في كتابه "تعلّموا العربيّة"، الصادر حديثاً عن "دارة المها للنشر والترجمة" و"جمعية الثقافة العربية"، يواصل اللغوي الفلسطيني، إلياس عطا الله (1947)، مشروعاً بدأه منذ العام 2009 في "جمعية الثقافة العربية" في مدينة حيفا، لكشف حجم التشويه اللغوي في المناهج التي تفرضها دولة الاحتلال الإسرائيلي على المدارس العربية في فلسطين المحتلَّة عام 1948.
من خلال المشروع الذي حمل عنوان "تعلّموا العربيّة وعلّموها الناس"، جرى كشف الآلاف من الأخطاء في الكتب التدريسية، وقد أدّى ذلك إلى تحقيق نوع من تغيير الواقع اللّغوي؛ إذ شكّل أداة ضغط على ما يسمى "وزارة المعارف" الإسرائيلية من أجل وقف عملية التشويه اللتي يتعرّض لها الطلبة الفلسطينيون في مجال تدريس اللغة.
في دراسته الجديدة، اختار عطا الله مراجعة كتابَي "النبراس في الفهم والقواعد والتعبير للصف العاشر" و"البديع في الفهم واللّغة والتعبير للصف الحادي عشر"، حديثَي الإصدار، واللذان يُدرَّسان حالياً في مدارس فلسطين المحتلة عام 1948، وقد رصدت الدراسة كمّاً هائلاً من الأخطاء فيهما، ما يؤكّد أن هذه المناهج خارج المعايير اللغوية والتربوية.
يشير الباحث في عمله إلى مواطن الإفساد وأشكاله. وهو بذلك يوفّر مرجعيّة للمدرّسين ومعدّي الكتب والمسؤولين، من خلال التحليل والشروح في متن الدراسة وحواشيها، في محاولة للإسهام في تصحيح الأخطاء القائمة واجتنابها مستقبلاً.
خلال ندوة نظّمتها دار النشر والجمعية لإطلاق الكتاب في مقرّها في حيفا، يوم الإثنين الماضي، اعتبر عطا الله أن "مراجعة الكتب التي يدرّس بها أطفالنا ويرضعون من خلالها لغةً مشوّهة تؤسّس لهوية الضياع وعدم الانتماء، أمر حتمي"، لأن "الخطر يتهدّد اللغة العربية من أهلها، قبل أعدائها"، واصفين الكتابين، موضوعَي الدراسة، واللذان قال إنهما وقعا بين يديه بمحض الصدفة، بأنهما "من أسوأ ما قرأت، حتى أنّني تمنّيتُ العودة إلى الكتب القديمة".
هنا، يشير أستاذ اللسانيات والمعجمية العربية في "معهد الدوحة للدراسات العليا" وعضو المجلس العلمي للمعجم التاريخي للغة العربية، إلى التغيير الذي حصل بعد كشفه ما أسماه فضيحة المناهج الدراسية في 2011؛ حيث عملت "الوزارة" تغيير المناهج، وحدث ذلك فعلاً عام 2013، مع إصدار كتب جديدة وتشكيل لجان حدّدت معايير "لا بأس" بها، لكنها عادت وخرجت عن جميع تلك المعايير، وفق قوله.
يورد عطا الله العديد من النماذج عن الأخطاء الواردة في الكتابين، ويستطرد بأن تقديم كتابٍ مدرسيّ للتلميذ والطالب يتطلّب شروطاً أساسية؛ أقلّها أن يُذكر اسم الكاتب، وأن يكون الأخير معروفاً، واسمه مُتداوَلاً في مواقع البحث على الأقلّ، وأن تُذكر مراجعه، ويُراجع من قِبل مدقّق لغوي وخبير نفسي.
