30 أكتوبر 2024
إلا إلغاء الكولونيالية...
أرجعت تقارير صحافية إسرائيلية متطابقة عملية مصادقة مركز حزب الليكود الحاكم بالإجماع، الأسبوع الجاري، على فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، إلى النشاط المثابر الذي تقوم به حركة "نساء بالأخضر" التي تتزعمها المستوطنة يهوديت كتسوبر من كريات أربع في الخليل، والتي كانت ضمن النواة الأولى التي أقامت "الحي اليهودي" في هذه المدينة.
وتكرّر كتسوبر أن "هذه الأرض (فلسطين) لنا منذ الأزل وإلى الأبد". وتزعم أن "كل ما نصبو إليه هو العيش مع الفلسطينيين بسلام، من دون إرهاب، لكن ينبغي عليهم تقبّل السيادة اليهودية على أرض إسرائيل". وبدأت كتسوبر بترويج فكرة السيادة الإسرائيلية في أثر إخلاء المستوطنات الإسرائيلية من قطاع غزة عام 2005. وتوضّح: "قلنا إن من غير الممكن أن يجري طرد اليهود بعد الآن، وإن علينا الشروع في خوض نضال آخر. أيقنّا بأنه حتى لو أنقذنا قطعة أخرى من الأرض، ثم قطعة أخرى، فليس في هذا ما يحقق الهدف المرجو ـ إنقاذ أرض إسرائيل. توصلنا إلى قناعة بضرورة تغيير التوجه والاتجاه. جلسنا أنا ومجموعة أخرى وقررنا عقد مؤتمر حول السيادة في الخليل عام 2011. وساد فيه الاتفاق على أنه يتوجب أولًا تغيير نظرة جمهورنا وتغيير أسلوب دونم في إثر دونم، وجعله كفاحًا لتغيير الوعي".
وضمن سياق التعقيب على قرار مركز الليكود المذكور، قالت مصادر فلسطينية إنه يقضي على بقايا مسيرة السلام التي بدأت بعملية أوسلو. وفي مجرّد هذا التعقيب ما يعيدنا إلى التساؤل الذي ما انفك يُطرح عمّا إذا كان من الجائز وصف "أوسلو" بأنه سيرورة سلام؟ لمحاولة الإجابة، نعيد التذكير بالتوصيف الذي أطلقه عالم الاجتماع الإسرائيلي، ليف غرينبرغ، على هذا السلام وهو "سلام مُتخيّل"، وحمل عنوان كتابه الذي نشره قبل أعوام، وصدر بترجمة عربية.
ينوّه غرينبرغ في الكتاب إلى أنّ المفاوضات في أوسلو أبقت المسائل الجوهرية الواقفة في صلب الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على غرار الحدود واللاجئين والقدس مفتوحة. وأتاح إبقاء هذه المسائل مفتوحةً لكل طرف إمكان أن يتخيّل السلام وفق ما يريده. وفي عرفه ربما كمنت في ذلك قوة كبيرة لاتفاقية أوسلو، لكن كمنت فيها أيضًا نقطة ضعفه الرئيسية، إذ تعدّ القدرة على التخيّل شرطًا ضروريًّا من أجل إحداث التغيير السياسيّ، غير أنها غير كافية من أجل تحقيقه.
وثمّة نقطة انطلاق أساسية أخرى لدى غرينبرغ، مؤداها الاعتقاد بأنّ عملية أوسلو لم تتوفر على احتمالاتٍ كبيرة للنجاح، لسببين رئيسيين: القوة الإسرائيلية الفائضة، وطمس الحدود المادية المجرّدة بين كيان دولة الاحتلال القائمة والكيان الفلسطيني الذي يُفترض أن يقوم. وهو طمس تبيّن لاحقًا أن ما أريد منه هو إعادة ترسيم هذه الحدود، من طريق إجراءات إسرائيلية أحادية الجانب، مفرطة في عنفها مثل الجدار العنصري، والانفصال، والاستيطان وما إلى ذلك.
على أن أهم ما يقول به هذا الكاتب أنه إذا كانت عملية أوسلو عنت، في تحليله، إشارة البداية إلى ما يسميه "إجراء دمقرطة" كل موضوع التعامل مع مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد انتفى بعد ذلك الإجراء، لزوم اندماجه مع إجراءٍ آخر، هو إلغاء الكولونيالية، ولو أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تحقيق علاقات سلام بين دولتين، إسرائيل وفلسطين. وكانت الدمقرطة بدأت بمجرّد قيام المفاوضات، والموافقة على حلّ القضايا بالطرق السلمية وبالاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وفتح الحيّز السياسي الإسرائيلي للمطالب الفلسطينية، لكنّ إلغاء الكولونيالية لم يبدأ قطّ، بل إنّ السيطرة الإسرائيلية أحادية الجانب على الفلسطينيين تعزّزت وتوثقت بمساعدة اتفاقيات أوسلو، كما أن تنفيذ عملية الفصل التي وعد إسحاق رابين الناخبين بها، لم يبدأ أبدًا. وزاد على ذلك كله أيضًا أن الدمقرطة نفسها لم تشتمل على تحييدٍ سياسيّ للقوى المُرشّحة لأن تقوم بتخريبها.
