"الفكر والمستقبل"، "إلى أين يسير العالم"، "المنهج، إنسانية البشرية، الهوية البشرية"، "ثقافة أوروبا وبربريتها"، "نجوم السينما"، "تعليم الحياة"؛ هي بعض من عناوين صدرت للمفكر الفرنسي إدغار موران (1921) مترجمة إلى العربية. قلما نجد مفكرين آخرين حظوا بهذا العدد من الترجمات وهم على قيد الحياة، ما يشير إلى اهتمام عربي خاص بمنظّر فكر التعقيد.
كتعبير عن هذا الاهتمام، نظّم "كرسي معهد العالم العربي" في باريس ندوة تكريمية حول موران بحضوره أول من أمس الإثنين. أدار الندوة الناشر الفرنسي فرانسوا ليفونيه الذي أشار في كلمة افتتاحية إلى أن التعقيد والكونية هما أهم ما يمكن الخروج به من فكر موران.
كانت المداخلة الأولى للأكاديمية الفرنسية كاترين بران، والتي اختارت الحديث عن علاقة موران بـالثورة الجزائرية مشيرة إلى كونه ربط كما لم يفعل آخرون بين ما حدث في الجزائر والمجر، رغم أن السياقات بدت بعيدة للغاية، إلا أنه كان يرى أن الكولونيالية الفرنسية في الجزائر والهيمنة السوفييتية في شرق أوروبا متشابهتان.
وفي كلمة لاحقة، تحدّث الفلسطيني إلياس صنبر من موقع معرفته بالمفكر الفرنسي عما سمّاه بـ"دروس أخذها عن موران". يقول "من ذلك أنني فهمت من خلاله أن الانغلاق في الانتماء الأيديولوجي أو القومي يعني أننا بلا وجود، والثاني يتعلق بالانتماء إلى القضية الفلسطينية، فمع موران نفهم أن الخيار السياسي لا يخضع إلى دراسة جدوى". وفي نهاية حديثه تناول معاناة موران جراء تهم اللاسامية التي طاولته.
صديق عربي آخر، نور الدين صايل من المغرب، اعتبر أن التعريف الأفضل لموران هو "رجل الحكمة إذ لا يمكن حصره في اختصاص، وإن مر من كثير من الميادين -دون أن يكون أي مرور بلا إضافة- بين الفلسفة السياسية والاقتصاد والتربية والسينما". يضيف: "إنه موسوعي حافظ على خفّته، خفة الهواء والحياة أو خفة راقص".
بصفته مترجماً لموران (كتاب "تعليم الحياة"، 2016) تحدّث الأكاديمي التونسي الطاهر بن يحيى من زاوية تقاطع انشغالات موران في التربية بواقع التعليم في البلاد العربية، مشيراً إلى أن الكثير من الظواهر السلبية في المجتمعات العربية يجري ردّها إلى التربية، وكان موران قد شدّد مثلاً على خلل عدم التوازن بين العلوم الصحيحة والإنسانيات، وهو ما تقع فيه تونس مثلاً.
من جانب آخر، ومن تجربته كمترجم، أشار بن يحيى إلى أن اشتغاله على نصوص موران وهي فكرية، كشف له أنها تتضمّن نزعة سردية، حتى أنه تساءل إن كان موران قد فكّر في كتابة الرواية، وهو ما عقّب عليه مدير الجلسة بأن المفكر الفرنسي نشر في وقت قريب رواية، هي في الأصل من كتابات شبابه.
كان الختام مع موران، وقد قال مازحاً أن "الكلمات الاحتفائية التي سمعها تتضمّن نبرة تأبين"، وكتفسير لمشواره اعتبر "حب الاطلاع محرّكه". وبالعودة إلى مسألة التربية اعتبر أن "المناهج لا تدرّس الإنساني، فهي تقسّمه قطعاً بين العلوم والمعارف وداخل هذا التقسيم ثمة حوار طرشان". يتابع "ومن أجل فهم الإنساني نحتاج إلى رحلة بعيداً عن فظاظة التخصّص". ليختم قائلاً "من أسرار المعرفة أنها كلما اتسعت، اتسع معها الكون وبالتالي وجدت نفسها غير كافية".