يضيف: "غير أن كتابَي "البديع" و"النبراس" لم يتوفّرا على أيّة من تلك الشروط: في الأوّل، لم يُذكر فيه سوى اسم نكرة. مع أن ما يهمُّنا أساساً هو المنتَج، وليس المنتِج، فإن المنتَج هنا هو سمّ يتجرّعه أبناؤنا في المدارس. أمّا الثاني، ورغم ذكر اسم المدقّق اللغوي، فيستحيل أن يكون قد تمّت مراجعته بالفعل؛ إذ لا يُمكن لكتاب مراجَع أن يتضمّن هذا الكمّ الكبير من الأخطاء. إضافةً إلى ذلك، فإن الفترة القصيرة التي تفصل بين تواريخ بعض النصوص والمصادقة على الكتاب ومراجعته تؤكّد استحالة أن تكون كافيةً للمراجعة والتدقيق اللغويين".
يضيف الباحث اللغوي: "راجعت عشرات الكتب المدرسية التي أصدرتها "وزارة المعارف"، وقد عدتُ إلى قرابة ستّين كتاباً في مجالات علوم العربية، وفي كلّ ما كتب باللغة العربية في التاريخ والجغرافيا والمدنيات، حتى أفحص المستوى اللغوي".
من هنا، يصل عطا الله إلى أن إلغاء هذه "الوزارة" لتعليم قواعد اللغة العربية من المناهج الدراسية سيكون أفضل من استمرار الوضع الحالي، الذي يتّسم بإفساد للعملية التعليمية برمّتها: "عدم التعليم أفضل من وجود تعليم مشوّه؛ ثمّة آباء وإخوة وأمّهات باستطاعتهم أن يعلّموا أبناءهم، وهنالك أماكن أخرى لدراسة اللغة غير المدارس. ما زالت الوزارة مستمرّة في تشويه وإفساد العربية، وكما كتبت في بحث لي هي "نكبة لسان" وتكتمل بها نكبة الإنسان".
من جهته، قال مدير "جمعية الثقافة العربية"، إياد البرغوثي، إن الكتاب يمثّل استمراراً للكتب السابقة، مضيفاً أن عطا الله يقوم بدور بارز في نشر معارف اللغة العربية والحفاظ على سلامتها والدفاع عن مكانتها، خصوصاً في الداخل الفلسطيني؛ "حيث تواجه اللغة العربية واقعاً صعباً بسبب سياسات طمس وتشويه هوية ولغة المكان والإنسان، وجرائم الإفساد والتشويه اللغوي في جهاز التعليم ووسائل الإعلام والحيّز العام".
الكتاب هو أوّل عمل تصدره "دارة المها للنشر والترجمة". وعن ذلك، تقول مديرة الدار، مها سليمان، إن اختيار هذا العمل ليكون أوّل إصداراتها يأتي من "أهمية تعلّم العربية وتعليمها لأطفالنا الذين يحقّ لهم أن يتعلّموا بكتب تحترم ذكاءهم وانتماءهم، وتقرّبهم من لغتهم التي يشعرون بغربة تجاهها"، مضيفة أن دار النشر ستهتم بالأعمال التي تعنى بشريحة عمرية بين عشرة وخمسة عشر عاماً.
أمّا القيادية في "التجمع الوطني الديمقراطي"، حنين زعبي، فاعتبرت أن "إفساد اللغة العربية جزء من السياسة الإسرائيلية التي تهدف إلى إفساد هوية وشخصية الشعب الفلسطيني، وهذا يجري بشكل عبثي ومضحك، وفي كافّة مناحي التدريس، حيث يشمل الأمر كيفية تحرير النصوص وإعدادها"، لافتةً إلى أن ذلك يجري بالاعتماد على طواقم عربية تتعاون في هذا التشويه. بحسب الزعبي، فإن الأمر لا يقتصر على الأخطاء اللغوية، بل يتعدّاه إلى أبعد من ذلك؛ حيث جرى "إبعاد التلميذ الفلسطيني عن الأدب الحديث وكلّ ما له علاقة بالمقاومة، في مقابل التركيز أكثر على الأدب الكلاسيكي والجاهلي وجعل اللغة والأدب العربيين غير معاصرين لقضايانا".