وتكرّر كتسوبر أن "هذه الأرض (فلسطين) لنا منذ الأزل وإلى الأبد". وتزعم أن "كل ما نصبو إليه هو العيش مع الفلسطينيين بسلام، من دون إرهاب، لكن ينبغي عليهم تقبّل السيادة اليهودية على أرض إسرائيل". وبدأت كتسوبر بترويج فكرة السيادة الإسرائيلية في أثر إخلاء المستوطنات الإسرائيلية من قطاع غزة عام 2005. وتوضّح: "قلنا إن من غير الممكن أن يجري طرد اليهود بعد الآن، وإن علينا الشروع في خوض نضال آخر. أيقنّا بأنه حتى لو أنقذنا قطعة أخرى من الأرض، ثم قطعة أخرى، فليس في هذا ما يحقق الهدف المرجو ـ إنقاذ أرض إسرائيل. توصلنا إلى قناعة بضرورة تغيير التوجه والاتجاه. جلسنا أنا ومجموعة أخرى وقررنا عقد مؤتمر حول السيادة في الخليل عام 2011. وساد فيه الاتفاق على أنه يتوجب أولًا تغيير نظرة جمهورنا وتغيير أسلوب دونم في إثر دونم، وجعله كفاحًا لتغيير الوعي".
وضمن سياق التعقيب على قرار مركز الليكود المذكور، قالت مصادر فلسطينية إنه يقضي على بقايا مسيرة السلام التي بدأت بعملية أوسلو. وفي مجرّد هذا التعقيب ما يعيدنا إلى التساؤل الذي ما انفك يُطرح عمّا إذا كان من الجائز وصف "أوسلو" بأنه سيرورة سلام؟ لمحاولة الإجابة، نعيد التذكير بالتوصيف الذي أطلقه عالم الاجتماع الإسرائيلي، ليف غرينبرغ، على هذا السلام وهو "سلام مُتخيّل"، وحمل عنوان كتابه الذي نشره قبل أعوام، وصدر بترجمة عربية.
ينوّه غرينبرغ في الكتاب إلى أنّ المفاوضات في أوسلو أبقت المسائل الجوهرية الواقفة في صلب الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على غرار الحدود واللاجئين والقدس مفتوحة. وأتاح إبقاء هذه المسائل مفتوحةً لكل طرف إمكان أن يتخيّل السلام وفق ما يريده. وفي عرفه ربما كمنت في ذلك قوة كبيرة لاتفاقية أوسلو، لكن كمنت فيها أيضًا نقطة ضعفه الرئيسية، إذ تعدّ القدرة على التخيّل شرطًا ضروريًّا من أجل إحداث التغيير السياسيّ، غير أنها غير كافية من أجل تحقيقه.
وثمّة نقطة انطلاق أساسية أخرى لدى غرينبرغ، مؤداها الاعتقاد بأنّ عملية أوسلو لم تتوفر على احتمالاتٍ كبيرة للنجاح، لسببين رئيسيين: القوة الإسرائيلية الفائضة، وطمس الحدود المادية المجرّدة بين كيان دولة الاحتلال القائمة والكيان الفلسطيني الذي يُفترض أن يقوم. وهو طمس تبيّن لاحقًا أن ما أريد منه هو إعادة ترسيم هذه الحدود، من طريق إجراءات إسرائيلية أحادية الجانب، مفرطة في عنفها مثل الجدار العنصري، والانفصال، والاستيطان وما إلى ذلك.
على أن أهم ما يقول به هذا الكاتب أنه إذا كانت عملية أوسلو عنت، في تحليله، إشارة البداية إلى ما يسميه "إجراء دمقرطة" كل موضوع التعامل مع مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد انتفى بعد ذلك الإجراء، لزوم اندماجه مع إجراءٍ آخر، هو إلغاء الكولونيالية، ولو أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تحقيق علاقات سلام بين دولتين، إسرائيل وفلسطين. وكانت الدمقرطة بدأت بمجرّد قيام المفاوضات، والموافقة على حلّ القضايا بالطرق السلمية وبالاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وفتح الحيّز السياسي الإسرائيلي للمطالب الفلسطينية، لكنّ إلغاء الكولونيالية لم يبدأ قطّ، بل إنّ السيطرة الإسرائيلية أحادية الجانب على الفلسطينيين تعزّزت وتوثقت بمساعدة اتفاقيات أوسلو، كما أن تنفيذ عملية الفصل التي وعد إسحاق رابين الناخبين بها، لم يبدأ أبدًا. وزاد على ذلك كله أيضًا أن الدمقرطة نفسها لم تشتمل على تحييدٍ سياسيّ للقوى المُرشّحة لأن تقوم بتخريبها.