08 أكتوبر 2024
إلى "فتح"... السيرك ليس مؤتمراً
يبدو أن حركة فتح لا تتذكّر أن القوى السياسية تعقد مؤتمراتها من أجل مناقشة قضايا أساسية، تمسّ حاضر (ومستقبل) الشعوب التي تدّعي تمثيلها، وأن تكون قضايا المؤتمر على علاقةٍ مباشرةٍ بمتطلبات المرحلة والتعامل معها، ولا تعقد المؤتمرات من أجل ذاتها!
لا علاقة لحركة فتح التي تعقد، غداً مؤتمرها السابع، بالحركة التي قادت النضال الوطني الفلسطيني في عقود مضت. يبدو أن "فتح" غادرت السياسة إلى السلطة، واكتفت بالأخيرة منذ سنوات، وأن ما يُعقد ليس مؤتمراً سياسياً، بل اجتماعا سلطوياً، وعنوانه "مكتوب على الجدار" قبل أن يُعقد. يعرف كل مبتدئ في السياسة أن للمؤتمرات السياسية جواً آخر، ونقاشاً آخر، قضايا أخرى، وحتى أشخاصاً آخرين أيضا. وبالتالي، ما تعقده "فتح"، نستطيع أن نطلق عليه تعبير "السيرك السياسي". ومفردة السيرك أكثر تعبيرا عن واقع الحال السياسي الذي تعيشه حركة فتح، وعموم الساحة السياسية الفلسطينية، من الحديث عن مؤتمر سياسي لحركة سياسية عريقة، وما ينطبق على المؤتمر الحالي ينطبق أيضاَ على المؤتمر السابق للحركة.
هل يكفي الحركة السياسية أن يكون لها تاريخ نضالي عريق، لتعيش عليه إلى الأبد؟ بالتأكيد لا. فلا يكفي أن تكون مطلق الرصاصة الأولى وقائد النضال الوطني، حتى تبقى قابعاً على أكتاف الشعب الفلسطيني إلى الأبد، حتى بعد أن أصبح ما تتغنّى به ماض بعيد. التغني لا يصلح لتجديد حياة الحركة السياسي، والذي يدلّ المؤتمر دلالة صارخةً على خوائها من أي معنىً سياسي. إنه مؤتمر من أجل التجديد لرجل تجاوز الثمانين من عمره. من هذا البعد، نستطيع أن نعرف أيّ قاعٍ وصل إليه الوضع الفلسطيني في السنوات الأخيرة.
لا أحد من المراقبين عنده وهم أن المؤتمر يُعقد من أجل مراجعة السياسة الفلسطينية الكارثية، ومناقشة وسائل وأدوات واستراتيجيات سياسية جدية للتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، وإعادة القضية الفلسطينية إلى مكانها الطبيعي، بوصفها قضية تحرّر وطني. ومن الواضح أن ما أكتبه، في هذا المقال، لغة قديمة تعود إلى السبعينيات. واليوم الوضع الفلسطيني وحركة فتح باتا في مكان آخر. إنها سخرية القدر أن يتحول الوضع الفلسطيني إلى وضع كارثي، في ظل سيطرة
السلطة الوطنية على الفلسطينيين بإشراف الاحتلال الإسرائيلي. وفي ظل انقسامٍ حاد بين جناحي الوطن، يمسك فصيل سياسي في كل جناح، ويدفع الشعب الفلسطيني وحده ثمن هذا الواقع.
إذا أردنا فعلاً أن نحدّد الوظيفة الفعلية لمؤتمر "فتح"، نستطيع القول إن وظيفته تعزيز الوحدة الداخلية للحركة المترهلة في مواجهة مخاطر من داخل الحركة نفسها، يحرّكها أحد شخوصها السابقين من بعيد، تخيف القائمين على "فتح" اليوم، لأن هذا الذي يتحدّى الرئيس يحوز دعماً من أربع دول عربية. من أجل ذلك، يجب تحصين الحركة بمؤتمر.
وحتى لا يبقى الكلام نوعاً من الأحجية، يمكن القول إن المشكلة التي تعاني منها "فتح" والرئيس الفلسطيني اليوم ليس وجود الاحتلال الإسرائيلي، وقضمه مزيداً من الأراضي الفلسطينية، ولا حتى حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، ولا مأساة الفلسطينيين السوريين الذين يعيشون الأهوال في ظل الحرب المستعرة هناك، وغيرها من التحدّيات الفلسطينية. ما يشغل السلطة ورئيسها رجل واحد يدعى محمد دحلان.
