إيران: جولة إعادة انتخابية تُمهّد لمعركة رئاسة البرلمان

26 ابريل 2016
من عمليات الفرز في انتخابات فبراير (فرانس برس)
+ الخط -
يتوجه الناخبون الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع مجدداً، يوم الجمعة المقبل، لانتخاب مرشحيهم البرلمانيين في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية بدورتها العاشرة. ويتنافس 136 مرشحاً على 68 مقعداً، من أصل 290، هي مقاعد مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) كاملة، والتي حُسمت غالبيتها خلال الجولة الانتخابية الأولى التي جرت في 26 فبراير/شباط الماضي. لكن بعض المرشحين لم يحصلوا على نسبة الاقتراع المشترطة دستورياً في مناطقهم، والتي يجب أن تتجاوز ربع عدد أصوات الناخبين في تلك الأماكن، وهو ما دفع لجولة الإعادة.

في طهران، حُسمت النتيجة من الجولة الأولى واختارت العاصمة نوابها الثلاثين، وهي المدينة التي تملك الحصة الأكبر من مقاعد البرلمان، فيما اضطرت محافظات ومدن أخرى إلى الانتقال للإعادة، ومنها مناطق في محافظات أذربيجان الشرقية والغربية وخوزستان وغيرها، وقد بدأ مرشحو تلك المناطق حملاتهم الدعائية منذ أيام، وسيتنافسون في 55 دائرة انتخابية، يبلغ عدد ناخبيها 17 مليون شخص.

وقد حملت العملية الانتخابية الأخيرة مفاجآت عدة، فاستطاع التيار الإصلاحي العودة بقوة إلى المشهد السياسي، وهذا بعد غياب رموزه لسنوات، بسبب الأزمة التي حلت بالبلاد عقب انتخابات عام 2009 الرئاسية، حين شكك مناصرو المرشح الإصلاحي ميرحسين موسوي، بنزاهة عملية فرز الأصوات في الانتخابات، التي فاز فيها المحافظ محمود أحمدي نجاد بدورة رئاسية ثانية.

وقد قرّر مرشحو الإصلاح الاتحاد مع مرشحي تيار الاعتدال، الذي يضم شخصيات معتدلة من كلا التيارين المحافظ والإصلاحي على حد سواء، فقدم هؤلاء أسماء مرشحيهم في لائحة واحدة موحدة أطلق عليها اسم لائحة "أميد" (الأمل بالعربية)، التي كانت برئاسة محمد رضا عارف.

أما عامل النجاح الثاني، فسببه نسب المشاركة العالية، وهي التي تسببت بالأساس باكتساح المعتدلين والإصلاحيين لمقاعد كثيرة من الجولة الأولى، بل واحتلالهم لمقاعد العاصمة برمتها. وبلغت النسبة العامة 62 في المائة من المواطنين الإيرانيين، القادرين على الانتخاب في كل أنحاء البلاد، فيما بلغت في طهران 50 في المائة. وهو ما غيّر التوقعات والسيناريوهات، وهذا بعد أن كان المحافظون قد سيطروا على البرلمان لثلاث دورات متتالية.

يعلم المرشحون بدورهم، أن نسب المشاركة هي التي تسببت بقلب المعادلة والموازين، وكما خرج مسؤولون وشخصيات إيرانية بارزة دعت داعميها للتوجه لصناديق الاقتراع في الدورة الماضية، فقد وجّه الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي رسالة جديدة، يوم الأحد، تبادلتها مواقع الإصلاحيين ووسائل التواصل الاجتماعي، دعا فيها للمرة الثانية، الناخبين الإيرانيين، للمشاركة في الجولة الانتخابية الجديدة، والاقتراع لصالح "الأمل"، موجّهاً شكره لهم لتلبيتهم الدعوة السابقة والمشاركة بما وصفه بـ"الملحمة الشعبية".

وبحسب النتائج النهائية للمرحلة الأولى، ورغم اكتساح المعتدلين والإصلاحيين لمقاعد بعض الدوائر ذات الوزن الثقيل، ما زالت الصورة الفعلية للبرلمان الجديد مختلطة ومركبة، وهو المكوّن من الأصوليين والإصلاحيين والمعتدلين على حد سواء، فقد تفوق منتمون لتيار دون آخر في مناطق دون سواها، إلا أن الكفة المعنوية رجحت لصالح الاعتدال أولاً وللإصلاح ثانياً. ويرى البعض أن كل ذلك سيُشرّع الأبواب على التنافس على رئاسة مجلس الشورى الإسلامي.

