يُمنعُ على فلسطينيي الضفة الغربية المحتلة التضامن مع قطاع غزة على الرغم من كمّ المجازر التي تعرّض ويتعرّض لها، وإن كان تضامنهم لا يتعدى كتابة بعض العبارات الداعمة على مواقع التواصل الاجتماعي. أجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأسها "الشاباك"، دائماً في المرصاد. تراقب كل صغيرة وكبيرة وتبتكر أساليب عدّة لثنيهم عن الأمر.
وانطلاقاً من إصرارها هذا، لم يكن مستغرباً أن تتسبّب عبارة على موقع "فيسبوك" في منع صاحبها من السفر "لأسباب أمنية"، كما برّر الاحتلال، أو أن يُضيّق جهاز الاستخبارات الخناق على العمال الفلسطينيين داخل حدود 1948، لإجبار أولادهم على التوقف عن تأييد المقاومة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. الأمرُ عادي إذاً.
وأكثر مَن يعاني أولئك الذين يضطرون إلى اجتياز حواجز إسرائيلية عدة قبل الوصول إلى أماكن عملهم. منهم العامل أبو وسيم، وهو من جنين ويعمل داخل أراضي فلسطين المحتلة. يقول: "في إحدى المرات، وأثناء مروري من أمام حاجز الطيبة، قرب مدينة طولكرم، خاطبتني المجنّدة التي تدقّق في الهويات وتصاريح الدخول قائلة: أطلب من ابنك التوقف عن الكتابة عبر فيسبوك. فذلك أفضل لك وله". ويلفت إلى أن "الرسالة وصلت. ومفادها أنه في حال تعنّت ابنه، قد يمنعونه من العمل. ما يعني أنه لا خيار أمامه سوى التوقف عن كتابة العبارات الداعمة للمقاومة". وكانَ وسيم قد كتب على صفحته على "فيسبوك": "قلوبنا معكم يا أهل غزة. أنتم تاج رؤوسنا". عبارةٌ كانت كافية لمعاقبة صاحبها.
وكما بدا واضحاً بالنسبة للفلسطينيين، يعتمد الاحتلال أسلوبي "الترغيب" و"الترهيب" لإجبارهم على التوقف عن دعم المقاومة بصورة تامة.
في السياق، يقول المحلّل السياسي، جهاد حرب، إن "الاحتلال يعتمد أساليب قديمة يلجأُ إلى تحديثها باستمرار. فتارة يسعى لإقناع الفلسطينيين بالتوقف عن دعم المقاومة من خلال إطلاق الوعود بتحسين أوضاعهم الاقتصادية، أو يختار أسلوب الترهيب لتحقيق الهدف عينه". ولا تقتصرُ أساليب الترغيب على إغراء الفلسطينيين بتحسين أوضاعهم الاقتصادية. فبعد حادثة اختفاء ثلاثة مستوطنين في الخليل، قبل نحو شهرين، كثّف الجيش الإسرائيلي من وجوده في شوارع الضفة الغربية بهدف إخافة الناس. كما عمد إلى رمي علب "كبريت" كُتب عليها: "الحذر، حماس ستحرق الضفة"، بالإضافة إلى حلويات للأطفال كُتب عليها: "قليل من الحلوى بعدما مرمرت حماس الحياة في الضفة".
وعلى الرغم من أن الفلسطينيين وصفوا الأساليب البدائية هذه بالتحريض على المقاومة المسلحة وحركة "حماس" بـ"الطفولية"، إلا أن الاحتلال لا يتوقف عن اختبار مختلف الوسائل للجم أفكار الفلسطينيين المقاومة. ويشرح حرب أن "الاحتلال يخطط ويجرّب بشكل دائم، فإذا لم ينجح هذا الأسلوب، سينجح آخر".
ويلجأُ الاحتلال الإسرائيلي دائماً إلى تضييق الخناق على مواطني الضفة الغربية، بعد أي عملية لحركة المقاومة. فيكثر من الحواجز بين المدن، ويُعكّر حياة الفلسطينيين من خلال التفتيش "المذلّ". حتى أنه كثيراً ما يعتقل العمال ويطاردهم حتى يتوقفوا عن دعم المقاومة. ويستغربُ عدد من الناشطين الذين يكتفون بدعم المقاومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خضوعهم للتحقيق من قبل استخبارات الجيش، بعدما يُسلّم عائلاتهم طلبات عسكرية تدعوهم لزيارة أقرب مركز بهدف التحقيق معهم.
في السياق، يقول شاب من جنين، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنه "اضطر للذهاب لمقابلة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي بناءً على طلب خطّي يقتضي حضوره للتحقيق". يضيف: "لم يُكثروا الأسئلة. فقط طلبوا مني التوقف عن دعم المقاومة في غزة من خلال صفحتي على فيسبوك، أو سأندم في المستقبل". ويتابع حرب أن "هذه الإجراءات تهدف إلى الضغط على الشعب الفلسطيني وتضييق الخناق على حرية الرأي والتعبير، وكبت أي أفكار داعمة للمقاومة"، لافتاً إلى أن "الاحتلال يسعى إلى ترهيب الناس من مجرد التفكير بالمقاومة".
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل منعت أكثر من ألف فلسطيني من السفر عبر معبر الكرامة بين الضفة الغربية والأردن خلال الأسبوعين الأخيرين، كوسيلة للضغط. أمرٌ أكدّه عدد من الشباب الذين سألوا الضابط الإسرائيلي عن سبب منعهم من السفر، فرد قائلاً: "ارجعوا وراجعوا ماذا كتبتم على فيسبوك"، ما دفع الناشطين إلى المطالبة برفع الحصار عن الضفة، وفتح معبرها الوحيد، "الكرامة".