إن عزمت فلا تخجل

09 يونيو 2018
+ الخط -
دقت عقارب الساعة الحائطية في بيته الحزين، وهي تشير إلى العاشرة ليلا، بينما توقفت عقارب الساعة العاطفية بقلبه عند حدود الساعة العاشقة بتوقيت خط الحب.
كان مستلقيا على سريره، ولم يتحرك، كل شيء في تلك الغرفة جامد، كأنه لم يكن على تلك الشاكلة من قبل، حتى عقارب الساعة التي كانت تحدث أصواتها التي تومئ بالحياة تغيّرت بشكل كبير، فأصبحت تصدر صوتا يشبه طلقات الرصاص المصاحبة بدموع الأطفال ونحيب أمهاتهم، وظهر الجدار الهش في صورة مخيفة فظيعة كأنه شبح شرير. تمضي عقارب الساعة، وكأنه لا يدرك أنها تسير نحو المستقبل، فقد استسلم قلبه للاحتضار إلى درجة تغيّر نبضه أيضا.
أخذ الهاتف، وكتب رسالة قصيرة، وبقي حائرا مدة طويلة من دون أن يضغط على زر الإرسال، كان شيء ما بداخله أشبه باللهيب المشتعل. لكنه، ومع ذلك أصيب بنوع من الجمود حال بينه وإرسال الرسالة.
للحب سلطةٌ لا يغلبها إلا الخجل، وأحيانا مهما كان هذا الخجل، لن يكون أكثر من جليد صمد لبرودة الليل، ولم يدرك أنّ للشمس حرارة لا تخجل من أحد، الحب أشعة الشمس الحارة التي تسطع بشروقها في كل مكان، وتكافئ أماكن الظل بدفئها من دون أن تظلم أحدا مما وهبها الخالق. استسلم حبه أخيرا، ولم يضغط على زر الإرسال، فبقي معلقا بين نور الاعتراف ونار الكبرياء.
أخبرني ذات يوم بأنه لا يستطيع أن يخبرها بشيء. لذلك، سيكتفي بسرقة النظرات الخاطفة، احتراما لسلطة الخجل، بينما أخبرته أنّها قد تكون أميةً في علم حركات الجسد، فتكون حركاته، بعد عناء كبير، صيحات في واد، ونقطة رمل يرميها في بحر المحيط. من المؤسف أنّ بعضهم لا يقرأون لغة الجسد، ولا يستطيعون فك شفرات النظرات والإيماءات المعبّرة المليئة بالأحمر، لذلك أخبرت الشباب، في مراتٍ كثيرة، منذ اخترت الالتحاق بمصحة النسيان، قصد الإسهام في إنقاد الحالات الخطيرة التي تستقبلها قاعات المستعجلات العاطفية كل لحظة؛ بأن يصرّحوا بالحب الصادق الذي يكون بداية حقيقية للحياة التكاملية التي خلقت من أجل الرجال والنساء.
أكدت عليه يوما بأن يبعث لها رسالة أكون أنا كاتبا له، ولو في اللحظات الأولى، ثم سحبت بعد ذلك مساعدتي، فأنا لا أحب أن أساند الجبناء، لا شك أنك تقرأ الآن مقالتي في "العربي الجديد"، وأنت تعض أناملك لما ضاع منك بسبب الخجل. لكن اسمح لي، يا صديقي، فأنا لا أساند من يخشى أن يكون جوابها قنبلة نووية تدمر قلبه إلى الأبد، العاشق لا يكون عاشقا حتى يصير قلبه أسوأ من حال مدننا العربية، بعد ثورة الشعوب على طغاتها، وبعد تدخل الأعداء لمحو آخر بصمات تراثنا. قلب العاشق، يا صديقي، كالموصل والغوطة الشرقية وحلب وبغداد، فلا تخشى بعد ذلك دمارا أسوأ مما أنت فيه.
أنت تنتظر أقرب لقاء يجمعنا، لكي أخبرك بما تفعله الآن، يا مراد، ستدرك الآن أنني أخبرتك في وقتها بما عليك فعله ما دمت مستعدا للزواج وقتها، لكنك خجلت من شيء يشتاق إليه الرجال، أنت غبي، يا صديقي، مع قليل من الاحترام لفضيلة الغباء. لكن، صدقني، فأنا الآن لا أريد أن أراك، ولا أقوى على التواصل معك، لأنني الآن أخجل أكثر منك، أنا الآن صرت جزءاً من الخجل، يا صديقي، لأنها تزوجت وأصبحت زوجة لغيرك، وأنت ما تزال تتعلم كيف تخبرها من دون أن ينالك من ذلك الموقف أدنى خجل. اعذرني، صديقي، على الغياب، فإذا رأيتك الآن فإني سأموت خجلا، وأنا لا أريد أن أموت، لأنني سأخبر فتاة في أقرب وقت.
مصطفى العادل
مصطفى العادل
مصطفى العادل
باحث في اللسانيات العامة بكلية الآداب، جامعة محمد الأول-المغرب. باحث بمركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية. الأمين العام للمركز العربي للبحوث والدراسات المعاصرة. رئيس قسم الأدب واللسانيات البينية بمركز مفاد.صدر له كتاب "المدارس اللسانية وأثرها في الدرس اللساني بالمغرب". يعرّف عن نفسه بالقول "كل لحظة تأتيك فكرة، يلهمك الله نورا لتعبر به عن معنى، فكن دوما مستعدا بسيف القلم كي لا تهزم في معركة الإبداع".
مصطفى العادل