في هذا السياق، يُعدّ رئيس المجلس الحالي علي لاريجاني، أبرز المنافسين المحتملين على هذا المقعد، لكونه قد قدّم نفسه كمرشح مستقل، ولم يترشح في أي لائحة أو قائمة مشتركة خلال الجولة الأولى. كما حلّ في المرتبة الثانية عن محافظة قم، بعد أحمد فراهاني، ليحجز مقعده بسهولة في البرلمان الجديد. وفُسّرت خطوته هذه، وهو الشخصية المحافظة المقرّبة من المعتدلين والأصوليين المتشددين، ومن دائرة المرشد علي خامنئي على حد سواء، بأنه "يسعى لحصد أصوات ناخبين كثر في عملية الاقتراع الداخلي، بغية الجلوس مجدداً على الكرسي الذي شغله لدورتين متتاليتين".

من جهة ثانية، يُعدّ الإصلاحي محمد رضا عارف، مرشحاً قوياً، قد يُعيد البريق لحياة الإصلاحيين السياسية لمجلس الشورى في حال ترأسه، وسيُسهّل على الحكومة الحالية العديد من مهامها وخططها. وكان عارف قد ترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة (2013)، التي انسحب في مراحلها النهائية لصالح المعتدل حسن روحاني، في خطوة فُسّرت على أنها بداية الطريق نحو إنعاش الإصلاح، فلو لم يتخذ هذا القرار بالتوافق مع الاعتدال، لتوزعت أصوات الناخبين بينهما، ولوصل مرشح محافظ للرئاسة في حينه، ولما فتحت أبواب الفرص أمام التيار الإصلاحي مجدداً.

كما يرى البعض أن حظوظ كل من لاريجاني وعارف متعادلة، كما أن علاقة لاريجاني والمعتدلين طيبة أيضاً، فقد ساعد حكومة روحاني على تمرير العديد من الخطط، بل اتخذ حتى موقف الرجل المنصف المتوازن، في وقتٍ اشتدت فيه خلافات المعتدلين والمتشددين على بعض القضايا، كالاتفاق النووي، أو حتى دراسة الموازنة الحكومية التي تم إقرارها أخيراً، والتي نالت نصيباً كبيراً من الانتقادات من قبل برلمانيين متشددين.

وبحال قرر هذان الاثنان التنافس على رئاسة مجلس الشورى، سيكون حسم النتيجة صعباً، فاتحاد المعتدلين والإصلاحيين لا يستمرّ دائماً، فضلاً عن أن صورة البرلمان المقبل المكوّن من الأطراف الثلاثة، تعني أنه سيكون برلماناً أكثر انسجاماً وأكثر مرونة وقرباً من الحكومة الحالية. وهو ما قد يُطيح بعارف أو قد يؤدي لانسحابه لصالح لاريجاني، أما بقاؤه في السباق التنافسي فسيكون خطوة شجاعة، ستُقرأ في حينه على أن الإصلاح استعاد بريقه بشكل حقيقي، وعاد للتنافس الفعلي مع المحافظين، بعيداً عن اتباع سيناريو التحالف مع المعتدلين.

من جهة ثانية، تحدث بعض المرشحين عن نيتهم خوض المنافسة على مقعد رئاسة المجلس أيضاً، مثل أمين حزب "مردم سالاري" الإصلاحي مصطفى كواكبيان، الذي شقّ طريقه للبرلمان الجديد عن محافظة طهران خلال الجولة الأولى، وقد نقلت عنه وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، قوله إنه "بحال لم يتقدّم أي من النواب الإصلاحيين لرئاسة البرلمان، فسيرشح نفسه لهذا المنصب".

كما أكد في حديثه على ضرورة أن "يعود الإصلاحيين ليشكلوا عمود أساس في البرلمان"، مشيراً لـ"دعم الاعتدال بذات الوقت"، لكنه أكد على قضايا غابت عن ساحة مجلس الشورى الإسلامي لسنوات، وهي التي ستعود للمشهد حسب قوله على يد الإصلاحيين ومنها ما يتعلق بالحريات الإعلامية والسياسية، وإصلاح قوانين الأحزاب والصحف والانتخابات.

دلالات
المساهمون