من دون سابق إنذار أو طلب مراجعة، فوجئ آلاف السوريين المرشحين للحصول على الجنسية التركية الاستثنائية، بوصول رسالة على موقع متابعة مراحل الجنسية التركية، تقول "أزيل ملفك الخاص بالحصول على الجنسية التركية الاستثنائية" ما أثار جدالاً خلال الأيام الماضية، خصوصاً أنّ رداً رسمياً لم يصدر، عن وزارة الداخلية أو إدارتي الهجرة والنفوس، في تركيا، يبرر أو يوضح، أسباب إلغاء طلبات الجنسية العالقة بالمرحلة الرابعة منذ سنتين. وذهبت التكهنات التي تستند إلى تسريبات عن "المسؤولين الأتراك" إلى أنّ أسباب إلغاء الطلبات، تتمحور أولاً حول تزوير في الأوراق المقدمة أو لأسباب أمنية، باعتبار المرحلة الرابعة، مرحلة تحقق ومتابعة للمتقدم بطلب الحصول على الجنسية.
يقول خالد محمد، من ريف محافظة إدلب السورية لـ"العربي الجديد": "جاءني اتصال هاتفي، من إدارة الهجرة، منذ عام 2017 للتقدم بطلب للحصول على الجنسية، فقدمت الأوراق المطلوبة وأجريت مع أسرتي مقابلة، فجرى ترشيحنا بعدها للحصول على الجنسية التركية، وقبل نهاية عام 2017، اجتزنا المراحل الثلاث الأولى ووصلنا إلى المرحلة الرابعة، مرحلة التحقق، لكنّنا فوجئنا قبل أيام برسالة إزالة ملفنا من دون أيّ إخطار مسبق أو إعلامنا بسبب الإزالة".
يضيف: "لم أراجع في المسألة لأنّ الملف تجري إزالته من أنقرة، وننتظر الجهات السورية التي تتابع الموضوع، ولدينا وعود قريبة بمعرفة الأسباب، وربما الوصول إلى حلّ كأن يعاد تفعيل طلبنا أو نعاود تقديم طلبات جديدة". يضيف محمد: "ربطت مستقبلي ومصير أسرتي بتركيا، فنحن هنا منذ عام 2012 وأولادي درسوا هنا ووصل اثنان منهم إلى الجامعة، كما استثمرت في العمل هنا. عائلتي وكلّ ما لديّ في تركيا، فهي من استقبلتنا منذ البداية ومدّت لنا يد المساعدة، وكنا نعوّل على الجنسية لنتخلص من بطاقة الحماية ونشعر بالاستقرار، لكنّ عبارة، أزيل ملفك، جاءتنا بمثابة الصفعة ولا نعرف ما الذي سنفعله".
وكان بعض الناشطين الأتراك قد نصحوا السوريين بالتريث وعدم اللجوء إلى القضاء، ريثما يجري الكشف عن أسباب إزالة الملفات. ومن هؤلاء جلال ديمير، عضو اللجنة السورية التركية المشتركة، التي من مهامها نقل معاناة السوريين إلى المسؤولين الأتراك والبحث عن حلول واقتراحها. يقول ديمير لـ"العربي الجديد": "حتى الآن، لم يصدر أيّ تصريح رسمي عن المسؤولين الأتراك، بالرغم من أنّه في أغلب الظن، تتعلق الأسباب بالتزوير أو بمسائل أمنية، كما لا يستبعد أن يكون هناك تعميم أو خطأ فردي ناتج عن موظف تركي، لذلك رأينا بعد لقاءات عدة مع أطراف سورية وتركية، الانتظار ريثما يأتينا جواب واضح، وبعده يمكن السير بطريق الحلّ". يضيف ديمير: "لدينا خطة عمل مع منبر الجمعيات السورية وأطراف تركية، لكن، ننتظر اليوم الردّ الرسمي، إذ تواصلنا مع جهات تركية عدة، وأقدّر أنّ البتّ بالأمر لن يستمر أكثر من أسبوع بحسب وعود تلقيناها من معنيين بالدولة التركية".
