تتّبع إسرائيل إستراتيجية دعائية تهدف إلى المس بمعنويات حزب الله وتقليص دافعه للمبادرة بشن مواجهة ضدها، عبر تسريب معلومات لوسائل إعلام أجنبية، تشي بإحاطة إسرائيل بالآليات التي يتبعها الحزب استعداداً لهذه المواجهة. حرص الجيش الإسرائيلي على تزويد صحيفة "نيويورك تايمز" أخيراً، بمعلومات تفصيلية واسعة حول طابع انتشار عناصر الحزب في القرى الشيعية في جنوب لبنان. وقد استند التحقيق الذي أعدته مراسلة الصحيفة في إسرائيل إيزابيل كيرشنر، إلى إفادات قدّمها ضباط كبار في قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي. وأشارت الصحيفة إلى أنّ ممثلي حزب الله الذين طلب منهم التعقيب على ما جاء في التحقيق، تملّصوا من الرد المباشر على هذه المعلومات.
وقد تضمن التحقيق خارطة تظهر فيها قرى محدّدة ومعلومات حول مخازن السلاح ومنصات إطلاق الصواريخ التي تتواجد فيها، إلى جانب إظهار شبكة الأنفاق التي يستخدمها الحزب في المنطقة. ويتضح من التحقيق، أن الاستخبارات الإسرائيلية حدّدت آلاف الأهداف للحزب في المنطقة، التي يمكن ضربها. ولم يفُتْ الناطقون باسم الجيش الصهيوني، التركيز على التحولات التي طرأت على قوة نيران الجيش الإسرائيلي مقارنة مع حرب لبنان الثانية، التي عُرفت بـ"حرب تموز" 2006، في مسعى لردع حزب الله عن الدفع نحو مواجهة أخرى مع إسرائيل. ومن أجل إثارة البيئة اللبنانية الداخلية، شدّد قادة الجيش الإسرائيلي، على أنه في حال نشبت مواجهة جديدة مع حزب الله، فإنّ عدداً كبيراً من المدنيين اللبنانيين سيُقتل، زاعماً أن حزب الله يقيم بنيته العسكرية في محيط التجمعات المدنية.
اقرأ أيضاً: إسرائيل: ردّ حزب الله سيكون بالمخدّرات
يبدو واضحاً، أن الحرص على إثارة مخاوف حزب الله من ردة فعل خصومه الداخليين، في حال تفجرت مواجهة جديدة ينتج منها المس بحياة عدد كبير من المدنيين اللبنانيين، يعتبر جزءاً أصيلاً من إستراتيجية تل أبيب لتجنب المواجهة المقبلة مع الحزب. فقد نقلت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر الجمعة الماضي عن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق الجنرال عاموس يادلين، قوله إنه "لا يوجد حصانة على الأهالي في جنوب لبنان في حال تواجدوا في محيط مواقع حزب الله". ويحمّل يادلين المجتمع الدولي جزءاً من المسؤولية عن المواجهة المقبلة مع حزب الله، مشيراً إلى أنّ المجتمع الدولي لا يتحرك لوقف تسلح الحزب بسلاح نوعي. وكشفت "هآرتس" أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كلّف مكتب مستشار الأمن القومي، بعرض صور التقطت بالأقمار الصناعية على الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، تدل على تحضيرات حزب الله للمعركة المقبلة، في مسعى لجلب ضغط أممي على حكومة لبنان للتدخل.
من ناحيته، يرى المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، أنّ الجيش الإسرائيلي، من خلال تسريب المعلومات للصحافة الأجنبية، وعبر إطلاع الجهات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، يريد إيصال رسالة، مفادها أن حزب الله يخترق بشكل فظ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، الذي على أساسه انتهت حرب 2006. وقد تضمن القرار آلية لمنع تدفق السلاح للحزب. ويرى هارئيل أن الإستراتيجية الدعائية التي يعكف عليها الجيش الإسرائيلي، نتاج توجه رئيس هيئة أركان الجيش الجديد جادي إيزنكوت، والهادف إلى تأجيل المواجهة مع حزب الله إلى أبعد مدى ممكن. لكن مستشار الأمن القومي السابق، الجنرال يعكوف عامي درور، يرى أن حزب الله غير معني بالمواجهة مع إسرائيل، مما جعله يطالب صناع القرار في تل أبيب بتوخي أقصى درجات الحذر وعدم المجازفة بالقيام بأية خطوة يمكن أن تشعل المواجهة.
اقرأ أيضاً: إسرائيل تنتظر انتقام حزب الله خارج فلسطين
وفي مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، الخميس الماضي، أشار درور إلى أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يذكر جيداً نتائج حرب 2006، إضافة إلى أن الحزب يرى أن على رأس أولوياته، ضمان بقاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد وعدم السماح بسقوطه. ويرى درور أن حزب الله غير قادر وغير معني بخوض غمار مواجهتين في آن معاً. ويوضح أن حزب الله يدرك أن سعيه للحفاظ على نظام الأسد، يفرض عليه تقليص هامش المناورة المتاح له أمام إسرائيل. وحذّر درور القيادة الإسرائيلية من الاستجابة للدعوات المنادية باستغلال وضع حزب الله وتوجيه ضربة استباقية له، مشدداً على أن مثل هذه الخطوة ستفضي إلى نتائج عكسية.
وبحسب درور، فإنّ المخاطر التي تنطوي عليها مثل هذه الضربة، لا تنحصر في الجانب العسكري فحسب، بل في الجانب السياسي أيضاً، ولا سيما على صعيد مكانة إسرائيل الدولية. وشدد على أنه لن يكون بوسع إسرائيل إنهاء الحرب في الوقت الذي تحدّده، مشيراً إلى أن مثل هذه الحرب يمكن أن تستمر لأشهر عدة، وتفضي إلى المس بشكل كبير ومؤثر بالبنى التحتية المهمة والحساسة لإسرائيل، ناهيك عن تسببها بمقتل عدد كبير من الجنود والمستوطنين.
اقرأ أيضاً: المشهد العربي بعين إسرائيليّة