إطاحة المستشار بانون: فقد ترامب طاقمه... واستتب الأمر للجنرالات

19 اغسطس 2017
بانون لعب دوراً بارزاً في فوز ترامب(ساول لويب/فرانس برس)
+ الخط -

مع إطاحة المستشار الاستراتيجي ستيف بانون، تكون الحاشية التي جاء بها الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد تقلّصت إلى حد كبير، ولم يبق منها سوى صهر الرئيس، جاريد كوشنر، وزوجته، إيفانكا ترامب. أما أركانها الأخرى فقد تساقطت تباعاً على امتداد الأشهر السبعة الماضية، وآخرها بانون، والذي وقع تحت وطأة الضغوط التي اضطرت الرئيس إلى أخذ القرار، تماماً كما جرى لمن سبقوه، من مايكل فلين إلى كبير المسؤولين، رينس بريبوس، والمتحدّث الرسمي في البيت الأبيض، شون سبايسر، وغيرهم.

لكن هذه المرة كانت بصمات الجنرالات واضحة أكثر في عملية إعادة ترتيب البيت الأبيض، خاصة رئيس طاقم الموظفين، الجنرال جون كيلي، والذي أخذ على عاتقه القيام بتلك المهمّة، يعاونه فيها مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، الجنرال هربرت مكماستر، ومن بعيد وزير الدفاع، الجنرال جيمس ماتيس.

في كل مرة وجد الرئيس نفسه في مأزق، كان يختار كبش فداء للانتقال إلى المأزق التالي. وكانت الإقالات تحصل في أعقاب احتدام المناكفات في صفوف طاقم البيت الأبيض، وتسريب معلوماتها من الداخل، وما يتلوها من إلحاح كثير من الجهات والدوائر على وجوب "تطهير" الجهاز المحيط بالرئيس، والمحسوب في خانة بطانته المقربة.

لكن بانون بقي الاستثناء على هذه القاعدة، لأنه من "العيار الثقيل" من منظور الرئيس؛ على الرغم من أن علامات الاستفهام مطروحة حوله منذ البداية، فهو قادم من موقع يميني فئوي ضيق، يدين بالتشدد وسياسة "العصا" والارتياب حيال "الآخر"، كذلك يدعو إلى وجوب "تدمير" البنى السياسية والحكومية التقليدية لاستبدالها بهياكل وتوجهات تتلاقى مع تلك التي عرضها ترامب في الحملة الانتخابية، حين طرح نفسه بديلاً للواقع السياسي "المحنط"، على حد وصفه.



قناعات بانون استهوت ترامب، فاستدعاه عشية الانتخابات لإدارة حملته، والتي ساد الاعتقاد، في أعقاب "نجاحها"، بأن مديرها الجديد لعب دوراً مهماً في فوز الرئيس؛ فكانت الجائزة بتعيينه في منصب جديد خاص به باسم "مستشار استراتيجي" للرئيس. موقع جعله صاحب دور واسع، في شؤون الداخل والخارج. وبالإضافة إلى ذلك، وافق الرئيس على منحه مقعداً في الاجتماعات الأساسية لمجلس الأمن القومي محل رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة.

الاستعاضة عن هذا الأخير بمستشار من رتبة بانون، ولأول مرة في مجلس يشارك فيه فريق من درجة وزير فما فوق (مع الرئيس ونائب الرئيس)، أثارت اعتراضات واسعة، ولو مكتومة، خاصة في "البنتاغون". ولذلك فإن أول ما قام به الجنرال مكماستر، حين تسلّم مهامه، كان إقناع الرئيس بضرورة التصحيح وتجريد بانون من مقعده في المجلس، وإعادته إلى رئيس الأركان، وبهذا بدأ التآكل في موقع بانون، ثم ازداد الضغط مع مجيء الجنرال كيلي لمحاصرة نفوذ المستشار الذي تنعم بتأثير وازن على الرئيس.

لكن التمادي في ممارسة النفوذ قاد بانون إلى تكبير وتضخيم دوره، وفي قضايا حساسة وخطيرة. وكانت تدخلاته في الأيام الأخيرة، كما يعتقد كثيرون، القشة التي قصمت ظهر البعير. الاعتقاد أنه هو الذي دفع الرئيس إلى التعامل مع أحداث شارلوتسفيل بالصورة التي بدا فيها ترامب، وكأنه منحاز إلى صف العنصريين والنازيين الجدد، موقف أثار موجة غاضبة وواسعة ضد الرئيس، شملت حتى العديد من مقربيه ومن الجمهوريين.

ترافق مع ذلك إعلان بانون عن موقف مخالف للبنتاغون ولوزير الخارجية بشأن كيفية التعامل مع الأزمة الكورية، فقد قال في إحدى مقابلاته الإعلامية النادرة إن المشكلة "لا حل عسكريّاً لها". لكن تقديره جاء مناقضاً لما أدلى به الوزيران ورئيس هيئة الأركان، والذين شدّدوا على أن الخيار العسكري قائم "إذا اقتضى الأمر". تضارب ضاعف من النقمة عليه وسط تزايد المطالبات والضغوط مؤخراً للتخلص منه. ولم يكن أمام الرئيس المحاصر سوى الاستجابة، وهو المحتاج الآن، أكثر من أي وقت، لكبش فداء كبير، ولو على مضض؛ ففي جعبة المسؤول المقال، والذي كان يدير موقع "بريت بارت" اليميني المتطرّف، معلومات قد تكون من الصنف المؤذي للبيت الأبيض، والذي لا بد أنه عقد "صفقة" مع بانون لخروجه، قد تصمد وقد لا تصمد.

الطاقم الذي استقدمه الرئيس معه، غير كفوء ولا مجرب، حسب سائر التصنيفات، وقد كان عبئاً منذ البداية. والدليل أنه ما إن دخل إلى البيت حتى خرج منه سريعاً. لكن يبقى هذا جانباً واحداً من الحقيقة؛ فتلك الجوقة عزفت اللحن الذي يطيب للرئيس سماعه. والحديث عن عدم انضباطها ومناكفاتها الداخلية، لا يفسّر أزمة البيت الأبيض، إلا إذا تبيّن بعد رحيل أولئك "المشاغبين" أن الأمور استقرّت على النحو الأفضل. وهذا هو الامتحان أمام الجنرالات الذين استتب لهم الأمر الآن، والذين يشكك العارفون في إمكانية تغيير وجهتهم طالما بقي القبطان على نهجه، وهنا بيت القصيد.