وفجّر غياب الجريدة التي أكملت عامها الأربعين، كأقدم الصحف الكويتية، لليوم الثاني على التوالي غضب الإعلاميين والمراقبين... وطالب محامي الصحيفة راشد الردعان بإلغاء قرار الإلغاء الصادر تجاه "دار الوطن". لكن المحكمة قررت استمرار إغلاق الصحيفة لحين النظر في القضية مجدداً.
وأكد الردعان أن"قرار إلغاء الترخيص لا يستند إطلاقاً إلى أي قانون، مضيفاً أن أقصى عقوبة يمكن أن تتخذها وزارة التجارة هي أن تحيل شركة دار الوطن للطباعة والنشر إلى النيابة العامة، إلا انها تجاوزت كل القوانين واتجهت لسحب الترخيص".
وكان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التجارة والصناعة عبد المحسن المدعج قد أصدر قراراً إدارياً بإلغاء الترخيص التجاري لشركة دار الوطن للطباعة والنشر، وهو القرار الذي أعتبره رئيس تحرير الصحيفة الشيخ خليفة علي الخليفة الصباح قرارا سياسيا بامتياز رداً على مواقف "الوطن" السياسية ولا يستند لأي قوانين.
وأضاف "الحكومة لجأت إلى أساليب ملتوية لسحب ترخيص شركة دار الوطن بعد أن عجزوا عن إيجاد ثغرة في قانون المرئي والمسموع". وتابع خلال حديثه لتلفزيون الوطن "القانون لم يعط وزارة التجارة هذه الصلاحية"، مؤكداً أنه كان هناك نية مبيتة داخل وزارة التجارة لإغلاق جريدة الوطن منذ مدة"، مشدداً على أن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم يبحث منذ ثلاثة أشهر عن طريقة لإيقاف جريدة الوطن، وقال:"ما حدث يعني أن مرزوق أعلن وفاته السياسية والمتبقي إصدار شهادة الوفاة"، وتابع :"قسماً بالله إن إغلاق الوطن سيكون مسماراً في نعش العصابة المسيطرة".
في الوقت الذي تتلقى فيه تهانئ ذكرى تأسيسها الـ"41" .. إغلاق جريدة الوطن الكويتية والغاء ترخيصها التجاري .. #الكويت pic.twitter.com/ZufnrEQl1P
— جابر الحرمي (@jaberalharmi) January 19, 2015
من جهته، دافع وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الكويتي محمد العبدالله الصباح عن قرار إغلاق الصحيفة، مشدداً على أنه لم يكن بدوافع سياسية إطلاقًا بل"اتُّخذ وفق الإجراءات المناسبة"، وأضاف متحدثا لمجلس الأمة الكويتي "القرار الصادر في شأن الشركة صدر بعد دراسة وافية، واتخذ الإجراء اللازم اتخاذه وفق البيانات الواردة".
وشدد على أن وزارة التجارة الكويتية اتخذت قرار إلغاء تصريح الجريدة ومنعها من الصدور بعد أن خالفت شروط الحد الأدنى لرأس المال وينص القانون الكويتي على إلغاء التراخيص التجارية للشركات التي تسجل خسائر أكبر من 75% من رأس مالها.
ويعتبر محللون أن صحيفة الوطن أصبحت النافذة الوحيدة للمعارضة وبشكل تصعيدي غير مسبوق تجاه مجلس الأمة والحكومة منذ تقديم الشيخ أحمد الفهد ما يعرف بـ(بلاغ الكويت) للنيابة العامة، والذي يتهم فيه رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد ورئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي بالتآمر على الكويت. وكانت الصحيفة في سنواتها الأولى تدعم توجهات الحكومة إلا أنها في السنوات الأخيرة تبنت خطاً تحريرياً جديداً ينتقد أداءها.
وصمة عار
وطالب أمين سر جمعية الصحافيين الكويتية فيصل القناعي الحكومة بسرعة إصدار قرار بعودة صدور الوطن وتصحيح الوضع دون انتظار المحاكم، مؤكداً أن:"إغلاق صحيفة يفتخر الجميع بتاريخها مثل الوطن كارثة". وقال القناعي لـ"العربي الجديد" إن "تصرف وزير التجارة يستفز الشارع والمؤسسات الإعلامية"، مشدداً على أنه "من المحزن أن يتم التعامل معها بأسلوب مهين"، مبيناً في الوقت نفسه أن وضع ملصق وزارة التجارة على مبنى الوطن سيظل محفوراً في تاريخ العمل الصحافي.