واحدة من المفارقات المبكية التي يعيشها الوضع الفلسطيني أن ينحدر الصراع في حركة فتح من صراعٍ كان، في الماضي، على قضايا سياسية مفصلية، إلى صراع شخصي بامتياز، من دون أي أبعاد سياسية، فالتحدي الداخلي الذي يتعرّض له الرئيس الفلسطيني لا يأتي من قوة سياسية أخرى، حركة حماس، أو الجبهة الشعبية، بل من رجل منفرد، لا موقف سياسي واضح له، ولا يملك وجهة نظر مختلفة في الحالة الفلسطينية المترديّة. رجل شغله الشاغل طموح وعطش شديد للرئاسة الفلسطينية بأي ثمن، مدعومة بموازنات مالية ضخمة، قادرة فوراً على احتضان أي رجلٍ يقطع الرئيس عباس راتبه، فيجد أن هناك من ينتظره على الجانب الآخر، ليحل له مشكلاته المالية، على أساس أنه الحاضنة للمختلفين مع الرئيس، وباعتبار "شراء الذمم" بات وكأنه العمل السياسي الرئيسي على الساحة الفلسطينية. لا تأتي قوة دحلان من قوته الداخلية الفلسطينية، بل من دعم عربي خارجي، ليست أسبابه فلسطينية. أي أن من يدعم دحلان لا يدعمه لأسبابٍ تتعلق بمكانه الرجل في الساحة الفلسطينية، بل يتم دعمه فلسطينياً لأسباب غير فلسطينية. وعندما ننظر إلى الخلاف اليوم بين الرئيس الفلسطيني ودحلان، لا نجد أي خلافات سياسية جوهرية، أو لها معنى، بل حتى إننا لا نعرف للرجل الذي يُخيف الرئيس الفلسطيني أي موقف سياسي واضح، سوى كلام عام في إطلالاته القليلة.
نعم، يعقد مؤتمر "فتح" الحالي من أجل تحدي رجل واحد، طامح إلى الرئاسة بأي ثمن، مدعوم من دول عربية. وهل هناك عنوان سياسي يدلّ على التردي الفظيع الذي تعيشه الساحة الفلسطينية أبلغ من هذا، للتدليل على الفراغ الذي تعيشه الساحة الفلسطينية التي جرت فيها الصراعات على السلطة من شكلٍ ولون، وهي سلطة لا تزال محكومةً بسقف الاحتلال الإسرائيلي.
عندما ينحدر الصراع إلى هذا المستوى المتردّي، البحث عن الموقع الشخصي فقط، فلا شك في أن الضحية الأولى ستكون السياسة الوطنية والقضية الوطنية التي سريعا ما تخرج من المعادلة ومن الصراع. لذلك، على "فتح" أن تعرف إذا كانت هي لا تميز بين "السيرك السياسي" والمؤتمر السياسي. فإن الآخرين خارجها، وأنا منهم، ليسوا معجبين بالعرض البشع للسيرك الفلسطيني، حتى قبل أن يبدأ.
من المؤسف كتابة هذه الكلمات بشأن مؤتمر حركة فتح، بدلا من مناقشةٍ جديةٍ لهواجس الفلسطينيين السياسية في اللحظة الراهنة، كان على المؤتمر أن يخوض في عمقها.
لا علاقة لحركة فتح التي تعقد، غداً مؤتمرها السابع، بالحركة التي قادت النضال الوطني الفلسطيني في عقود مضت. يبدو أن "فتح" غادرت السياسة إلى السلطة، واكتفت بالأخيرة منذ سنوات، وأن ما يُعقد ليس مؤتمراً سياسياً، بل اجتماعا سلطوياً، وعنوانه "مكتوب على الجدار" قبل أن يُعقد. يعرف كل مبتدئ في السياسة أن للمؤتمرات السياسية جواً آخر، ونقاشاً آخر، قضايا أخرى، وحتى أشخاصاً آخرين أيضا. وبالتالي، ما تعقده "فتح"، نستطيع أن نطلق عليه تعبير "السيرك السياسي". ومفردة السيرك أكثر تعبيرا عن واقع الحال السياسي الذي تعيشه حركة فتح، وعموم الساحة السياسية الفلسطينية، من الحديث عن مؤتمر سياسي لحركة سياسية عريقة، وما ينطبق على المؤتمر الحالي ينطبق أيضاَ على المؤتمر السابق للحركة.
هل يكفي الحركة السياسية أن يكون لها تاريخ نضالي عريق، لتعيش عليه إلى الأبد؟ بالتأكيد لا. فلا يكفي أن تكون مطلق الرصاصة الأولى وقائد النضال الوطني، حتى تبقى قابعاً على أكتاف الشعب الفلسطيني إلى الأبد، حتى بعد أن أصبح ما تتغنّى به ماض بعيد. التغني لا يصلح لتجديد حياة الحركة السياسي، والذي يدلّ المؤتمر دلالة صارخةً على خوائها من أي معنىً سياسي. إنه مؤتمر من أجل التجديد لرجل تجاوز الثمانين من عمره. من هذا البعد، نستطيع أن نعرف أيّ قاعٍ وصل إليه الوضع الفلسطيني في السنوات الأخيرة.
