لا يستحسن المواطنون الإماراتيون التقدم إلى الوظائف التي تتيحها معارض التوظيف المتعددة في البلاد. فهؤلاء ينتظرون فرصة أكبر مما تقدمه المعارض، وهي فرصة العمل في القطاع الحكومي بما فيه من ثقة وضمانات ورواتب مرتفعة.
وعن ذلك، يقول المواطن سعيد، وهو خريج إحدى الكليات التقنية، الباحث عن عمل منذ أشهر: "أفضل البطالة على العمل في القطاع الخاص".
يشار إلى أنّ القطاع الخاص في الإمارات يتكوّن في معظمه من شركات أجنبية عملاقة معروفة. كما أنّ القانون (القرار الوزاري رقم 42 لسنة 2005)، يلزم الشركات الخاصة بأن يكون 5 في المائة من موظفيها مواطنين.
ويبرر سعيد رفضه: "أنت ترى بريق الشركات الأجنبية العملاقة في ظاهرها. لكن، لو غصت في عمق الموضوع، ستكتشف أنّ هناك جوانب سلبية لا نتقبلها- نحن المواطنين- لأسباب متعددة، خصوصاً في ظل توافر البديل الحكومي". ويعدد الجوانب السلبية تلك، وهي "ساعات العمل الطويلة، وضعف العائد المالي، وقلة الإجازات الأسبوعية والسنوية، والعمل وسط ثقافات وجنسيات متعددة، وعدم وجود الأمان الوظيفي، وغياب الراتب التقاعدي، وغيرها".
بدوره، يؤكد أحد الموظفين الذين ينظمون تسجيل أسماء طالبي الوظائف، أنّ جميع المواطنين الذي يزورون معارض التوظيف، سواء في أبو ظبي أو دبي أو رأس الخيمة، يطلبون الوظائف الحكومية فقط. لكنّه يضيف: "هذه الوظائف قليلة ولها شروط معينة، فالوظيفة الحكومية تتطلب مهارات وقدرات خاصة لا تتعلق بالشهادات الجامعية فقط، بل تخضع للياقات وشروط أخرى تخص الخدمة الحكومية، خصوصاً في دبي، فبعد أن ولدت الحكومة الإلكترونية أصبح ذلك بدوره يتطلب مهارات إضافية خاصة". وتنظم في مختلف أنحاء الإمارات معارض توظيف سنوية، بعضها مخصص للمواطنين الإماراتيين حصراً.
في المقابل، يؤكد المواطن سيف، الذي تخرج حديثاً من كلية الهندسة في عجمان، أنه يبحث عن الأمان الوظيفي الذي لا يجده في الشركات الخاصة لأنها تمنح عقوداً مؤقتة لمدة عامين أو ثلاثة. ويشير إلى أنّ تلك العقود "تنتهي بانتهاء المشاريع التي تقوم بها، وذلك يشكل تهديداً مؤكداً على استمرارية الوظيفة".
أما زميله سالم، الذي تخرج من نفس الجامعة، فيفكر في تأسيس شركته الخاصة في مجال ديكورات المنازل. وهو اختيار ثالث بين الوظيفة الحكومية والقطاع الخاص، لكنّه يرى أنّ "البداية صعبة نتيجة للشروط والقوانين التي يجب مراعاتها في تأسيس شركة من ناحية، والبحث عن أشغال وعقود وعمل في هذا المجال".
وينسحب تفضيل الوظائف الحكومية على الإناث أيضاً. فالمواطنة المهندسة نوف تقول: "أفضل العمل في القطاع الحكومي لأنّ ساعات العمل أقل والعطلات أطول والأجور أعلى، وهذه امتيازات يفضلها كل طالبي العمل سواء في الإمارات أو في أي بلد آخر".
من جهتها، تسعى وزارة العمل إلى دفع المواطنين للعمل في القطاع الخاص، وتبني استراتيجية القطاع الخاص التي سيكون لها تأثيرات إيجابية على سوق العمل. كما تسعى في خطة طويلة إلى توطين القطاع الخاص، بمعنى زيادة العاملين المواطنين فيه، وعدم الاكتفاء بفرض شروط تشغيل نسبة معينة من المواطنين في هذا القطاع الحيوي. وفي هذا الإطار، أجرت الوزارة تعديلات على قانون العمل لجذب مزيد من المواطنين إلى القطاع الخاص من أجل تخفيف العبء عن القطاع العام المتضخم حالياً. كما تجري حالياً مراجعة لقوانين العمل في القطاع الخاص من أجل إيجاد حلول وسطية بين المواطنين وأصحاب الشركات الخاصة. فمن المعروف أنّ المواطنين يفضلون الوظائف الحكومية على الخاصة، لما في الأولى من امتيازات على صعيد ارتفاع الراتب، وكثرة الإجازات، وقصر الدوام، بالإضافة إلى بطاقات السفر وغيرها من المخصصات السنوية والظروف المتعلقة بالأمان الوظيفي. ولهذا تسعى وزارة العمل إلى تشجيع القطاع الخاص في منح بعض الامتيازات التي توازن فيها بين القطاعين، خصوصاً في مجال مستحقات نهاية الخدمة والتأمينات الصحية والاجتماعية.
جدير بالذكر أنّ المواطنين يشكلون نحو 11 في المائة من سكان الإمارات العربية المتحدة البالغ عددهم 8 ملايين و300 ألف نسمة. ومعظم النسبة المتبقية هي للعمال الأجانب. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن معدل البطالة بين الإماراتيين بلغ 25 في المائة، أخيراً، بسبب انخفاض أسعار النفط. ومع ذلك، ينعم المواطنون الإماراتيون بمزايا واسعة من خلال الحصول على التعليم الحكومي المجاني والرعاية الصحية المجانية، فضلاً عن المساعدة في توفير السكن وغيرها من المنح الخاصة. وهو ما لا تتمتع به العمالة الوافدة.