من يتابع الإعلام السوري بشقيه الموالي لرئيس النظام بشار الأسد والمعارض له، فسيتراجع خطواتٍ إلى الوراء، وعلى الأرجح سيبحث عن قناة عربية أو غربية، على أمل أن يعرف بعضاً من الخبر السوري، وكأن الإعلام اليوم فقد حذره وموضوعيته وكاد أن يجعل العالم يكره المقهورين. وإلا ما تفسير غياب الإنسان السوري من لحم ودم عن العالم، وحضور الآلة العسكرية فقط إلى جانب التنظيمات الإسلامية المتطرفة، حتى لنكاد أن نصرف كل طاقاتنا كمواطنين يحملون الجنسية السورية في إقناع الآخر أننا لسنا إرهابيين، وفي أغلب الأحيان لا ننجح؟
الإعلام الذي كان يسمى "ثورياً" سابقاً، والذي بات يسمى "معارضاً" اليوم، هو أول من تناسى الإنسان السوري، الذي يأكل ويشرب وينام ويتزوج ويحلم أن يربي أطفاله. وانتقل إلى جانب البحث عن صاروخ هنا ومعركة صغيرة هناك، وترك 80 في المائة من سورية تحت سيطرة الأسد واقعياً وإعلامياً، وكأن السوريين هناك جميعهم قتلة ومتوحشون، رغم أن الجميع يعرف أن السوري اليوم يريد أن يعيش، ووجوده في مناطق النظام لا يعني أنه مؤيد له.
اتجه الإعلام السوري إلى المبالغة واصطياد أي فيديو منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى يتلقفه العشرات من الصحافيين. ولا يدري السوريون العاديون ما الهدف من تلقفها، هل هو إثبات الفساد ضمن مؤسسات حكومة النظام السوري الذي يعرفه السوريون منذ ما يزيد عن أربعين عاماً، أم إثبات أن الأسد مجرم حرب، وهل إثبات أن الأسد مجرم يكون بجزء صغير من منظومة فساد متكاملة.
يبدو الإعلام المعارض وكأنه لا يهتم بالجمهور، يتعامل معه على أنه ساذج ولا يفكر أبعد من أنفه، وبدل أن يجيب عن أسئلة هذا الجمهور كسبب التهاوي العسكري وخسارة المناطق، وسبب بقاء جسد للهيئات المعارضة الفاسدة والمشلولة، أو ربما سبب هزيمة جيش الإسلام المدوية في الغوطة وإعادة تجميع صفوفه في الشمال، نقل الخبر باحتفالية لا أحد يعرف سببها. وأكثر من ذلك، لم يجرؤ الإعلام على الغوص ولو قليلاً بحقيقة الحياة في مناطق المعارضة، ولماذا فضلت النسبة الكبرى من مناطق المصالحات الاتجاه لمناطق النظام بدلاً من إدلب، هو إذاً يتحايل ويلف ويدور على الفكرة، ولكنه يرفض الغوص فيها.
لم نكتشف حتى اليوم أن إعلام 2011 صار شيئاً من الماضي، وعلينا أن نتطور ونتغير مع تطور المرحلة التي نعيشها، وأن 2011 كانت مليئة بالسخرية والتهكم من رأس النظام لأنه كان من الضروري جداً تكسير هذا الصنم الذي حاول زرع صورته في رأس السوريين على أنه أقرب للآلهة الممنوع التطاول عليها، وأن كشف إجرام الأسد حصل فعلاً وظهر للعالم كله إجرامه. واليوم بعد 8 سنوات، علينا أن نقف وننظر إلى ما يرتكبه الإعلام من تضخيم للانتصارات وتضخيم للهزائم في اليوم التالي.
لا تزال الشاشات والمواقع تعيش داخل سجن اسمه "6 أشهر السلمية"، وكأن تعقيدات المجاهدين الدوليين والقاعدة وحزب الله وإيران وروسيا ودونالد ترامب، كل ذلك يمكن مناقشته بتلك الأشهر السلمية، فبقيت الصور والتحليلات قائمة على مجموعة هتافات وشعارات فارغة، والسخرية الساذجة من الأسد ومجتمعه، صارت أشبه بالنكتة القديمة، وانتظار الصحف الأجنبية لنشر موضوع عن سورية. وكأن تلك الصحف هي التي تملك مراسلين على الأرض السورية وليس الإعلام السوري المعارض.