لا أحد من المراقبين عنده وهم أن المؤتمر يُعقد من أجل مراجعة السياسة الفلسطينية الكارثية، ومناقشة وسائل وأدوات واستراتيجيات سياسية جدية للتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، وإعادة القضية الفلسطينية إلى مكانها الطبيعي، بوصفها قضية تحرّر وطني. ومن الواضح أن ما أكتبه، في هذا المقال، لغة قديمة تعود إلى السبعينيات. واليوم الوضع الفلسطيني وحركة فتح باتا في مكان آخر. إنها سخرية القدر أن يتحول الوضع الفلسطيني إلى وضع كارثي، في ظل سيطرة
إذا أردنا فعلاً أن نحدّد الوظيفة الفعلية لمؤتمر "فتح"، نستطيع القول إن وظيفته تعزيز الوحدة الداخلية للحركة المترهلة في مواجهة مخاطر من داخل الحركة نفسها، يحرّكها أحد شخوصها السابقين من بعيد، تخيف القائمين على "فتح" اليوم، لأن هذا الذي يتحدّى الرئيس يحوز دعماً من أربع دول عربية. من أجل ذلك، يجب تحصين الحركة بمؤتمر.
وحتى لا يبقى الكلام نوعاً من الأحجية، يمكن القول إن المشكلة التي تعاني منها "فتح" والرئيس الفلسطيني اليوم ليس وجود الاحتلال الإسرائيلي، وقضمه مزيداً من الأراضي الفلسطينية، ولا حتى حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، ولا مأساة الفلسطينيين السوريين الذين يعيشون الأهوال في ظل الحرب المستعرة هناك، وغيرها من التحدّيات الفلسطينية. ما يشغل السلطة ورئيسها رجل واحد يدعى محمد دحلان.
واحدة من المفارقات المبكية التي يعيشها الوضع الفلسطيني أن ينحدر الصراع في حركة فتح من صراعٍ كان، في الماضي، على قضايا سياسية مفصلية، إلى صراع شخصي بامتياز، من دون أي أبعاد سياسية، فالتحدي الداخلي الذي يتعرّض له الرئيس الفلسطيني لا يأتي من قوة سياسية أخرى، حركة حماس، أو الجبهة الشعبية، بل من رجل منفرد، لا موقف سياسي واضح له، ولا يملك وجهة نظر مختلفة في الحالة الفلسطينية المترديّة. رجل شغله الشاغل طموح وعطش شديد للرئاسة الفلسطينية بأي ثمن، مدعومة بموازنات مالية ضخمة، قادرة فوراً على احتضان أي رجلٍ يقطع الرئيس عباس راتبه، فيجد أن هناك من ينتظره على الجانب الآخر، ليحل له مشكلاته المالية، على أساس أنه الحاضنة للمختلفين مع الرئيس، وباعتبار "شراء الذمم" بات وكأنه العمل السياسي الرئيسي على الساحة الفلسطينية. لا تأتي قوة دحلان من قوته الداخلية الفلسطينية، بل من دعم عربي خارجي، ليست أسبابه فلسطينية. أي أن من يدعم دحلان لا يدعمه لأسبابٍ تتعلق بمكانه الرجل في الساحة الفلسطينية، بل يتم دعمه فلسطينياً لأسباب غير فلسطينية. وعندما ننظر إلى الخلاف اليوم بين الرئيس الفلسطيني ودحلان، لا نجد أي خلافات سياسية جوهرية، أو لها معنى، بل حتى إننا لا نعرف للرجل الذي يُخيف الرئيس الفلسطيني أي موقف سياسي واضح، سوى كلام عام في إطلالاته القليلة.
نعم، يعقد مؤتمر "فتح" الحالي من أجل تحدي رجل واحد، طامح إلى الرئاسة بأي ثمن، مدعوم من دول عربية. وهل هناك عنوان سياسي يدلّ على التردي الفظيع الذي تعيشه الساحة الفلسطينية أبلغ من هذا، للتدليل على الفراغ الذي تعيشه الساحة الفلسطينية التي جرت فيها الصراعات على السلطة من شكلٍ ولون، وهي سلطة لا تزال محكومةً بسقف الاحتلال الإسرائيلي.
عندما ينحدر الصراع إلى هذا المستوى المتردّي، البحث عن الموقع الشخصي فقط، فلا شك في أن الضحية الأولى ستكون السياسة الوطنية والقضية الوطنية التي سريعا ما تخرج من المعادلة ومن الصراع. لذلك، على "فتح" أن تعرف إذا كانت هي لا تميز بين "السيرك السياسي" والمؤتمر السياسي. فإن الآخرين خارجها، وأنا منهم، ليسوا معجبين بالعرض البشع للسيرك الفلسطيني، حتى قبل أن يبدأ.
من المؤسف كتابة هذه الكلمات بشأن مؤتمر حركة فتح، بدلا من مناقشةٍ جديةٍ لهواجس الفلسطينيين السياسية في اللحظة الراهنة، كان على المؤتمر أن يخوض في عمقها.