أصدر بنك السودان المركزي سلسلة قرارات تستهدف الخروج من أزمة السيولة النقدية التي تخنق الأسواق منذ عدة أشهر، وكذلك خفض معدلات التضخم، التي وصلت إلى مستويات قياسية، في ظل موجات الغلاء، ما تسبب في خروج احتجاجات شعبية في مناطق عدة بالبلاد منذ التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وتطورت إلى حد المطالبة برحيل النظام.
وقال محافظ البنك المركزي، محمد خير الزبير، إنه تقرر منع المصارف العاملة في البلاد من تمويل شراء السيارات، والأراضي، وكافة أنواع تجارة الذهب، وذلك في إطار سعي "المركزي" لحل أزمة النقص الحاد في السيولة لدى القطاع المصرفي.
وأضاف الزبير خلال مؤتمر صحافي عقده مساء الثلاثاء، في مقر وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا)، للإعلان عن السياسات المصرفية للعام 2019، أنه تقرر منع تمويل شركات النقد الأجنبي والتحويلات المالية، وكذلك تمويل شراء العملات الأجنبية والأسهم والأوراق المالية، ومنع المصارف من التمويل بصيغة المضاربة المطلقة.
وأشار إلى أنه يمكن للمصارف منح التمويل غير المباشر للحكومة المركزية بواسطة شراء الشهادات والصكوك الحكومية بنسبة لا تزيد عن 20% من محفظة التمويل القائمة في أي وقت، مؤكدا أهمية تقوية نظم وإجراءات حماية العملاء ورفع جاهزية المصارف لتحقيق الاستقرار المالي والسلامة المالية وخفض التعثر المصرفي.
وطالب المصارف بخفض التعثر إلى نسبة معيارية لا تتعدى 6% بنهاية العام الجاري، وبناء المخصصات الكافية، مطالبا بتحسين السيولة الداخلية والاحتفاظ بنسبة 10% كمؤشر من جملة الودائع الجارية والادخارية بالعملة المحلية في شكل سيولة نقدية، مع الاحتفاظ بنسبة 5% كحد أدنى من جملة الودائع الجارية.
ووفق بيانات البنك المركزي، تقدر قيمة الإيداعات في البنوك بالسودان حاليا بنحو 400 مليار جنيه (8.4 مليارات دولار). وقال محافظ البنك المركزي إن السياسات المصرفية للعام الجاري تستهدف تعزيز الثقة في الجهاز المصرفي من خلال توفير الأوراق النقدية وتعظيم موارد النقد الأجنبي والتوسع في تمويل القطاعات الإنتاجية.
ولفت إلى استمرار سياسات الدفع الإلكتروني وإضافة 1850 ماكينة صراف آلي و500 ألف نقطة بيع إلكترونية خلال 2019.
وألزم المركزي كافة المصارف بالاحتفاظ بالاحتياطي النقدي القانوني كأرصدة نقدية لدى البنك المركزي بنسبة 20% من جملة الودائع بالعملة المحلية و20% من جملة الودائع بالعملة الأجنبية، ليتم البدء بتطبيق هذا القرار ابتداء من مطلع العام الجاري.
وشدد على ضرورة إرسال المصارف تقرير الموقف الأسبوعي للودائع أربع مرات شهريا في أيام 7 و14 و21 واليوم الأخير من كل شهر، على أن تصل إلى بنك السودان المركزي خلال فترة لا تتعدى يومي عمل من التاريخ المحدد لذلك.
وتوقع الزبير زيادة موارد النقد الأجنبي بعد استمرار دفع رسوم نفط دولة جنوب السودان، مشيرا لاستلام وزارة النفط 30 مليون دولار، ودخول الدولة في إنتاج الذهب بصورة كبيرة.
وأضاف أن آليه صناع السوق نجحت في استقطاب 260 مليون دولار خلال شهر واحد، لافتا إلى سعي المركزي لإغلاق كافة الثغرات التي تؤدي إلى السوق الموازي، متوقعا حصول "المركزي" على ودائع مالية قريبا.
وتستهدف السياسات الجديدة الوصول بمعدل التضخم إلى 27.1% خلال العام الجاري، بينما اقترب من 69% في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي على أساس سنوي.
من جانبه، دعا هيثم فتحي، الخبير الاقتصادي، إلى دمج المؤسسات المالية العاملة في البلاد والشركات لتوفير رؤوس أموال كبيرة، إضافة إلى تحسين البيئة الاستثمارية، مشيرا إلى أن دمج المصارف خطوة وجزء من إعادة الثقة للجهاز المصرفي السوداني.
وأوضح أن عمليات الاندماج تولد اقتصاديات كبيرة تسهم في دعم الاقتصاد المحلي، ولها إيجابيات، منها التوسع المستقبلي وتحقيق كفاءة التشغيل ورفع الربحية وتعظيم الملكية والقدرة على مواجهة المتغيرات المالية المستقبلية.
ويبلغ عدد المصارف في السودان حوالي 37 مصرفا، ومنذ العام الماضي يعاني القطاع المصرفي من شح السيولة وضعف رأس المال وشبه انعدام في النقد الأجنبي، ما أدى إلى فقدان الثقة بين المودعين.
وكثفت الحكومة السودانية أخيرا من تحركاتها لاحتواء الأزمات المعيشية، التي أطلقت شرارة الاحتجاجات الحالية، واعتبر رئيس الوزراء معتز موسى، قبل أيام، أن الإجراءات المتبعة تطوي جميع الملفات المفتوحة التي تهم حياة المواطنين، وتتمثل في الوقود والخبز والنقود والدواء.
ويعاني السودان من أزمات في الخبز والوقود والسيولة المالية والأدوية، نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه في الأسواق الموازية (غير الرسمية)، إلى أرقام قياسية تجاوزت أحيانا 60 جنيها مقابل الدولار الواحد، بينما يجري تحديده وفق آلية صناع السوق الرسمية بنحو 47.4 جنيها.
وتزايدت وتيرة الوعود خلال الأيام الأخيرة، بينما يقول مواطنون إن الأزمات لا تزال قائمة، فيما أشار خبراء اقتصاد إلى أن بعض الإجراءات التي تعتزم الحكومة تطبيقها ستؤجل الأزمة وربما تكون تداعياتها أكبر، مثل اللجوء إلى طبع النقود لتوفير السيولة النقدية بالأسواق.
ووفق البنك المركزي، ستتم طباعة أوراق نقدية من فئات 100 و200 و500 جنيه لأول مرة، بهدف "إنهاء مشكلة شح الأوراق النقدية تدريجاً".