فيديو لرجل يشكو أن شخصاً اغتصب ابنته ودفع رشوة فخرج من السجن، سيطر على كل صفحات المعارضة الإعلامية، وبغض النظر عن مصداقية خبر كهذا، وعن الاستسهال بتناوله دون محاولة التثبت، يبدو فيديو كهذا وكأنه منفصل عن الواقع، ماذا نريد من نشره؟ هل إثبات الفساد؟ هل القول إن ثمة اغتصابا في مناطق النظام؟ هل هو مجرد جمع مشاهدات ولايكات؟ هل إثبات أننا ضد الأسد؟ لا يمكن أن نجيب بعقلانية عن هذ السؤال، فالإصرار على ممارسة الإعلام كما مارسناه عامي 2011 و2012 يضعنا في قفص الاتهام. الاتهام بعدم احترام القارئ أو المشاهد. الاتهام بتسخيف المعاناة، الاتهام بالانفصال عن الواقع، وهي ذات الاتهامات التي وجهناها للأسد ونظامه في بداية الثورة.
المرصد السوري أعلن أن أكثر من 50 ألف شاب سوري تم تجنيدهم في الأشهر الخمسة الماضية للقتال ضمن قوات الأسد، وأن 30 ألفاً منهم من درعا والقنيطرة. ألا يستحق هذا الخبر الوقوف طويلاً أمامه؟ ألم تكن درعا إلى وقت قريب قلعة الصمود والتصدي؟ ألا يتوجب علينا أن ندرس ونجيب عن السؤال الحائر "كيف تحمل سلاحك إلى جانب الأسد بعد كل تلك الجرائم، وبالأمس كنت تحمله ضده"؟
ما زلنا لا نجرؤ أن نقول إننا هزمنا، وأن نعترف بأننا نأخذ دور الأعور في الإعلام، وأن علينا الاستيقاظ، وأن نفتح أعيننا لإيصال حقيقة ما حدث ونجيب عن أسئلتنا وأسئلة السوريين الحائرة.
شارع المعارضة لم يعد معنياً بالتشكيلات السياسية، ولا حتى بالتشكيلات العسكرية، وإنما بات يرى هؤلاء مجموعة من الفشلة والمرتزقة، لأنهم خذلوا الناس على جميع الأصعدة وانتهى الأمر، فلماذا بقي الإعلام متخشباً، ومن هو جمهوره الحقيقي؟
إن أردنا الاستمرار بالكذب على أنفسنا فسنقول إن الجمهور هو الشارع المعارض، والشارع المؤيد لا يهمنا، ولكن إن أردنا أن نصدق أنفسنا النصيحة، علينا أن نقول إننا منفصلون عن الواقع، بعيدون عن الإعلام، وإننا نستسهل مهمة الصحافة حتى بتنا أقرب للناشطين منه للصحافيين، وإننا بدأنا بتطبيق جملة مالكوم إكس بحذافيرها.
الإعلام الذي كان يسمى "ثورياً" سابقاً، والذي بات يسمى "معارضاً" اليوم، هو أول من تناسى الإنسان السوري، الذي يأكل ويشرب وينام ويتزوج ويحلم أن يربي أطفاله. وانتقل إلى جانب البحث عن صاروخ هنا ومعركة صغيرة هناك، وترك 80 في المائة من سورية تحت سيطرة الأسد واقعياً وإعلامياً، وكأن السوريين هناك جميعهم قتلة ومتوحشون، رغم أن الجميع يعرف أن السوري اليوم يريد أن يعيش، ووجوده في مناطق النظام لا يعني أنه مؤيد له.
اتجه الإعلام السوري إلى المبالغة واصطياد أي فيديو منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى يتلقفه العشرات من الصحافيين. ولا يدري السوريون العاديون ما الهدف من تلقفها، هل هو إثبات الفساد ضمن مؤسسات حكومة النظام السوري الذي يعرفه السوريون منذ ما يزيد عن أربعين عاماً، أم إثبات أن الأسد مجرم حرب، وهل إثبات أن الأسد مجرم يكون بجزء صغير من منظومة فساد متكاملة.
يبدو الإعلام المعارض وكأنه لا يهتم بالجمهور، يتعامل معه على أنه ساذج ولا يفكر أبعد من أنفه، وبدل أن يجيب عن أسئلة هذا الجمهور كسبب التهاوي العسكري وخسارة المناطق، وسبب بقاء جسد للهيئات المعارضة الفاسدة والمشلولة، أو ربما سبب هزيمة جيش الإسلام المدوية في الغوطة وإعادة تجميع صفوفه في الشمال، نقل الخبر باحتفالية لا أحد يعرف سببها. وأكثر من ذلك، لم يجرؤ الإعلام على الغوص ولو قليلاً بحقيقة الحياة في مناطق المعارضة، ولماذا فضلت النسبة الكبرى من مناطق المصالحات الاتجاه لمناطق النظام بدلاً من إدلب، هو إذاً يتحايل ويلف ويدور على الفكرة، ولكنه يرفض الغوص فيها.
