في لحظة مصيرية تعيسة كهذه اللحظة التي نعيشها في مصر الآن، من المفيد استدعاء نجيب محفوظ (1911 – 2006) في ذكرى وفاته الثامنة، ولكن ليس الروائي فقط، الذي طور، بلا أدنى شك، شكل ولغة الرواية العربية، بقدر ما نحتاج استدعاء "محفوظ" ما وراء الرواية، ذلك الذي تنبأ بالصراع الذي سيكون سبباً في ضياع الثورة التي اشتعلت بعد وفاته بأربعة أعوام.
صراع الجيل الثالث بين أحفاد السيد "عبد الجواد" بطل ثلاثيّته الشهيرة، والذي تمحور بين الأخوين "أحمد" و"عبد المنعم"، الأول بنزعته اليسارية والثاني بنزعته الإخوانية.
كثيراً ما تعرّض صاحب "أولاد حارتنا" إلى هذا الصراع في المجتمع المصري، ليس فقط في رواياته التي رصدت واقع المجتمع فحسب، لكنه تطرّق أيضاً إلى هذا الصراع في ملحمته "الحرافيش"، التي وضعها النقاد على رأس رواياته الوجودية، حيث "الزاوية/ المسجد" مقابل "البوظة/ الحانة".
لم يكن معروفاً عنه الكشف عن آرائه في رواياته مطلقاً، بل كان يكتفي بالإشارة، إلا أنه في مقام التعريف عن نفسه أمام الأكاديمية السويدية لجائزة نوبل، قام بعقد مصالحة بين طرفي هذا الصراع: "أنا ابن حضارتين تزوّجتا في عصر من عصور التاريخ زواجاً موفقاً، أولهما عمرها سبعة آلاف سنة وهي الحضارة الفرعونية، وثانيتهما عمرها ألف وأربعمائة سنة وهي الحضارة الإسلامية".
ولكن تبقى هناك عدة أسئلة حول هذه الإشكالية، أولها؛ هل ما زلنا نعيش نفس أزمات الجيل الثالث من "الثلاثية"؟ وكيف لمن يدعون أنهم تلاميذ "محفوظ"، مثل جمال الغيطاني ومحمد سلماوي، أن يقعوا في هذا الفخ الذي نُصِبَ للثورة بعد كل إشارات أستاذهم الذي يبدو أنهم لم يتعلموا منه شيئاً. أو لعلهم جزءٌ من النخبة المثقفة الفاسدة التي كشف لنا عوراتها في "ثرثرة فوق النيل" منذ أكثر من أربعين عاماً!