على الصعيد ذاته، نقل موقع "تلفزيون سورية" عن مصادر مطلعة قولها إن مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية التقوا مع مسؤولين في وزارة الدفاع التابعة للحكومة السورية المؤقتة، بالإضافة إلى قيادات من "الجيش الوطني". وذكرت المصادر أن المسؤولين الأميركيين أكدوا للمعارضة السورية بجناحيها السياسي والعسكري "أن الولايات المتحدة مهتمة بملف إدلب بشكل كبير، وستضع ثقلها السياسي والاقتصادي من أجل تثبيت وقف إطلاق النار ووضع حد لهجمات روسيا ونظام الأسد". وأشار المسؤولون خلال اللقاء إلى أنهم يريدون الدفع باتجاه انتقال سياسي في سورية، بناء على مسار جنيف والقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، مؤكدين أن واشنطن "ستلجأ من أجل تحقيق هذا الهدف إلى تصعيد الضغط السياسي والاقتصادي وتشديد العقوبات على نظام الأسد وروسيا بهدف إجبارهما على التفاوض"، وفق المصادر. ونقل الموقع عن المصادر تأكيدها أن المسؤولين الأميركيين وعدوا الحكومة السورية المؤقتة بتقديم الدعم الإنساني والصحي من أجل التخفيف من المعاناة الإنسانية في محافظة إدلب، طالبين من "الجيش الوطني" الزج بثقل أكبر في معارك إدلب من أجل منع التقدم لنظام الأسد وروسيا.
كما أعرب المسؤولون الأميركيون، وفق المصدر، عن رغبتهم بتعزيز العلاقات مع مؤسسة "الجيش الوطني"، طالبين من قيادته التركيز على تنظيم هذا الجيش والحفاظ على سمعته كمؤسسة قادرة على الاشتراك في حماية البلاد عند التوصل إلى حل سياسي. وطلب المسؤولون من "الجيش الوطني" أن يضع محافظة إدلب والدفاع عنها على رأس أولوياته، والابتعاد عن الأخطاء التي وقع فيها في شرق الفرات وفي شمال حلب، حفاظاً على سمعته الدولية والداخلية.
وحول مسألة إعادة الدعم العسكري الأميركي إلى فصائل المعارضة السورية، أكد المصدر أن مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية لم يستبعدوا هذا الخيار، مشيرين إلى أنه من المحتمل أن يُلجأ له بعد عدة أشهر في حال لم تكن هناك استجابة من روسيا ونظام الأسد للضغوط السياسية والاقتصادية، والتزامهما بإيقاف الحملة على إدلب والعمل على الانتقال السياسي. وكانت الولايات المتحدة قد قطعت منذ أعوام الدعم العسكري الذي تقدمه مع دول أخرى لفصائل المعارضة السورية من خلال غرفتي "الموك"، و "الموم" اللتين كانتا تديران الصراع في سورية على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب". وطيلة سنوات الصراع، لم تسمح الولايات المتحدة بتزويد فصائل المعارضة السورية بمضاد طيران وهو ما أدى دوراً في تراجع هذه الفصائل تحت ضربات مقاتلات النظام والطيران الروسي. لكن القيادي في فصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب العقيد الطيار مصطفى البكور، أكد لـ"العربي الجديد" أن الفصائل "لم تتلقَ حتى اليوم أي دعم أميركي"، مضيفاً: "كما لم نتلقَ أي وعد بالدعم".
في موازاة ذلك، جدد الطيران الروسي أمس السبت استهداف مناطق في الشمال الغربي من سورية، وشن غارات على منطقة الجمعيات السكنية في محيط بلدة كفرناها ومنطقة شاميكو في ريف حلب الغربي. كما قتل وأصيب مدنيون أمس جراء غارات جوية روسية على منطقة ريف المهندسين الأول في ريف حلب الغربي. وجددت قوات النظام قصفها بالصواريخ على قريتي خان العسل والمنصورة وحي الراشدين غرب حلب من مواقعها في "الأكاديمية العسكرية" الواقعة داخل مدينة حلب.
