إسرائيل والثمار السياسية لزيارة البابا: الخطأ ممنوع

25 مايو 2014
استنفار أمني إسرائيلي خوفاً من ثغرة قاتلة (getty)
+ الخط -

خصّصت أجهزة الأمن الإسرائيلية أكثر من 9500 عنصر من الشرطة، والأجهزة الأمنية الأخرى، لتأمين زيارة البابا فرنسيس للأراضي المحتلة، مع التركيز على إعلان إبعاد عدد من ناشطي اليمين المتطرف عن منطقة القدس المحتلة، فضلاً عن اعتقال 26 شخصاً من اليمين اليهودي المتطرف في "جبل صهيون"، إثر مشاركتهم في تظاهرة ضد الزيارة. كل ذلك في إطار اهتمام دولة الاحتلال في إظهار مدى مركزية الزيارة بالنسبة إليها، وتفادي أي تعكير قد يطرأ عليها، مما من شأنه أن يتسبب في حملة ضدها في "العالم المسيحي" في أوروبا وأميركا اللاتينية، التي تحاول إسرائيل نسج علاقات استراتيجية معها.

وقالت صحيفة "هآرتس"، في هذا السياق، إن مسار الزيارة من بيت لحم إلى القدس المحتلة، بطريقة مكوكية، "يؤكد مدى حساسيتها وكم هي موضوع مشحون ومثقل بالحساسيات المختلفة والغريبة". ورأت الصحيفة أن هذا المسار "جاء بفعل الرغبة في أن نوفر على البابا مشاهد الحواجز العسكرية والسياج الحدودي والجدار الذي يفصل بين القدس وبيت لحم".

ونقلت "هآرتس" عن سفير إسرائيل لدى الفاتيكان، تسيون عفروني، وصفه للزيارة بأنها "نقطة فارقة في العلاقات مع الفاتيكان"، بينما تدرك وزارة الخارجية الإسرائيلية أن سبب الزيارة القصيرة، والمثقل جدولها باللقاءات، يعود لأسباب مسيحية داخلية، ذلك أن الهدف الرئيسي للزيارة هو اللقاء المقرر بين فرنسيس الأول، وبطريرك الكنائس الشرقية برثلماوس، إذ سيعيد الرجلان تكرار اللقاء التاريخي السابق بين البابا بولس السادس ورئيس الكنيسة الشرقية آنذاك اثيناغورس، عام 1964.
وفي تلك الزيارة، امتنع البابا بولس السادس حتى عن ذكر إسرائيل. لكن الدولة العبرية، بحسب "هآرتس"، ستحقق اليوم، "مكاسب سياسية".

وتشدد الصحيفة على أن المكسب الأول لإسرائيل، من الزيارة، يتجسد بتوفر جميع الطقوس الرسمية وقواعد البروتوكول المعمول بها عند زيارة رئيس دولة أجنبية: مراسم استقبال رسمية، لقاء مع رئيس الدولة، شيمون بيريز، ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، زيارة مركز "ياد فاشيم" لضحايا الهولوكوست، ووضع اكليل زهور على قبر تيودورهرتسل. كما سيزور المسجد الأقصى وحائط البراق.

وتشير الصحيفة إلى أن الخلاف الذي أثاره اليمين الإسرائيلي المتطرف، حول موضوع مُلكية "غرفة العشاء السري" في القدس المحتلة، والحديث عن احتمال عقد "صفقة سرية" بين الفاتيكان وإسرائيل لاسترداد "الغرفة"، من شأنه أن يكون عاملاً معرقلاً قد يضر بالزيارة، وهو ما يقر به صديق البابا، الحاخام دافيد روزين، المسؤول عن العلاقات بين اللجنة اليهودية الأميركية وبين الفاتيكان. وقال روزين للصحيفة إن البابا هو عملياً "سوبر ستار ولا يمكن لشيء أن يسيء إلى زيارته، إلا إذا حدث أمر قد يلقي بظلاله عليها، وخصوصاً أنّ المتطرفين الحريديم، في القدس المحتلة، لا يتورعون يومياً عن مهاجمة الرهبان والكهنة في كنيسة العشاء السري بصورة شبه يومية"، وفقاً لما أقر به مصدر كنسي للصحيفة.

ولفتت الصحيفة، في هذا السياق، الى الدعوات التي أطلقتها جماعات يهودية يمينية ضد زيارة البابا. واعتبرت أن القداس الذي سيقوده البابا في الكنيسة الجسمانية، على جبل صهيون، هو "اللغم الوحيد المحتمل انفجاره" في حال داس عليه البابا خلال زيارته للأراضي المقدسة. وبحسب الصحيفة، فإن المحطات الثلاث التي سيزورها، يوم الاثنين، أي الأقصى وحائط البراق، وقبر هرتسل، ومتحف ياد فاشيم، ستكون محفوفة بالمخاطر، لذلك خُصِّصتْ لها ساعتان ونصف الساعة فقط.

وتضيف "هآرتس" أن لقاء البابا، يوم الاثنين، مع بيريز، سيكون المحطة الوحيدة، التي لن يحاول فيها أحد انتزاع تصريح منه، ذلك أن "مجرد استجابة البابا السريعة لدعوته زيارة إسرائيل، قبل إنهاء بيريز ولايته في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، هي بحد ذاتها أمراً مرضياً".

مع ذلك، يحاول ديوان بيريز استغلال الزيارة، كالعادة، للترويج لوهم التعايش والمساواة والديمقراطية في إسرائيل، من خلال تقديم عرض موسيقي لأطفال يهود ومسلمين ومسيحيين، أمام البابا، لاجترار مقولة "واجب الوصول إلى سلام بين أبناء إبراهيم".

في المقابل، تكشف الصحيفة عن أن وزارة الخارجية وديوان نتنياهو سيكونان على أهبة الاستعداد لمتابعة كل كلمة، وكل تصريح، قد يصدر عن البابا أثناء زيارته إلى أراضي السلطة الفلسطينية، لمدة ست ساعات ونصف الساعة، "على أمل ألا يخرج البابا عما سبق وأن صرح به في عمان"، بحسب ما تنقله الصحيفة عن مصادرها.

وفي إطار ما ترى إسرائيل أنها "مكاسب" سياسية لزيارة رأس الكنيسة الكاثوليكية، ثمة في اسرائيل مَن يعتبر أن مجرد مرافقة البطريرك الماروني اللبناني، بشارة الراعي، لفرنسيس، هو بحد ذاته مكسب لتل أبيب، إذ إن ذلك يكسر المقاطعة، التي مارستها البطريركية المارونية على زيارة الأراضي الفلسطينية منذ احتلالها قبل 66 عاماً. ومن شأن قدوم الراعي أن يؤسس لـ"عُرف" تتكرر بموجبه زيارة البطريرك الماروني إلى الأراضي المحتلة، مرة كل خمس سنوات، بحسب ما ينص عليه القانون الكنسي.

دلالات