لا تزال عائلة الشهيد الفلسطيني مفضي أحمد بشارات المعروف بـ"أبو جلدة"، تأمل دفنه في مسقط رأسه ببلدة طمون جنوب طوباس شرق الضفة الغربية، بعد نحو 49 عاما على استشهاده في منطقة الأغوار الفلسطينية، ومن ثم احتجاز جثمانه في مقابر الأرقام الإسرائيلية.
الحاجة فليحة فالح ناصر زوجة الشهيد مفضي التي تبلغ من العمر (80 عاما)، أصرت مع ابنتها حمدة (64 عاما) اليوم الأربعاء، على المشاركة في مسيرة للمطالبة باسترداد جثامين الشهداء المحتجزين لدى الاحتلال، فما زالت تتذكر اللحظات الأولى بعد استشهاد زوجها، ولم تصدق ما جرى، فكيف لهم أن يتمكنوا من زوجها المقاوم الذي قاوم الاحتلال على مدار 21 عاما!؟ وتشدد في حديث لـ"العربي الجديد"، على أنها تحنّ للقاء زوجها وإلقاء نظرة على رفاته، ودفنه في مقبرة طمون وإقامة جنازة تليق به.
ومنذ سنوات طويلة وعائلة الشهيد مفضي لا تترك فرصة قانونية أو مناشدة إلا وتطلقها من أجل استرداد جثمان الشهيد، بل تأمل كذلك أن يتم الإفراج عن جثمانه حتى في صفقات التبادل بين المقاومة والاحتلال، وفي كل مرة تتجدد الغصة في قلوب أفراد العائلة ويتجدد الجرح لديها، إذ تقول ابنته حمدة لـ"العربي الجديد"، "نأمل أن نرى جثمانه أو الصندوق الذي فيه رفاته، سنرتاح حينها، لأنه سيكون بيننا وفي مقبرتنا ونشعر بوجوده معنا ونقيم له جنازة تليق به".
الشهيد مفضي بشارات "أبو جلدة" وهو النجل الأكبر للشهيد أحمد أبو جلدة أحد قادة ثورة العام 1936، قاوم الاحتلال على مدار 21 عاما منها مشاركته في مقاومته للعصابات الصهيونية التي احتلت فلسطين في العام 1948، وكان مفضي ناشطا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومسؤولا قبل استشهاده في اشتباك مسلح في الأغوار الفلسطينية في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول 1969، عن عملية تهريب الفدائيين من الأردن إلى داخل الأراضي الفلسطينية ليقوموا بمهامهم الفدائية.
أبناء وبنات الشهيد مفضي وأبناؤهم تربوا على سيرته، يعلقون صوره في كل مكان ويحفظون تفاصيل بطولاته، هم لا ينسونه رغم مرور السنوات، ويتمنون من الرئيس الفلسطيني محمود عباس والمسؤولين أن تكون قضية استرداد جثامين الشهداء هدفا لهم، أما حمدة فقد عادت قبل أربع سنوات إلى الضفة الغربية، بعدما تزوجت في الأردن وعاشت هناك مدة 38 عاما، وأصرت على إقامة نصب تذكاري لأبيها وجدها في بلدة طمون.
وفي 27 أغسطس/ آب من كل عام اعتادت الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، على إحياء فعاليات اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء، وأطلقت هذا العام حملة إلكترونية قبل يومين لتفعيل قضية استرداد جثامين الشهداء، كما نظمت أمس الثلاثاء، اعتصاما أمام مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في مدينة رام الله، سلمته فيها مذكرة طالبته فيها بالوقوف عند مسؤولياته في قضية احتجاز جثامين الشهداء والإفراج عنهم.
وشارك العشرات من الفلسطينيين من بينهم أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم وشخصيات وقيادات فلسطينية اليوم الأربعاء، بمسيرة انطلقت من أمام ضريح الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وجابت شوارع مدينة رام الله، إحياء لليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء، ومطالبة بضرورة الضغط على الاحتلال لاسترداد جثامين الشهداء.
وتقول منسقة الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، سلوى حماد، لـ"العربي الجديد"، على هامش المسيرة، إن "المسيرة جاءت لتؤكد على أهمية إعادة جثامين الشهداء ودفنهم بطريقة تليق بكرامتهم الإنسانية، ضمن سلسلة فعاليات تنظمها الحملة لتفعيل هذه القضية وإحياء اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء".
ووفق حماد، فإن سلطات الاحتلال تحتجز في مقابر الأرقام التابعة لها، 253 شهيدا وشهيدة منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، و28 شهيدا محتجزين منذ 2015 وحتى الآن تم دفن أربعة شهداء منهم، علاوة على 68 جثمانا لشهداء مفقودين لا يبدي الاحتلال تجاوبا حول قضيتهم، ولا تزال الجهود القانونية تبذل من أجل الإفراج عن جثامينهم.
بدوره، يقول منسق القوى الوطنية والإسلامية في محافظة رام الله والبيرة، عصام بكر، لـ"العربي الجديد"، إن "المطلوب هو موقف حقيقي رسمي للقيادة الفلسطينية، والتي يجب أن تتحرك على كافة المستويات، لأن هذه الجريمة مركبة تمارسها دولة الاحتلال بحق جثامين الشهداء، ويجب العمل على تفعيل المسار القانوني والشعبي وتكامل الموضوع على المستوى الرسمي".
وفي بيان للحملة تلاه، منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، سالم خلة، رفضت الحملة محاولات حكومة الاحتلال تحويل ملف جثامين الشهداء إلى ورقة مساومة في المفاوضات، مؤكدة أن المعركة السياسية والقانونية مع حكومة الاحتلال حول هذه القضية مستمرة.
وناشدت الحملة كافة الجهات الوطنية، على المستوى السياسي والجماهيري لمواصلة دعم جهود أهالي الشهداء وتبني قضاياهم ومعالجتها والوقوف معهم في كافة ميادين الكفاح.