وكان الطيران الروسي قد قتل عائلة سورية مكوّنة من أربعة مدنيين، بينهم طفلان، بعد منتصف ليل الجمعة-السبت بقصف بالصواريخ الفراغية على محيط مدينة دارة عزة في ريف حلب الغربي، استهدفت وفق مصادر محلية مكان إيواء العائلة في محيط المدينة. وأشارت المصادر إلى أن الطائرات الحربية الروسية شنّت أكثر من 40 غارة جوية روسية على قرى وبلدات ريف حلب الجنوبي والغربي حتى منتصف ليل الجمعة-السبت.
وفي تطور عسكري لافت، قُتل أربعة من القوات الروسية بينهم ضابط، في معارك ريف إدلب الجنوبي الشرقي، عقب استهداف غرفة عملياتهم بصاروخ محلي الصنع من نوع "بركان" شرق معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، الجمعة. وأكد مصدر عسكري في غرفة عمليات "ولا تهنوا" التي تضم فصائل معارضة، مقتل أربعة من القوات الروسية بينهم ضابط، ومجموعة من عناصر الفرقة 25 التي تتبع لهم، ذلك بعد رصد تجمّع للعناصر والآليات في قرية قطرة بريف معرة النعمان الشرقي جنوب شرق إدلب، فجرى قصفهم من فوج المدفعية بصاروخ "البركان" وحقق إصابة مباشرة أسفرت عن تدمير المكان وقتل من فيه.
كما أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقتل العناصر الروس نقلاً عما وصفها بمصادر موثوقة، مشيراً إلى أن المعارك في ريف إدلب تتم بقيادة ضباط روس، فيما قالت شبكة "إباء" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) إن 6 جنود روس قتلوا جراء استهداف الفصائل المقاتلة لغرفة عمليات لهم في ريف إدلب الجنوبي.
في غضون ذلك، تتواصل المعارك العنيفة بين قوات النظام والفصائل المقاتلة على محاور في ريف إدلب الشرقي، وصدت الفصائل محاولات قوات النظام لاستعادة السيطرة على المواقع التي خسرتها. وشهدت قرية أبو جريف في ريف إدلب الشرقي وهي قرية صغيرة لا تتعدى مساحتها الكيلومترين المربعين، معارك قوية خلال اليومين الماضيين، وصفت بالأعنف خلال الفترة الماضية، صدت خلالها الفصائل أكثر من عشر محاولات للنظام والمليشيات المساندة للتقدم على القرية، وتكبدت فيها قوات النظام عشرات القتلى والجرحى.
يُشار إلى أن فصائل المعارضة استطاعت تحرير تلتي مصيطف وخطرة الجمعة، واغتنام دبابتين وعربة "بي أم بي"، كما قتلت العشرات من القوات الروسية والنظام بينهم ضباط، وفق مصادر في هذه الفصائل التي تستعد لخوض معارك كبيرة مع قوات النظام.
وفي السياق، من الواضح أن انهيار الهدنة الروسية التركية التي أعلن عنها الطرفان قبل أسبوع يؤكد اتساع الهوة في موقف موسكو وأنقرة حيال الوضع في الشمال الغربي من سورية. وقبيل توجهه إلى العاصمة الألمانية برلين لحضور اجتماعات تتعلق بالملف الليبي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن ما يجري في محافظة إدلب السورية، يُثير الإزعاج. ولفت الرئيس التركي إلى أنه يعتزم مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، مناقشة هذه القضايا بشكل مفصل في برلين، اليوم الأحد، مضيفاً إن ما يجري "دليل واضح جداً على عدم التزام النظام بالخطوة التي اتخذناها لوقف إطلاق النار".
في الأثناء، رسمت الأمم المتحدة صورة قاتمة للأحوال الإنسانية في الشمال الغربي من سورية جراء التصعيد العسكري الذي بدأ أواخر إبريل/نيسان من العام الماضي من قبل الروس والنظام. وقالت مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ميشيل باشليه، إن وقف إطلاق النار في محافظة إدلب فشل في حماية المدنيين، داعية إلى وقف فوري للقتال هناك. من جهته، أفاد المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، جيريمي لورانس، في حديث صحافي، بتوثيق مراقبي الأمم المتحدة مقتل 1506 مدنيين، بينهم 433 طفلاً، منذ اشتداد حدة الهجمات على منطقة "خفض التصعيد" في إدلب يوم 29 إبريل الماضي.