مسار الحوادث
بدأت الحوادث "المسيئة" لسيادة المغرب في نظر الرباط، و"المؤسفة وغير المقصودة" بالنسبة لباريس ومدريد، عندما تم استدعاء مدير الاستخبارات عبد اللطيف الحموشي، خلال تواجده في باريس في فبراير/ شباط الماضي من أجل التحقيق معه في قضايا تعذيب مفترضة.
ردت الرباط حينها على تصرف باريس باستدعاء السفير الفرنسي في المملكة، شارل فري، ورفضت بعبارات قوية إقدام السلطات الفرنسية على مثل ذلك السلوك، فيما اعتذرت الحكومة الفرنسية عما حدث ونسبته إلى خلل في طريقة التبليغ، مؤكدة أن "قضاءها مستقل".
وزادت الطين بلة حوادث أخرى أغضبت الرباط من قبيل تصريحات منسوبة للسفير الفرنسي في الأمم المتحدة، جيرار أرو، الذي وصف المملكة بـ"العشيقة"، فضلاً عن واقعة تفتيش وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، بشكل "مهين" في مطار فرنسي ثم حادثة اقتحام قاعة جنرال مغربي كبير في مستشفى فرنسي.
أما إسبانيا، فأوقفت طواقمها البحرية قبل أيام، يخت الملك المغربي محمد السادس، الذي كان يُبحر في سواحل مدينة سبتة المغربية الواقعة تحت السيادة الإسبانية (الذي تعتبره المغرب احتلالاً)، من دون أن تعلم هوية صاحب اليخت قبل أن تعتذر مدريد عن هذا التدخل.
توقيف قارب الملك من قبل السلطات الأمنية الإسبانية لم يكن الأول بل سبقه تحليق الطائرات الإسبانية فوق اليخت الملكي في أحد شواطئ شمال البلاد قبل أربع سنوات. كما سبق أن طرد الجيش الإسباني الدرك الملكي من جزيرة ليلي سنة 2009.
سحاب عابر
وتتباين مواقف المراقبين إزاء هذه الحوادث المتوالية من طرف فرنسا وإسبانيا تجاه المغرب، والتي تجمعها نقطة مشتركة كون المغرب كان بلداً مستعمراً خلال القرن الماضي من طرف هاتين الدولتين، إذ احتلت إسبانيا الشمال والجنوب، بينما استعمرت فرنسا الأجزاء الأخرى من البلاد.
ويعتبر البعض أن ما جرى من وقائع أغضبت المغرب إلى حد استدعاء السفير الفرنسي مثلاً، لا يعدو كونه حوادث عابرة لا تؤثر في العلاقات الاستراتيجية المتسمة بعقد شراكات واتفاقيات في جميع المجالات يصعب تحييدها، تجمع الرباط بباريس ومدريد. ويوضح أستاذ السياسة والعلاقات الدولية في جامعة طنجة، محمد عمراني بوخبزة، لـ"العربي الجديد"، أن "جميع الحوادث الأخيرة التي اعترضت طريق العلاقات بين المغرب وفرنسا وحتى إسبانيا، تدخل في سياق الحوادث المعزولة مثل أية سحابة صيف عابرة". ويلفت بوخبزة إلى وجوب التفريق بين القرار السياسي المركزي الصادر من الحكومة الفرنسية أو الدوائر الرسمية في إسبانيا تجاه المغرب كبلد صاحب سيادة، وبين قرارات تصدر عن أجهزة تتمتع بالاستقلالية. وهو ما حدث في قرار القضاء الفرنسي استدعاء مدير الاستخبارات.
مس بالسيادة؟
في المقابل، يذهب مراقبون آخرون إلى تبني احتمال أن تكون هذه الحوادث مقصودة وذات دلالات سياسية تنم عن ردود أفعال إزاء مواقف الرباط، باعتبار أن باريس غير راضية على تغلل الدبلوماسية المغربية في أفريقيا جنوب الصحراء، كما أن إسبانيا أغضبها رد فعل إزاء قرار المغرب تأجيل تفعيل اتفاقية الصيد البحري. وبغض النظر عن هذا الطرح، الذي يرد عليه البعض الآخر بكون باريس ومدريد تُعتبران من مناصري الموقف المغربي في نزاع الصحراء، فإن الحوادث التي استهدفت مسؤولين كباراً في الدولة المغربية، أعطت لهذا الأمر بُعداً إعلامياً وسياسياً كبيراً، وفق أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "الرباط" سعد الركراكي.
وبالنسبة للركراكي فإن هذه الشخصيات التي تعرضت لتصرفات "مسيئة" من طرف أجهزة أمنية في فرنسا وإسبانيا، من قبيل وزير الخارجية، وجنرال كبير في الجيش، ومدير الاستخبارات، تمثّل رمزاً لسيادة المغرب، فكان على الرباط أن تتخذ مواقف حازمة حتى لا تتكرر مثل هذه الحوادث. وإذا كانت الرباط قد عبرت أكثر من مرة عن استنكارها واحتجاجها الشديد على ما بدر من فرنسا وإسبانيا تجاه سيادة البلاد ومسؤوليها، فإن حكومتي هذين البلدين الأوربيين تملصتا من مسؤوليتهما في كل ما جرى، إذ بادر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى طلب الاعتذار من الملك المغربي، وهو ما فعله أيضاً الملك الإسباني فيليب السادس.