إرهاصات بركان في حلب: روسيا تُهدد والمعارضة تتهيأ للرد

02 نوفمبر 2016
اشتباكات متفرقة على جبهات القتال في حلب (محمود فيصل/الأناضول)
+ الخط -
تتمسك روسيا باعتماد الاستراتيجية نفسها في ما يتعلق بالملف السوري، والقائمة بشكل أساسي على إلقاء تهمة تعطيل أي حل سياسي على فصائل المعارضة والتحالف الدولي وتحديداً الولايات المتحدة في مقابل منح نفسها الحق في التصعيد العسكري.
ورفعت موسكو، أمس الثلاثاء، من سقف تحديها للمجتمع الدولي، معلنةً إرجاء العملية السياسية في سورية الى "أجل غير مسمّى"، بالتزامن مع تحركات عسكرية في شرق المتوسط، وتهديدات أطلقها الكرملين، بعودة الحملة الجوية على الأحياء الشرقية من حلب، في حال استمرت المعارضة بتهديد قوات النظام غرب المدينة، عبر "ملحمة حلب الكبرى" التي أدت الى انهيار دفاعات النظام عن معاقل له.

في مقابل هذا التصعيد الروسي توعد مسؤولون في المعارضة السورية، خلال تصريحات إلى "العربي الجديد"، بالرد على أي تصعيد عسكري بالمثل، فيما قلل محللون وسياسيون من أهمية استعراض روسيا العسكرية، إذ إن "موسكو ليست جادة في إطلاق عملية عسكرية واسعة"، فـ"حلب ليست غروزني، والقصف لن يحل المشكلة"، على حد قولهم.
أما المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني، فاعتبرت، أمس الثلاثاء، أن "كل الأطراف في حلب تقوم بأعمال قتالية تسفر عن أعداد كبيرة من الضحايا من المدنيين وتخلق مناخاً من الرعب لمن ما زالوا يعيشون في المدينة". وأشارت إلى أن "ما تردد عن استخدام صواريخ تطلق من الأرض واستخدام مركبات مدرعة محملة بالمتفجرات في منطقة بها أكثر من مليون ساكن مدني أمر غير مقبول إطلاقاً وقد يمثل جريمة حرب".



تمهيد روسي لعملية عسكرية
نوايا روسيا للمرحلة المقبلة، كشف عنها تلميح وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أمس الثلاثاء، عن نية بلاده شن عملية عسكرية ضد المعارضة السورية في حلب، متهماً الأخيرة بتنفيذ هجمات كثيفة على أحياء سكنية ومدارس ومستشفيات، في إشارة منه إلى معركة "ملحمة حلب الكبرى"، التي بدأتها المعارضة يوم الجمعة الماضي. واعتبر أنه "نتيجة لذلك فإن احتمالات بدء عملية التفاوض (السياسي)، وعودة الهدوء للحياة في سورية أرجئت لأجل غير مسمى".

