وفي ورقة تقدير موقف أعدها كل من القائد الأسبق لـ "لواء التخطيط الاستراتيجي" في الجيش الإسرائيلي، الجنرال أودي ديكل، والباحث عومر عيناف، دعا المركز إلى اعتماد "الدبلوماسية الجماهيرية" للتواصل مع قطاعات واسعة من الجماهير العربية، لا سيما في الدول التي تشكّل مصدر تهديد لإسرائيل، وذلك عبر توظيف وسائل الاتصال الجديدة، ممثلة في مواقع التواصل الاجتماعي. وشدّدت الورقة التي نشرت في عدد 733 من مجلة "مباط عال"، الصادرة بتاريخ 13 أغسطس/آب الحالي، على إعداد برامج لتقديم مساعدات إنسانية مباشرة لقطاعات جماهيرية محددة.
كما دعت الورقة إلى التأثير على الوعي الجماعي للجماهير في المناطق العربية المحيطة من خلال توظيف "حرب المعلومات"، إلى جانب عدم التردد في بلورة شراكات اقتصادية من خلال التوصل إلى تفاهمات بشأن مصادر المياه والطاقة، إلى جانب تشجيع مبادرات للتواصل مع السوق المحلي والخاص في العالم العربي. وشدّدت الورقة على تعزيز التعاون الأمني مع الحكومات في المنطقة وعدم التردد في تقديم مساعدات تقنية لأنظمة الحكم التي تربطها بإسرائيل مصالح مشتركة.
في المقابل، دعت الورقة إلى توظيف الحرب الإلكترونية في مواجهات الأطراف المعادية لتقليص قدرتها على التأثير على البيئة الجماهيرية في المناطق التي تتواجد فيها أو خارجها. واستدركت الدراسة أنه يتوجب على إسرائيل، في الوقت ذاته، إجادة فن "التآمر السياسي"، في إشارة إلى محاولة التأثير على طابع نخب الحكم التي تتوّلى زمام الأمور في العواصم العربية. واعتبرت الورقة أن الوفاء بهذه المتطلبات سيضمن لإسرائيل القدرة على التخلص من عزلتها سواء على صعيد الإقليم أو العالم. وشدّد مُعدّا الورقة على أن تطبيق هذه البنود يتطلب أن يبدي صنّاع القرار "مرونة فكرية" تسمح لهم بسرعة المبادرة من أجل تحقيق تأثير أكبر لإسرائيل على بيئتها الاستراتيجية.
اقرأ أيضاً: "مساعدات" إسرائيل للأردن تعكس رغبة بدعمه ضد التهديدات
من الواضح أن التوصيات التي يقدّمها كل من ديكل وعيناف تنطلق من افتراض مفاده أن إسرائيل لم تعد تتعرض لتهديد وجودي من قبل العالم العربي، بعد أن تفكّك عملياً الجيشان السوري والعراقي، في حين ترتبط إسرائيل بعلاقات "سلام" وتحالف استراتيجي مع مصر والأردن. وفي الوقت ذاته، فإنّ هذه التوصيات تأخذ بعين الاعتبار، ضعف الأطر السلطوية للحكم أو انهيارها في عدد من الدول العربية، ما يزيد من أهمية التواصل مع الجماهير الواسعة من أجل تحقيق أكبر قدر من التأثير على سلوك هذه الجماهير تجاه إسرائيل، أو على الأقل تقليص قدرة الأطراف التي تُعَد في نظر إسرائيل معادية، على التأثير على هذه الجماهير.
وعلى الرغم من أن التصور الذي يقدّمه "مركز أبحاث الأمن القومي" متماسك ومفصل، إلّا أنّ عدداً من الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية دعا خلال العامين الماضيين إلى توظيف مركبات "القوة الناعمة" الإسرائيلية، في محاولة تحقيق المصالح الإسرائيلية، وعدم الاكتفاء باستخدام "القوة العارية". وبحسب هذه الأوساط، فإنّ توظيف القوة العسكرية لم يكن كافياً لتحقيق الحسم في أي من المواجهات التي خاضتها إسرائيل خلال العقد الأخير. وهناك ما يؤشر إلى أنّ دوائر الحكم في تل أبيب قد عمدت أخيراً، حتى قبل أن يعد "مركز أبحاث الأمن القومي" هذه الورقة، إلى اعتماد بعض من هذه التوصيات، كما تجلّى ذلك في سياسة تقديم العلاج الطبي للجرحى الذين يسقطون في المواجهات بين الفرقاء في الساحة الجنوبية من سورية.
وكشفت صحيفة "هآرتس" أخيراً، أنّ هناك "جيشاً" من المدونين، الذين يعملون بالتنسيق مع قسم الإعلام في ديوان رئيس الوزراء ووزارة الخارجية ويتواصلون بلغات متعددة، مع متصفحي الإنترنت، ومن ضمنهم متصفحون في العالم العربي، للتأثير على الرأي العام العربي.
في الوقت ذاته، فإنّ إسرائيل تحاول بشكل صريح ومعلن التأثير على موازين القوى في الصراعات الداخلية التي تدور في العالم العربي، بما يخدم مصالحها. فعلى سبيل المثال، تقدّم حكومة بنيامين نتنياهو دعماً دبلوماسياً وسياسياً معلناً ومكثفاً لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي في مصر، يتمثّل في محاولات تأمين شرعية دولية له من خلال الضغط على الإدارة الأميركية والحكومات الأوروبية للاعتراف بشرعيته، وتقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية له.
اقرأ أيضاً: رسائل تهدئة الجولان... وبروباغاندا "الإيرانيين على الحدود"