ينتخب مجلس خبراء القيادة الإيراني، اليوم الثلاثاء، رئيساً جديداً له، خلفاً لرضا مهدوي كني، الذي لم يتمكن من الاستمرار في المنصب الذي كان قد تولاه في العام 2011، بعد أن أصيب بسكتة دماغية ودخل في غيبوبة استمرت لخمسة أشهر، انتهت بوفاته في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وكان النائب الأول لكني، محمود هاشمي شاهرودي، تولى مسؤوليات الأول منذ غيابه عن المجلس حتى الآن، بعد أن فضل الخبراء عدم عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد إلا في وقتها المعتاد. وهذه الانتخابات تجرى عادة في أواخر السنة الهجرية الشمسية، وفق التقويم الذي تعتمده إيران وهو ما يوافق شهر مارس/آذار.
ويكتسب مجلس خبراء القيادة، الذي يتكون من رجال الدين فقط، أهميته كونه إحدى المؤسسات التي تشكل الهيكلية السياسية الإيرانية، ولا سيما أن أعضاءه يتحملون مسؤولية الإشراف على عمل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية وعزله وتعيينه.
وتحدث كثر في الساحة الإيرانية، ومنهم أعضاء في مجلس خبراء القيادة، عن نية عديدين الترشح لرئاسة الخبراء، منهم شاهرودي، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، أحمد جنتي الذي يرأس لجنة صيانة الدستور، وكل من الأعضاء الحاليين في المجلس محمد إمامي كاشاني، محمد مؤمن، ومحمد علي موحدي كرماني.
ودار جدل طويل حول إمكانية ترشح رفسنجاني أو عدمه، ولا سيما أن تقدمه يشكل حساسية لكثيرين، وخصوصاً أن مجلس الخبراء فيه من معادلات التنافس السياسي، كتلك الموجودة في مؤسسات أخرى. وعلى الرغم من حسم أحمد خاتمي، وهو أحد الخبراء المعروفين من المتشددين، بعدم ترشح رفسنجاني، إلا أن صحيفة "جمهوري إسلامي" المحسوبة على خط رفسنجاني، نقلت إنه سيترشح في حال لمس ضرورة هذا الأمر. كما نقل موقع "تابناك" المقرب من أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، محسن رضائي، أن رسالة وصلت لرفسنجاني وقعها عدد من أعضاء المجلس يطالبونه فيها بالترشح.
اقرأ أيضاً: رفسنجاني يضع شروطاً لترشحه إلى رئاسة مجلس الخبراء
ويتشكل المجلس من الفقهاء الذين يتمتعون بشروط حددها الدستور الإيراني، والميثاق الداخلي الخاص بالمجلس نفسه. العمر ليس شرطاً محدداً، لكن في المقابل، على كل عضو أن يكون بالدرجة الأولى عالماً بالأحكام الفقهية والشرعية وحائزاً على درجة الاجتهاد على الأقل، حيث يكون قادراً على استخلاص الأحكام الشرعية بما يتناسب والشروط الفعلية.
وفق الدستور أيضاً، على كل عضو أن يأخذ بعين الاعتبار تحقيق مصلحة الإسلام والمسلمين وليس مصلحته الشخصية. كما من المفترض ألا يكون لديه أية سوابق تضرّ بسمعته. ولعل أبرز شروط العضوية أن يكون ملماً بالأوضاع السياسية والاجتماعية للبلاد، ليشرف في هذا المجلس على استمرار عمل الحكومة الإسلامية التي على رأسها الولي الفقيه.
يبلغ عدد أعضاء مجلس خبراء القيادة 86 رجل دين، وينتخب هؤلاء بشكل مباشر عبر صناديق الاقتراع مرة كل ثماني سنوات، وستعقد الجولة الانتخابية المقبلة في فبراير/شباط 2016، كما أن عدد الأعضاء ليس ثابتاً، حيث يتغير بتغير عدد السكان في إيران، فكل محافظة يبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة تمثل بعضو واحد في هذا المجلس، وكلما زاد عدد السكان كلما زاد عدد الممثلين عن كل محافظة. ومن المتوقع خلال الدورة الانتخابية المقبلة أن يتم اختيار 160 رجل دين، ليشكلوا المجلس الجديد، ولكن على كل من يرغب بالترشح، أن يمرّ ملفه بداية عبر مجلس صيانة الدستور الذي يتأكد من تحقق الشروط لدى المرشحين، ويقرّ صلاحية ترشحهم.
ووفق الدستور أيضاً، فإن الإيرانيين وافقوا عبر صناديق الاقتراع على تأسيس الجمهورية الإسلامية، وعلى رأسها الولي الفقيه، وعلى هذا الأساس يتوجب على الخبراء اختيار الأصلح من بينهم لتولي هذا المنصب. ففضلاً عن ضرورة تحلي الولي الفقيه بشروط العقل والعلم والعدل، عليه أن يكون ملماً بالقضايا السياسية والاجتماعية، ومن ينتخبه الخبراء هو من يبايعه الإيرانيون، كون الخبراء ممثلين عنهم. لكن على الولي أن يتساوى مع بقية الأشخاص في البلاد أمام القانون، كما جاء في الدستور، وفي حال فقدانه لأحد شروط الأهلية، يعزل من قبل الخبراء، وبحال الوفاة عليهم تعيين المرشد بأسرع ما أمكن.
تأسس هذا المجلس خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية عام 1982، وترأسه علي مشكيني الذي بقي في منصبه هذا حتى وفاته عام 2007، حيث تنافس أكبر هاشمي رفسنجاني وآية الله أحمد جنتي على المنصب آنذاك. وكان آية الله يزدي قد سحب ترشحه لصالح جنتي، إلا أن رفسنجاني كسب المعركة بـ 41 صوتاً مقابل 34 لجنتي، وبعد عامين من هذا الوقت حيث تجرى الانتخابات الرئاسية للخبراء مرة كل سنتين، تنافس رفسنجاني ثانية ولكن مع يزدي هذه المرة. إلا أن الأول كان منافساً قوياً لا يمكن التغلب عليه بسهولة حيث حصل على غالبية الأصوات.
لكن شهر مارس/آذار من عام 2011 كان حاسماً بالنسبة للخبراء ولرفسنجاني في آن واحد، فقد انسحب رفسنجاني لصالح محمد رضا مهدوي كني، والذي نال 83 صوتاً من أصوات 84 عضواً كانوا موجودين خلال تلك الجلسة الانتخابية. وفوز كني بهذا الكم الهائل من الأصوات يعني انتصاراً لشخصية محافظة معتدلة مقربة من المرشد علي خامنئي، والأهم أن خطوة انسحاب رفسنجاني قرئت على أنها خطوة ذكية، في الوقت الذي كان يتعرض فيه الرجل لانتقادات شديدة بسبب مواقفه الموالية للإصلاحيين، ولا سيما بعد تأجج احتجاجات الحركة الخضراء، والتي أعقبت الانتخابات الرئاسية عام 2009، بسبب تشكيك أنصار المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، بنتائج الانتخابات التي فاز فيها منافسه المحافظ محمود أحمدي نجاد، بدورة رئاسية ثانية. ومنذ ذاك الوقت غاب الإصلاحيون عن الساحة السياسية، وبدأوا بالعودة تدريجياً مع تصدر المعتدلين إبان وصول حسن روحاني لسدة الرئاسة، في العام 2013.
اقرأ أيضاً: خاتمي: شاهرودي هو الخيار الأقوى لرئاسة خبراء القيادة