كما حاول شويغو النأي بروسيا عن تنفيذ أي غارات في حلب خلال الأيام الماضية بالقول، إن بلاده "لا تستخدم الطيران منذ 16 يوماً في حلب"، بأمر من الرئيس فلاديمير بوتين. في موازاة ذلك، اتهم وزير الدفاع الروسي التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم "داعش" بأنه "يعرقل" العملية العسكرية الروسية في سورية ولا "يتحرك بشكل منسق".
وفي السياق الترويجي نفسه، قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أمس الثلاثاء، إن حكومته لن تكون قادرة على تمديد الوقف المؤقت للغارات الجوية على أهداف بمدينة حلب، في حال استمرت الفصائل المسلحة المعارضة للنظام في هجماتها على الأرض. ونقل عن بيسكوف قوله للصحافيين "في هذه اللحظة إن فترة التوقف مستمرة وتتاح الفرصة للمدنيين للخروج من شرق حلب ويجري تهيئة الظروف (لإدخال) المساعدات الإنسانية"، متهماً المعارضة السورية المسلحة بقصف الأحياء والطرق التي تسلكها المساعدات الإنسانية، وبشن الهجمات وفي الاختباء خلف الدروع البشرية. واعتبر أن "هذا الأمر لن يتيح الاستمرار في فترة التوقف الإنسانية"، على حد قوله. وعلّق بيسكوف على ما أوردته صحيفة "تايمز" البريطانية لجهة الاستعداد الروسي لبدء خطة لاجتياح حلب بالتزامن مع الانتخابات الأميركية بالقول إنه "من الأجدر بهذه الصحيفة إذا توفرت لديها معلومات عن نية المسلحين شنّ عمل عسكري واسع النطاق، أن تكتب عن ذلك. من المستبعد حصول تايمز على معلومات متعلقة بخطط الرئيس الروسي".
وكانت وسائل إعلام عدة منها روسية، تناقلت في الأيام الماضية، أنباء عن نيّة موسكو، إطلاق "عملية عسكرية واسعة النطاق في مدينة حلب"، مشيرة إلى أن حاملة الطائرات الروسية "الأميرال كوزنيتسوف" المتجهة في هذه الأثناء إلى الساحل السوري، سوف تمثل رأس حربة في هذه العملية، المتوقع أن تسعى لإخضاع قوات المعارضة السورية في أحياء حلب الشرقية، التي تقع تحت سيطرتها، وتَخضع لحصار من قوات النظام ومليشيات طائفية موالية لها.
وفي السياق ذاته، نقلت وسائل إعلام روسية عن قيادي في الجيش الروسي إثر تسيير "كوزنيتسوف" ومجموعة سفن أخرى إلى شرق المتوسط: "سوف يتسنى لنا وللمرة الأولى في تاريخ روسيا المعاصر استخدام الطائرات البحرية في القتال الفعلي لا في المناورات".
وكانت مصادر إعلامية قد أشارت إلى أن "الأميرال كوزنيتسوف"، قادرة على حمل أكثر من خمسين طائرة، و1960 عسكرياً، ومزودة بصواريخ مجنحة مضادة للسفن من نوع "غرانيت"، وصواريخ "كلينوك" المضادة للأهداف الجوية، وأنظمة "كاشتان" الصاروخية المدفعية، إضافة إلى منظومات دفاعية متكاملة مضادة للغواصات.
كما نقل عن مصادر في الجيش الروسي أن "كوزنيتسوف" تحمل إلى شرق المتوسط مقاتلات "ميغ-29 KR"، و"ميغ 29-KUBR"، ومقاتلات "سو-33" البحرية، إضافة إلى مروحيات "KA-52" الملقبة بـ"التمساح".
وكانت روسيا قد بدأت في 30 سبتمبر/ أيلول 2015 الفائت تدخلاً عسكرياً غايته تجنيب نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، السقوط تحت ضربات المعارضة السورية المسلحة، وتعزيز وجودها العسكري في شرق المتوسط.
وترى المعارضة السورية أن روسيا باتت تتصرف في سورية كـ"دولة احتلال"، إذ قتلت آلاف السوريين ودمرت مدنهم في استنساخ لتجربتها الدموية في الشيشان، خلال تسعينيات القرن المنصرم.
وأفشلت "ملحمة حلب الكبرى" مساع روسية من أجل جرّ المعارضة السورية إلى الموافقة على الخروج من حلب لإضعاف موقفها في أي عملية تفاوض مقبلة لفرض إملاءات موسكو وطهران، وأبرزها بقاء الأسد في السلطة، وإعادة إنتاج النظام لتعزيز مكاسبهما في سورية.
وباتت المعارضة السورية تهدد النظام وحلفاءه في قلب مدينة حلب وهو ما يعد تحوّلاً كبيراً في مجرى الصراع، ما قد يدفع موسكو الى اتخاذ خطوات عسكرية لإيقاف تقدم المعارضة، في ظل ظهور بوادر عن انهيار محتمل لقوات النظام والمليشيات من دون الغطاء الجوي الروسي.
ويرى مراقبون أن موسكو تحاول القيام باستعراض للقوة في شرق المتوسط للوصول إلى تفاهمات مع الغرب يجنبها المزيد من العقوبات الاقتصادية على خلفية تصلّب موقفها حيال حل سياسي في سورية.