لم نكتشف حتى اليوم أن إعلام 2011 صار شيئاً من الماضي، وعلينا أن نتطور ونتغير مع تطور المرحلة التي نعيشها، وأن 2011 كانت مليئة بالسخرية والتهكم من رأس النظام لأنه كان من الضروري جداً تكسير هذا الصنم الذي حاول زرع صورته في رأس السوريين على أنه أقرب للآلهة الممنوع التطاول عليها، وأن كشف إجرام الأسد حصل فعلاً وظهر للعالم كله إجرامه. واليوم بعد 8 سنوات، علينا أن نقف وننظر إلى ما يرتكبه الإعلام من تضخيم للانتصارات وتضخيم للهزائم في اليوم التالي.
لا تزال الشاشات والمواقع تعيش داخل سجن اسمه "6 أشهر السلمية"، وكأن تعقيدات المجاهدين الدوليين والقاعدة وحزب الله وإيران وروسيا ودونالد ترامب، كل ذلك يمكن مناقشته بتلك الأشهر السلمية، فبقيت الصور والتحليلات قائمة على مجموعة هتافات وشعارات فارغة، والسخرية الساذجة من الأسد ومجتمعه، صارت أشبه بالنكتة القديمة، وانتظار الصحف الأجنبية لنشر موضوع عن سورية. وكأن تلك الصحف هي التي تملك مراسلين على الأرض السورية وليس الإعلام السوري المعارض.
فيديو لرجل يشكو أن شخصاً اغتصب ابنته ودفع رشوة فخرج من السجن، سيطر على كل صفحات المعارضة الإعلامية، وبغض النظر عن مصداقية خبر كهذا، وعن الاستسهال بتناوله دون محاولة التثبت، يبدو فيديو كهذا وكأنه منفصل عن الواقع، ماذا نريد من نشره؟ هل إثبات الفساد؟ هل القول إن ثمة اغتصابا في مناطق النظام؟ هل هو مجرد جمع مشاهدات ولايكات؟ هل إثبات أننا ضد الأسد؟ لا يمكن أن نجيب بعقلانية عن هذ السؤال، فالإصرار على ممارسة الإعلام كما مارسناه عامي 2011 و2012 يضعنا في قفص الاتهام. الاتهام بعدم احترام القارئ أو المشاهد. الاتهام بتسخيف المعاناة، الاتهام بالانفصال عن الواقع، وهي ذات الاتهامات التي وجهناها للأسد ونظامه في بداية الثورة.
المرصد السوري أعلن أن أكثر من 50 ألف شاب سوري تم تجنيدهم في الأشهر الخمسة الماضية للقتال ضمن قوات الأسد، وأن 30 ألفاً منهم من درعا والقنيطرة. ألا يستحق هذا الخبر الوقوف طويلاً أمامه؟ ألم تكن درعا إلى وقت قريب قلعة الصمود والتصدي؟ ألا يتوجب علينا أن ندرس ونجيب عن السؤال الحائر "كيف تحمل سلاحك إلى جانب الأسد بعد كل تلك الجرائم، وبالأمس كنت تحمله ضده"؟
ما زلنا لا نجرؤ أن نقول إننا هزمنا، وأن نعترف بأننا نأخذ دور الأعور في الإعلام، وأن علينا الاستيقاظ، وأن نفتح أعيننا لإيصال حقيقة ما حدث ونجيب عن أسئلتنا وأسئلة السوريين الحائرة.
شارع المعارضة لم يعد معنياً بالتشكيلات السياسية، ولا حتى بالتشكيلات العسكرية، وإنما بات يرى هؤلاء مجموعة من الفشلة والمرتزقة، لأنهم خذلوا الناس على جميع الأصعدة وانتهى الأمر، فلماذا بقي الإعلام متخشباً، ومن هو جمهوره الحقيقي؟
إن أردنا الاستمرار بالكذب على أنفسنا فسنقول إن الجمهور هو الشارع المعارض، والشارع المؤيد لا يهمنا، ولكن إن أردنا أن نصدق أنفسنا النصيحة، علينا أن نقول إننا منفصلون عن الواقع، بعيدون عن الإعلام، وإننا نستسهل مهمة الصحافة حتى بتنا أقرب للناشطين منه للصحافيين، وإننا بدأنا بتطبيق جملة مالكوم إكس بحذافيرها.