وجّه الضابط المصري المسؤول عن ملف الإعلام في الاستخبارات العامة، المقدم أحمد شعبان، تعنيفاً شديداً لرؤساء القنوات الفضائية المملوكة لشركات تابعة للاستخبارات، يوم أمس. واتّهم هذه القنوات بـ"الفشل" في إدارة مشهد التظاهرات التي شهدتها محافظات مصرية عدة، ليل الجمعة، استجابة للدعوات الإلكترونية المطالبة بإسقاط نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
تضارب التعليمات
وقالت مصادر إعلامية متطابقة في حديث مع "العربي الجديد"، إن التعنيف طاول مجموعة كبيرة من المذيعين، والمُعدين في قنوات "دي إم سي"، و"الحياة"، و"إكسترا نيوز"، و"أون إي"، رغم أن التعليمات التي وجّهت لهؤلاء قبل التظاهرات لم تكن واضحة، على حدّ قولهم.
وأضافت المصادر أن تعليمات شعبان لرؤساء القنوات، والتي يمررها عبر مجموعة تجمعهم على تطبيق "واتساب"، جاءت متضاربة، وغير محددة المعالم. فتارة كانت تُطالب المذيعين، والمعدين في القنوات بتجاهل الحديث تماماً عن أي حراك معارض في الشارع، وتارة أخرى بتحقير مشهد الاحتجاج، والأعداد المشاركة فيه، لا سيما تظاهرات ميدان التحرير، ومناطق وسط القاهرة. واستطردت قائلة، إنه "بالرغم من حالة التأهب التي عاشتها القنوات الحكومية، وتلك المملوكة للاستخبارات، قبيل بدء موعد التظاهرات المُحدد في التاسعة من مساء الجمعة (أول من أمس)، إلا أن المسؤولين في تلك القنوات فوجئوا بأعداد المتظاهرين، وانتشار مقاطع البث الحي على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، ما وضعهم في ورطة حقيقية ما بين التجاهل أو التناول".
وأفادت المصادر بأن التعليمات الواردة من شعبان في البداية كانت التجاهل، على اعتبار أن أعداداً قليلة قد تشارك في الاحتجاجات، ويتم ردعها من خلال قوات الأمن المنتشرة في جميع المحافظات. لكن "انتشار فيديوهات الناشطين على موقعي "يوتيوب" و"فيسبوك" غيرت دفعة التعليمات، فطلب في الإعلام الهجوم على هذه التحركات والتشكيك بها، والتسفيه من جدواها".
أداء الإعلام
ظلت القنوات الموالية للنظام المصري تبث الأغاني الوطنية الحماسية منذ ساعات بعد الظهر، ومع انطلاق موعد خروج التظاهرات ليلاً، عاشت حالة من الإنكار بداية، حتى اضطرت للتعليق بعد نشر أجزاء من فيديوهات التظاهر ضد السيسي على قنوات عربية، مروجة لفكرة أنها فيديوهات مفبركة، وتعود إلى أحداث ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، مع العلم أن الهتافات كانت جلية ضد السيسي.
وزعم الإعلامي عمرو أديب عبر برنامجه "الحكاية" على شاشة "أم بي سي مصر" أن مجموع المتظاهرين في ميدان التحرير لا يتجاوز 40 شخصاً، وقد ألقي القبض على أغلبهم بعد فرارهم من مواجهة مع الشرطة. كما ادعى أن التحركات في الشارع لا علاقة لها بدعوات الفنان والمقاول محمد علي للتظاهر ضد السيسي، بذريعة أنه مجرد أداة في يد جماعة الإخوان.
وادعى الإعلامي رامي رضوان على شاشة DMC أن مقاطع الفيديو المصورة للمظاهرات "مركبة" لزيادة عدد المشاركين. في حين توعد الإعلامي أحمد موسى على قناة "صدى البلد" المتظاهرين في ميدان التحرير بـ"الإعدام"، قائلاً إن أنصار جماعة الإخوان، وناشطي حركة 6 أبريل، الذين أطلقوا وسماً للمطالبة بتنحي السيسي على موقع "تويتر"، سيحاسبون أشد الحساب، سواء من المتواجدين داخل مصر أو في خارجها.
وانتظرت القنوات المملوكة للاستخبارات حتى وقت متأخر من الليل، لتقوم بتصوير ميدان التحرير بعد فض التظاهرات داخله بالقوة بواسطة قوات الأمن المركزي، لتؤكد سهولة المرور داخل الميدان. وأعادت بث مقطع فيديو يظهر جانباً واحداً من الميدان، بعد إعادة فتحه جزئياً من ناحية موقف عبد المنعم رياض، من دون الإشارة إلى إقفال بعض المداخل الأخرى.
وحجبت السلطات المصرية عدداً إضافياً من المواقع الصحافية والإعلامية الأجنبية والعربية، على رأسها موقع "بي بي سي عربي". وجاء الحجب على خلفية نشر القناة البريطانية أخباراً عن التظاهرات التي اندلعت مساء أمس الجمعة في القاهرة وعدد من المحافظات ضد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
والسبت، حجبت السلطات المصرية موقع قناة "الحرة" الإخباري رداً على نشره عدداً من الفيديوهات التي توثق تظاهر الآلاف من المصريين
ورصد "العربي الجديد" عودة الحجب بشكل كامل على جميع المواقع الصحافية المعارضة للنظام المصري، وكذلك المواقع التي كانت محجوبة منذ 2014 ومنها "العربي الجديد"، والتلفزيون "العربي"، و"الجزيرة".
كما شكا مئات من رواد مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" صعوبة استخدام برامج التراسل وعلى رأسها "ماسنجر" و"واتساب" وذلك بعد ساعات من تردي خدمة الإنترنت المنزلي في مناطق مختلفة في القاهرة والمحافظات، مساء أمس، وعلى مستوى جميع الشركات المزودة للخدمة، وعلى رأسها شركة "وي" المملوكة للدولة.
وأرجعت مصادر في الأمن العام الأمر إلى "جهاز المخابرات العامة وهيئة الأمن القومي" مؤكدة أن "الشرطة لا تدير هذا الملف حالياً على الإطلاق".
اعتقالات
من جهتها أعلنت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" (منظمة مجتمع مدني)، أن قوات الأمن ألقت القبض على الصحافي إيهاب محمد الحسيني، أثناء تصويره احتجاجات اندلعت في مدينة المحلة. كما ذكرت المفوضية على حسابها توقيف عدد من الناشطين من مختلف الميادين اثناء قيامهم بتصوير التظاهرات، من دون تحديد هوياتهم. بينما نشرت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، أسماء صحافيين آخرين فقد الاتصال بهم منذ ليلة أول من أمس الجمعة، وهم: إﻧﺠي ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻮﻫﺎﺏ ﻣﺤﻤﺪ، وﺣﺎﺯﻡ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻮﻫﺎﺏ، وﺳﻠﻴﻢ ﺳﻴﻒ ﺍﻟﺪﻳﻦ، وﻋﻤﺮ ﻫﺸﺎﻡ.