في هذا الصدد، يرى الأكاديمي السوري المتخصص بالشأن الروسي، محمود الحمزة، أن موسكو ليست جادة في إطلاق عملية عسكرية واسعة في حلب. ويلفت في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "نتائج عملية كهذه ستكون قاتلة على روسيا من جميع النواحي"، مشيراً إلى أن مدينة حلب "ليست غروزني، والقصف لن يحل المشكلة". ويشير الحمزة إلى أن توقف الطيران الروسي عن قصف مدينة حلب على مدى 16 يوماً بأمر من بوتين "له معنى سياسي".
من جانبها، تؤكد المعارضة السورية المسلحة أن التهديدات الروسية لن تثنيها عن الاستمرار في معاركها ضد قوات النظام، والمليشيات الطائفية في حلب، وأنها حسمت أمرها في هذا الاتجاه. وتلفت إلى أن الحملة الروسية الجوية على مدى شهر، والتي أدت الى مقتل وإصابة آلاف المدنيين، أفضت الى "ملحمة حلب الكبرى"، وليس "الاستسلام كما كان يخطط الروس ونظام الأسد وإيران".
في هذا السياق، يقول المتحدث باسم تجمع "فاستقم كما أمرت" في حلب، عمار سقار، إن الرد على التهديدات الروسية يكمن في استمرار معركة "ملحمة حلب الكبرى". ويشير في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن لدى المعارضة السورية "الإرادة الثورية من أجل الصمود أمام أي عملية عسكرية روسية محتملة على حلب". ويضيف "نحن أبناء الأرض لن نتخلى عنها مهما كان"، معتبراً أنه "لا جديد لدى الروس"، وأنه "ليس لديهم إلا القتل والإجرام".

من ناحيته، يرى بسام العمادي، وهو سفير الائتلاف الوطني السوري في روما، أن بوتين "لن يتورط بحرب برية في سورية". ويرى في حديث لـ "العربي الجديد" أن بوتين "سيستغل تصميم إيران، وحزب الله للسيطرة البرية"، معتبراً أن بوتين "لا يفهم إلا لغة القوة، والضغط السياسي وحده لا يكفي لإيقاف غطرسته".

ميدانياً، استمر الهدوء النسبي، الذي لا يخلو من اشتباكات متفرقة، على جبهات القتال، التي فتحتها فصائل المعارضة السورية غرب حلب، منذ يوم الجمعة الماضي، ضمن ما سمّته "ملحمة حلب الكبرى" لكسر حصار النظام والمليشيات المساندة له، على الأحياء الشرقية المحاصرة داخل المدينة.
وفيما قلص الطقس الغائم منذ يومين، المترافق مع أمطار غزيرة شمال سورية، قدرة طيران النظام على تنفيذ غاراتٍ على مواقع المعارضة السورية في حلب، فإن هذه الهجمات لم تنقطع تماماً، إذ تعرضت مناطق محدودة في المحافظة، منذ صباح وحتى مساء أمس الثلاثاء، لقصفٍ جوي.
في المقابل، أعلن "فيلق الشام" المنضوي ضمن غرفة عمليات "جيش الفتح" أمس استهداف مقاتليه رتلاً لقوات النظام على طريق خناصر أثناء توجهه إلى مدينة حلب، لمؤازرة المليشيات التي تحاول صد هجوم فصائل المعارضة.

عمليات درع الفرات
وقريباً من مدينة حلب، تدور معارك بين فصائل الجيش السوري الحر المنضوية بعملية "درع الفرات"وبين مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش). كما تخوض الفصائل السورية نفسها المدعومة تركياً مواجهات ضد قوات سورية الديمقراطية (قسد) من جهة أخرى. فقد هاجمت "قسد" فجر الثلاثاء، مواقع تقدمت إليها "درع الفرات" أخيراً، لكن المعارضة السورية المسلحة قالت، إن قواتها صدت هذا الهجوم على قريتي كفركلبين وكلجبرين.

من جهته، قال مصدر عسكري في المعارضة السورية لـ"العربي الجديد"، إن "هجوم الوحدات الكردية (العمود الفقري لقسد) أتى بعد ساعات من هجوم شنه تنظيم داعش على قرى برعان، والواش، وطنوزة، وثلثانة، وجب العاصي، جنوب بلدة أخترين بريف حلب، حيث تدور هذه الأيام معارك مع الجيش السوري الحر الذي طرد "داعش" خلال الشهرين الماضيين من مسافة تتاخم الحدود التركية، يقارب طولها الـ90 كيلو متراً، ومتوسط عرضها ما بين 15-20 كيلو متراً.
وكانت قوات "قسد" قد سيطرت الإثنين، على قرى "فافين، وتل حاسين، وحاسين، وحليصة" قرب مدرسة المشاة بريف حلب الشمالي، بعد مواجهات، بحسب قولها، ضد تنظيم "داعش". وجاء ذلك عقب يومين من انسحاب التنظيم من مدرسة المشاة، وقرى تل شعير، وكفر قارص، وتل سوسيان، ومعامل الإسمنت الشمالية، الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة مارع بريف حلب الشمالي، حيث أعلن النظام السوري لاحقاً سيطرته على تلك المواقع.