وبحسب معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" يقدّر مصدر خاص عدد الملفات التي أزيلت بنحو 7 آلاف طلب، أكثر من 2800 منها لحاملي الشهادات والمستثمرين، ما يثير السؤال حول الضرر التركي من خسارة تلك الكفاءات، كما يقول. ويضيف المصدر أنّ السوريين بتركيا يبلغون اليوم، بعد عودة كثيرين إلى الداخل، نحو 3.6 ملايين، حصل 92 ألفاً منهم على الجنسية الاستثنائية، من بينهم 47 ألف بالغ و45 ألف طفل، وذلك منذ بدأت تركيا منح الجنسية الاستثنائية للسوريين عام 2016. ويشرح أنّ تركيا هي من تراسل السوريين للتقدم بطلبات الجنسية وليس العكس، ويمرّ طريق الجنسية بسبع مراحل، تتوسطها مرحلة التحقق (المرحلة الأمنية) وهي أكثر المراحل زمناً وخطورة على الساعي للجنسية. كذلك، لا معايير محددة لطلب تركيا منح السوريين الجنسية، بل يتعلق الأمر بحسابات خاصة بالدولة، تتعلق أحياناً بالولاية التي يقيم فيها السوري، وأحياناً بتحصيله العلمي، والسيولة المالية الكافية لديه، لكنّ هذه المحددات ليست شروطاً دائمة، إذ حصل كثير من السوريين، ممن لا يحملون الدرجات العلمية العالية ولا السيولة، على الجنسية، في حين ينتظر كثيرون من حاملي الشهادات العليا والمستثمرين.
وحول جدوى رفع دعوى قضائية في هذا الخصوص، يقول رئيس تجمع المحامين الأحرار بتركيا، غزوان قرنفل، لـ"العربي الجديد": "أولاً، علينا التذكر أنّ اسم الجنسية هو استثنائية، وتركيا مختلفة عن الدول المستضيفة للسوريين، لأنّ الاستضافة هنا وفق قانون الحماية المؤقتة وليس اللجوء كما في أوروبا مثلاً. لكن، إن أراد من أزيلت ملفاتهم رفع دعوى لمعرفة الأسباب، فيمكنهم ذلك، وأنصح بتوكيل محامٍ لمجموعات متشابهة وليس إقامة دعاوى فردية، أي محامٍ عن الأطباء الذين أزيلت ملفاتهم أو المعلمين أو حاملي إذن العمل". ويقول قرنفل: "هي ليست المرة الأولى التي تزال فيها طلبات بالمرحلة الرابعة، إذ جرت قبل أشهر إزالة نحو 13 ألف طلب، والقصة في الغالب لها علاقة بالدراسة الأمنية أو التزوير، لكن أعتقد بضرورة عدم التعميم من السلطات التركية، فإن كان بعض المتقدمين قد زوروا بعض أوراقهم، فما ذنب البقية"؟
من جهته، يقول رئيس الرابطة السورية لحقوق اللاجئين، مضر حماد الأسعد، لـ"العربي الجديد": "بعد تواصلنا مع جهات تركية رسمية، جرى التأكيد لنا أنّه لا يوجد رفض لطلب أيّ سوري متقدم للجنسية، والملفات التي أزيلت، على الأرجح لها علاقة بالتزوير أو لأسباب أمنية، وتجنيس السوريين مستمر والأولوية لمن ولد في تركيا وللكفاءات العلمية والمستثمرين ومن هم على رأس عملهم ويحملون إذن عمل". وفي حين يؤكد الأسعد على ضرورة تقديم أوراق صحيحة وعدم الالتفاف والتزوير، يوصي بالتريث ريثما يصدر قرار رسمي تركي يوضح الأسباب.
أحالنا كثيرون خلال البحث في هذا الملف، إلى منبر الجمعيات السورية، باعتبارها الجهة الوحيدة التي تتواصل مع المسؤولين الأتراك ولديها الخبر اليقين، فتواصلنا مع مدير المنبر مهدي موسى، الذي يؤكد لـ"العربي الجديد" تواصله مع وزارة الداخلية ومديريتي الهجرة والنفوس، والقضية اليوم هي على طاولة الحلّ. ويشير موسى إلى أنّ منبر الجمعيات السورية أصدر رابطاً للسوريين الذين أزيلت طلباتهم، لمعرفة معلومات عن عددهم واختصاصاتهم ومهنهم بشكل دقيق، وبالرغم من أنّه لم يقدم موعداً محدداً لحلّ القضية، فإنّه يؤكد على أنّ ثمة وعودا من جهات تركية عليا، لحلّ المسألة وعدم السماح بظلم أي سوري.