يجهز ملايين الأطفال حول العالم حالياً للاحتفال بأعياد الميلاد واستقبال العام الجديد، يحلمون بحضور "بابا نويل"، ويمنون أنفسهم بترتيب عائلاتهم الرحلات أو الاحتفالات أو جلب الهدايا لهم. أحلام الأطفال عادة كبيرة وهمومهم أقل من الكبار الذين ينشغلون بالتفاصيل.
الأوضاع في كثير من دول العالم العربي على عكس كل ما سبق، فملايين الأطفال العرب لا يدركون قرب حلول العام الجديد أو أعياد الميلاد، ومئات الآلاف منهم مشرّدون أو مصابون أو مقتولون، في حين أن وسائل الحياة الأولية من طعام وملبس ومأوى غير متوفرة لكثيرين، والحديث عن أي من أنواع الرفاهية قد يعد ضرباً من الجنون. ربما لا يملك بعضهم حتى ترف الأحلام.
هل أذنب أطفالنا حتى يعيشوا هذا الواقع المروع؟ أم أنهم يتحملون نتيجة أخطائنا وتغافلنا عن حقوقنا وتفريطنا في حريتنا؟
ليس أطفال سورية وحدهم الذين يعيشون المأساة، ربما هم الآن في بؤرة الضوء كونهم يقبعون داخل دائرة القتال المشتعل.
أطفال حلب نموذج معبر عن أطفال الموصل وأطفال تعز وأطفال غزة، وهؤلاء جميعاً لا تختلف أوضاعهم كثيراً عن أوضاع أقرانهم في ليبيا أو الصومال.
يظن بعضهم أن أطفال مناطق الصراع وحدهم يحتاجون التعاطف، لكن الواقع أن كل أطفال العرب يعيشون أنواعاً متباينة من المأساة، وهم يحتاجون ما هو أهم من التعاطف.
يحتاج أطفالنا قوانين تحميهم من الحكومات والمجتمع وربما من الأسرة، ويحتاجون تعليماً يمنحهم وعياً يقيهم مصيراً كمصيرنا، ويحتاجون علاجاً يوقف نزيف الوفيات ويحفظ لهم صحتهم وعقولهم.
يحتاج أطفال العرب أن يعيشوا مثل غيرهم من أطفال العالم، يلعبون ويمرحون ويضحكون، وهم يستحقون ذلك. لكننا لا نملك منحهم تلك الحقوق الإنسانية البسيطة لأسباب عدة، بينها أن كثيراً منّا لا يملكها بالأساس.
فتحت مأساة حلب الجرح الغائر المسكوت عنه، ونبّهت كثيرين إلى ما يعانيه الأطفال، في حلب وغيرها، لكن أحداً لم يتحرك بعد لتعديل الواقع أو حتى محاولة تغييره.
لا يمكن بحال تخيّل ما سيكون عليه هؤلاء الأطفال الذين عاشوا المأساة في سورية وفلسطين والعراق وليبيا والصومال بعد عشر سنوات، وقتها سيكون الطفل مراهقاً أو شاباً، ربما لأنه ليس معروفاً بعد مصير أي من تلك البلاد.
ربما تتحرّر بلدانهم من الظلم والفساد والاستبداد، لكن آثار ما عاشوه سيبقى.
أو ربما تستمر المأساة ويتحول بعضهم إلى مهاجرين أو لاجئين أو نازحين، وبعضهم إلى متطرفين أو مليشياويين، وبعضهم الآخر يموت برداً أو جوعاً أو قصفاً.
إلى أطفالنا: سامحوا تقصيرنا في حقكم، فقد سبق أن فرطنا في حقوقنا.