إما ممثّل أو لا

26 سبتمبر 2014
صادق الفراجي / العراق (مقطع من لوحة)
+ الخط -

أثار مدير "المسرح الوطني للشباب" في بريطانيا، بول روزبي، حفيظة الأكاديميين المسرحيين ومعلمي التمثيل المسرحي، عندما صرح في مؤتمر صحافي أواخر العام الماضي، أن أكاديميات التمثيل مضيعةٌ للوقت. حينها، نصح روزبي، الممثلين الشباب أن يركزوا على تسويق أنفسهم، بدلاً من إهدارهم ثلاث سنوات ليتعلموا النطق والحركة. وحثّ الرجل الممثلين الشباب أن يتبنوا ضيق صبره، وأن يفكّروا بالفوائد اللحظية والسريعة وكيفية تسويق أنفسهم، بدلاً من مضيعة الوقت لمعرفة إن كانوا يستطيعون التمثيل أم لا.

بعد ذلك، عاد روزبي وأثار حفيظة أكاديميات المسرح بتأكيده على ضرورة التأقلم مع حاجات السوق في مقابلة مع صحيفة "الغارديان" البريطانية، أكّد فيها أن كلامه في المؤتمر الصحافي لم يكن منزوعاً من سياقه. فمعاهد التمثيل بالغة الغلاء، بحسبه، وكذلك مدة التدريس التي تمتد إلى ثلاث سنوات مبالغ بها. ولا يحتاج الممثلون الشباب إلا لبعض الدروس والمبادئ البسيطة بدلاً من التمرين الأكاديمي والتشنج تجاه المناهج. ومن المؤسف، برأي روزبي، أن يمضي شاب ما ثلاث سنوات من عمره لمعرفة إن كان ممثلاً جيداً أم لا. المعادلة، كما يرى، واضحة: إما إنك ممثل أو لا.

ينسجم رأي روزبي مع منطق الصناعة الحديثة للمسرح والسينما، المستعجلة للربح والمليئة بمفردات التسليع، ونقود شباك التذاكر. وتنطوي عملية تسليع هذين الفنين على تسليع الممثل نفسه، فيحتاج "الممثل الحديث" (أكاديمياً كان أم لا) إلى وكيل أعمال، ومدير أعمال، وعليه خوض تجارب الأداء، وأن يكون مرناً وسريعاً لينتهي المشروع المسرحي أو السينمائي (الاقتصادي؟) بأكثر احتمالات الربح، وبأقصر وقت ممكن.

بغض النظر عن تأثير كلام روزبي على أرزاق الأكاديميين، وكاتب هذه السطور أحدهم، إلا أنه يستحق التأمل. فلا نار بلا دخان، وكلام الرجل يضرم النار بعادةٍ مسرحية استمرت لقرن من الزمن تقريباً، بعدما أصبح المسرح اختصاصاً أكاديمياً بشقيه النظري والعملي مع بدايات القرن العشرين. ولكن النار التي أضرمها في الجانب الربحي للمسرح، أضاءت جانباً آخر يخص جوهر الأكاديمية المسرحية وعلاقاتها بأشكال المسرح.

وبعيداً عن استعراضات الاختلاف والتصريحات الفاقعة، يضيف كلام روزبي المزيد من التنوع على مقاربات مهنة التمثيل؛ إذ يستند إلى أمثلة من نجوم لم يلتحقوا بالأكاديميات، وحققوا نجاحات مبهرة في عالمي المسرح والسينما، مثل دانييل داي لويس، وهيلين ماري، ودانييل كريغ، وجوني ديب، والقائمة تطول. ومعظم هذه الأسماء كانت قد انضمت إلى "المسرح الوطني البريطاني للشباب"، الذي يشغل بول روزبي إدارته.

النار التي أضرمها بول روزبي لتصيب المسرح بمفهومه الاقتصادي، امتدت لتصيب المسرح بمفهومه الأكاديمي كذلك، فاتحة الباب على قدرة الأكاديميات المسرحية على استيعاب الأفكار والأشكال الجديدة، ومتغيرات العالم، من تكنولوجيا، وتقلص دور المسافات الجغرافيا، واختلاط اللغات.

وأمام انفلات أشكال المسرح والتجريب، ما زالت أكاديميات هذا الفن قاصرة على استيعاب متطلبات واتجاهات المشاريع الجديدة، في المسرح والسينما. ولا يقتصر الكلام هنا على الجانب التجاري للمسرح (ويمكن القول إن الأكاديميات المسرحية قد أغنت الأعمال التجارية بخريجيها، بدءاً من عروض الميوزيكال والعروض السياحية التي تمتد لسنوات، وانتهاء بأفلام هوليوود)، بل يتعداه لمساءلة دور الأكاديميات المسرحية في استيعاب اتجاهات المسرح التجريبي العديدة وكثيرة التوالد والجريئة.

قد تضيء تلك النار سؤالاً جوهرياً حول ما إذا كانت أكاديميات المسرح مثالاً على انفتاحه على العلم والمغامرة، أم انغلاقه على المنهج. بالطبع، لست من أنصار ازدراء الأكاديميات، ولكن ما زال التفكير بموقع الأكاديميات في الحياة الحديثة قاصراً، وعلى الأكاديميين التفكير بتطوير هذه المناهج قبل أن تُنقَل أكاديميات المسرح إلى المتاحف.

المساهمون