات الأميركية على مر السنوات.