تشن الحكومة الإسرائيلية حملة واسعة على المنظمات الحقوقية العاملة في تل أبيب، والتي تنتقد سلوك سلطات الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني والسياسات التي تتبعها ضده.
وتعمد في حربها ضد هذه المنظمات في منع كشف جرائمها ضد الفلسطينيين، إلى توظيف ثلاث وسائل، هي نزع الشرعية عنها، ومقاطعتها، وسن قوانين جديدة وتعديل قوانين قائمة من أجل تقليص هامش المناورة أمامها والمس بقدرتها على مواصلة العمل.
وعلى الرغم من أن الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم تعكف منذ أكثر من عامين على مهاجمة المنظمات الحقوقية، وشرعت في سن قوانين للمس بها، وسعت مشاركة مدير عام منظمة "بيتسيلم"، حجاي إليعاد، التي تعنى بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية الأسبوع الماضي في اجتماع خاص عقده مجلس الأمن الدولي، لمناقشة قضية المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والقدس، وتأكيده أن سلوك إسرائيل كدولة احتلال ينزع عنها سمة الديمقراطية؛ من دائرة الهجوم على هذه المنظمات.
وما أثار غضب أوساط الحكم وعدد كبير من ممثلي المعارضة اليسارية، دعوة إليعاد مجلس الأمن "لإرسال رسالة قوية لإسرائيل مفادها أن المجتمع الدولي لا يمكنه أن يسمح بمواصلة احتلال شعب آخر لأكثر من 50 عاماً".
وتساءل إليعاد "كم من البيوت الفلسطينية يجب أن تدمر حتى يدرك العالم أن الشجب بالكلمات لا يمكن أن يوقف ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين".
وبعد أن نعتها بـ"التافهة"، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، "بيتسيلم" بأنها تعمل على "تشويه سمعة إسرائيل والإضرار بصورتها في المحافل العالمية بشكل يضر بمكانتها الدولية".
وأشار إلى أنه أجرى اتصالات بالفعل مع شركائه في الائتلاف، لتعديل قانون "الخدمة الوطنية"، بحيث يتم منع الإسرائيليين من التطوع ضمن المنظمة. ونشر ردود فعل غاضبة على صفحته عبر "فيسبوك" على "بيتسيلم" لتفنيد ما جاء في إفادة إليعاد أمام مجلس الأمن؛ إذ ادعى أن "لب المشكلة لا يكمن في الاستيطان، بل في رفض الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية".
ووظفت الحكومة الإسرائيلية إفادة إليعاد أمام مجلس الأمن في تبرير اتخاذ إجراءات عقابية ضد منظمات أخرى. وذكرت صحيفة "ميكور ريشون" في عددها الصادر اليوم، الثلاثاء، أن نائبة وزير الخارجية تسيفي حوطبيلي أصدرت قراراً يحظر على الوزارة وكل أجسامها التعامل مع "مركز منرابا لحقوق الإنسان"، الذي يتبع الجامعة العبرية في القدس المحتلة بحجة أنه يتعاون مع منظمات حقوقية غربية تتبنى مواقف معادية".
وتواصلت حملة نزع الشرعية على المنظمات الحقوقية، إذ وصف وزير السياحة الليكودي، يريف ليفين، أنشطة هذه المنظمات بـ"أفعال الخيانة التي تضر بالدولة وأمنها وسلامة مواطنيها".
من ناحيته، وصف وزير الحرب السابق، موشيه يعلون، بمنشور على صفحته عبر "فيسبوك" سلوك المنظمات الحقوقية بأنه "حقير لأنها تشوه صورة إسرائيل وتوفر بيئة تسمح للمس بها".
وانضم القيادي في حزب العمل اليساري المعارض، النائب إيتسيك شموليك، إلى المنددين بالمنظمات الحقوقية، واعتبر إفادة مدير "بيتسيلم" أمام مجلس الأمن بأنها تساعد على "شيطنة إسرائيل في العالم، فضلاً عن أنها تزيد من دافعية المعسكر الرافض للتسوية داخل إسرائيل".
ودعا زعيم منظمة "أم ترتسو" اليمينية، متان بيلغ، الحكومة إلى الإيعاز فوراً إلى كل مؤسسات "الدولة" لتتوقف عن التعاون مع المنظمات "التي تمس بإسرائيل".
من ناحيتها، طالبت الكاتبة اليمينية البارزة، ميخال شتينبيرغ، بالتعامل مع المنظمات الحقوقية كمنظمات "معادية" وإخراجها عن دائرة القانون لمنعها من مواصلة العمل.
وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف"، في عددها الصادر اليوم، قالت شتينبيرغ إنه لا يوجد "ما يبرر عدم التعامل مع هذه المنظمات مثل التنظيمات التي تعمل ضد أمن الدولة، والتصرف إزاءها بناء على ذلك".
في المقابل، دافع إليعاد عن مشاركته في اجتماع مجلس الأمن معتبراً أنه تصرف وفق ما يمليه عليه ضميره.
وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس" أمس، قال إليعاد: "تحدثت في مجلس الأمن ضد الاحتلال لأنني أحاول أن أكون إنساناً. وبنو الإنسان يشعرون بالمسؤولية عن الألم والأذى الذي يسببونه للآخرين وهذا يمثل واجباً أخلاقيّاً".