تحمل حملة الانتقادات غير المسبوقة التي يتعرض لها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الساحة الداخلية، بسبب سلوكه أثناء قمة هلسنكي التي جمعته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في طياتها خطر المس بمصالح إسرائيل في الولايات المتحدة، والإضرار بقدرة تل أبيب على الاستفادة من التنسيق الروسي الأميركي في سورية.
وإن كانت إسرائيل، التي تبين أن رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، لعب دورا مهما في حث ترامب على عقد قمة هلسنكي، قد راهنت على هذه القمة لضمان تحقيق خارطة مصالحها في سورية، فإن الهجمات المتواصلة التي تشنها النخب السياسية ووسائل الإعلام الأميركية على أداء ترامب في القمة قد تقلص من قدرته على استنفاد التفاهمات التي يمكن أن يكون قد توصل إليها مع بوتين، وضمنها تلك المتعلقة بسورية.
فلم يكن سرا أن إسرائيل راهنت على توصل بوتين وترامب لصفقة كبيرة تمهد الطريق لإخراج إيران من سورية نهائيا. وعلى سبيل المثال، فقد لمّحت دوائر قريبة من نتنياهو، حتى قبل وقت طويل من عقد القمة، إلى أن إسرائيل مستعدة لتوظيف ثقلها داخل الكونغرس لإقناع أعضائه برفع أو تخفيف العقوبات الأميركية التي فرضت على روسيا في أعقاب احتلالها شبه جزيرة القرم، وذلك لتحسين قدرة ترامب على التوصل لصفقة شاملة مع بوتين، تشمل سورية أيضا.
كما أن حملة الانتقادات الداخلية التي يتعرض لها ترامب قد تضر بمصالح إسرائيل في الولايات المتحدة، وذلك لأنها توسع القطيعة بين تل أبيب وقطاعات واسعة من الجمهور الأميركي، الذي لا ينظر بعين الرضا إلى التقارب الكبير بين إدارة ترامب وحكومة اليمين المتطرف في تل أبيب، لا سيما أن من الوسائل التي يتبعها ترامب في استرضاء جمهور مؤيديه من التيارات المسيحية الصهيونية التماهي مع مواقف نتنياهو.
وقد ربطت دراسة صدرت مؤخرا عن "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي بين تراجع مستوى التأييد لإسرائيل في أوساط الأميركيين الذين يصوتون للحزب الديمقراطي وبين التقارب بين نتنياهو وترامب، ما دعا العديد من النخب في إسرائيل إلى المطالبة بتبني سياسات جديدة في التواصل في الإدارة الحالية وقواعد الحزب الديمقراطي.
وفي مقال مشترك نشرته أمس صحيفة "ميكور ريشون" اليمينية، دعا كل من عيران ليرمان، مساعد مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو، وأفرايم عنبار مدير "مركز يروشليم للدراسات الإستراتيجية"، صناع القرار في تل أبيب إلى توثيق العلاقة مع الديمقراطيين بشكل عاجل، وعدم وضع كل البيض في سلة ترامب.
ومما يزيد الأمور تعقيدا حقيقة أن بونا شاسعا بات يفصل إسرائيل عن أغلبية اليهود الأميركيين الذين يصوت معظمهم للحزب الديمقراطي، ليس فقط بسبب العلاقة بين ترامب ونتنياهو، بل أيضا بسبب التمييز الذي تمارسه إسرائيل ضد اليهود من التيار الإصلاحي الذي ينتمي معظم اليهود الأميركيين إليه.