وأضاف القناعي"القرار وصمة عار في جبين الإعلام الكويتي فهو قرار سياسي وليس قراراً تجارياَ"، وتابع "للأسف القاضي مدّد النظر في طلب الصحيفة إعادة النظر في القرار لعشرة أيام، كنا نأمل أن تستمر الصحيفة في الصدور لحين النظر في الخلاف التجاري ولكن هذا لم يحدث وهو قرار مؤسف وكارثة لحريات الإعلام في الكويت".
وشدد القناعي على أن "قرار الوزير متسرع ومقصود لإيقاع الضرر بجريدة الوطن، كان يمكن أن يمنحهم فرصة لتصحيح الوضع لو كان هناك خطأ في الإجراءات التجارية". وتابع :"ما حدث بحق جريدة مثل الوطن كارثي ومرفوض من قبل الجميع، ومن الظلم أن تشوه سمعة جريدة لها أكثر من 40 سنة تصدر". وأضاف"القضية لم تكن جديدة وسبق أن نشرت منذ أكثر من سنة في الصحيفة الرسمية عن طريق وزير التجارة ولكن الوزارة لم تتحرك إلا الآن للإضرار بالصحيفة العريقة".
قرار سياسي
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي داهم القحطاني على أن القرار ليس تجارياً، ويشدد على أن القضاء الكويتي هو من سيحسم الخلاف في هذا الجانب. وقال لـ "العربي الجديد" :"أميل للاعتقاد بأن القرار سياسي". وأضاف "جريدة الوطن إذا كان لها حق فسينصفها القضاء، القانون سيثبت هل من حق الحكومة إغلاق الصحيفة أم لا؟ فلكل طرف وجهة نظر معقولة".
ويؤكد القحطاني أن "ملاك الوطن كانوا حلفاء للحكومة حتى وقت قريب، نحن لا نتحدث عن حزب سياسي أو صحيفة لها مواقف مختلفة، ولكن عندما اختلفت مصالحهم مع الحكومة بدأوا يعانون". ويضيف "نحن لا نتحدث عن إغلاق للحريات بشكل مطلق، فنهج الوطن يصب في مصالح ملاكها وليست القضية أنها تدافع عن مبدأ بصورة عامة ولا تدعم تياراً إصلاحياً".
ويشدد القحطاني على أن الأمر يتعلق بسياسات وتوجهات الوطن، ويضيف:"المتعارف عليه في دول الخليج أن القانون يكون موجوداً ولكن تطبيقه يخضع للظروف، في حالات وجدنا الحكومة تغض النظر عن عدم وجود مدير لقناة سكوب الفضائية، وهذا أمر يفقدها تصريحها ولكن الحكومة لم تتحرك ومنحتها الفرصة". ويتابع:"مثل هذه القرارات تتعلق بالإدارة، فلو صحّ قرار إغلاق الوطن لكان من المفترض أن تعطى فرصة لتصحيح وضعها، ولكن القرار صدر بالإغلاق".
ويتساءل القحطاني: "هل القرار مشروع أو لا"؟ ويضيف بتفصيل أكبر: "هو يعتمد على رؤية الشخص فهناك من يرى أن الحكومة سياسية ومن حقها أن تتخذ قرارات سياسية، وطالما وجد القانون فمن حقها أن تطبقه حتى تدعم وجودها وسياساتها، ولكن هناك من يرى أن الحكومة تمثل المصلحة العامة ويجب أن تراعي كل الظروف".
ويشدد المحلل المتابع للشأن الإعلامي الكويتي بدقة على أن القرار لا يتعلق بشركة تجارية بل بصحيفة إعلامية، "هي ليست شركة ملابس أو تغذية، فرأس مال الصحيفة ليس مجرد موجودات بل من بيع الصحف وحتى لو خسرت رأس مالها، وإغلاقها سيضيّع كل حقوق المساهمين للأبد".