لم يعد للتكهن من مكان، فقد عبّدت روسيا طريق إعادة إعمار سورية باتفاقات نافت ملياري دولار، لتستأثر بحصة الشريك الأكبر للأسد، وتسترد ما دفعته ثمن سلاح وتمويل بقاء الابن على كرسي وراثة أبيه، تاركة للصين وإيران نصيبهما من كعكة خراب سورية.
بيد أن المنطق الاقتصادي والواقع التمويلي يفرضان، توزيع الحصص، وإن ليس بالتساوي، على الشركات العالمية، من أوروبا وصولاً للدول العربية التي ناصرت الأسد، إن بدعمها السياسي أو المالي، أو حتى بصمتها على قتل السوريين وتغيير معالم سورية ديموغرافياً.
لذا، استضافت العاصمة اللبنانية، أول من أمس الجمعة، مؤتمرا صحافيا حول "إعادة إعمار سورية"، ليتم اقتسام الخراب، في دولة شقيقة منفتحة وبشدة على الجميع.
ولئلا يذهب القارئ بمخيلته بعيداً، جاء المؤتمر برعاية مباركة من وزير الصناعة اللبناني -عن كتلة حزب الله- حسين الحاج حسن، فأبدى كل حرصه الأخوي على سورية وإعادة إعمارها ووحدتها، مع بعض تخوفات تكاد لا تذكر، من قبيل تحديات استمرار الحرب وصعوبة تأمين التمويل.
وطبعاً، لم يفت الوزير الممثل لحزب الله، أن يدعو الدول العربية إلى وقف الحرب وتقديم الدعم المالي للمسلحين، على اعتبار أن جيوشها تدخلت منذ مطلع الثورة وقتلت الثوار بحجة حماية المزارات الشيعية في دمشق وحمص والقصير... وحتى حلب.
وكي لا يأخذني كلام الوزير إلى غير ملعبي الاقتصادي، ربما يكفيني القول، وكما أمثال أهل الشام، "اللي استحوا ماتوا".
قصارى القول: ثمة تساؤلات حول اختيار بيروت ليُعلن منها عن موعد معرض إعادة الإعمار في سبتمبر/أيلول المقبل؟ ولماذا رعاية حزب الله؟ وكيف لإعادة الإعمار أن تبدأ، بواقع استمرار الخراب؟
في محاولات السعي إلى إجابات على هذه الأسئلة المعلقة، ربما يمكن الاستخلاص المبني على مصادر، أن ثمة شركات أوروبية أبدت استعدادها للمشاركة في إعادة إعمار سورية، بل وبدأت بتمويل الزراعة، والتلميح إلى قروض ميسرة. لكن السياسة ومواقف بلدانها من الأسد، تحول دون المشاركة العلنية، وكذا لجهة بعض الشركات العربية، وحتى الأميركية، ما جعل بيروت هي المنطلق، ليس عبر مؤتمر صحافي فحسب، بل ومن خلال البدء بتأسيس شركات متخصصة، شكلها سوري ولبناني، وحقيقتها عالمية وعابرة للقيم والإنسانية والقارات.
وربما ما يثير الحفيظة أكثر من طرح الوزير اللبناني، ما قاله مدير الشركة المنظمة للمعرض "المعرض مفتوح للجميع، باستثناء إسرائيل والدول التي شاركت في تمويل الإرهاب"، ما يعني إيثار جوقة الأسد، العزف على وتر الممانعة والمقاومة، حتى أثناء توزيع حقوق ودم ومصير السوريين.
نهاية القول: يُحضّر منذ أشهر لما تم إعلانه أمس في بيروت، إذ أفصح رئيس النظام السوري عن حصص شركائه بالحرب في غير حديث ومقابلة، وأتبع رئيس حكومة نظامه تفصيلاً عن توزيع القطاعات على داعمي بقاء الأسد، وكشف معاون مدير هيئة الاستثمار في دمشق قبل أيام، عن الاتفاقات وحجمها، التي تمت مع روسيا والصين وإيران. ليبقى السؤال: أيمرر العالم المتحضر رشى إعادة الإعمار ويقبل بنسبة في مكاسب اقتصادية لبلد نافت خسائره 250 مليار دولار، ليسكت عن بقاء رئيس هدم وقتل وهجّر، ولم يزل، ليسجل الاقتصاد تاريخ تعاط جديد، كما سجلت السياسة والمنظمات الحقوقية والإنسانية، منذ ثورة السوريين عام 2011 حتى مقتل حلب اليوم.