عقب رفع العقوبات الغربية عنها في يناير الماضي، راحت الحكومة الإيرانية تجوب العالم شرقه وغربه، مبشّرة بعصر جديد لاقتصادها الوطني، وواعدة بتحقيق الرفاهية لمواطنيها، ومؤكدة أنها باتت واحة الأمان للاستثمارات العالمية، وموقعا آمناً للأموال وسط محيط مضطرب، وبين دول تشهد قلاقل سياسية وأمنية عنيفة.
بل وراحت حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني تتوقع تدفق مليارات الدولارات على البلاد في القريب العاجل، وتشدد على أن لديها خطة لرفع معدل النمو الاقتصادي، ومكافحة البطالة، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، ومضاعفة الإنتاج النفطي 4 مرات.
والملفت للنظر هنا، المبالغة الشديدة من قبل الحكومة الإيرانية الحالية في التوقعات المستقبلية الخاصة بتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي، والأوضاع المعيشية للمواطنين، وجذب الاستثمارات الخارجية، بل والحديث بفخر عن إبرام تعاقدات بمليارات الدولارات مع كبريات الشركات العالمية، واستعادة 100 مليار دولار من الأموال المجمدة في الخارج، وعقد صفقات مع كبار المستثمرين الدوليين في كل القطاعات، بداية من النفط والغاز والطاقة، ونهاية بأنشطة الطيران وإنتاج السيارات والأغذية وغيرها.
وتحت عبارة "قريبا" مرّر كبار المسؤولين الإيرانيين تصريحات متفائلة كثيرة، منها ما قاله وزير الاقتصاد الإيراني، علي طيب نيا، من أن مبيعات بلاده من النفط ستصل إلى مليوني برميل يوميا "قريبا"، ووعده بخفض التضخم إلى 11.6% مقابل 13% حالياً، ووعد محافظ البنك المركزي، ولي الله سيف، بأن إيران تتوقع تحقيق نمو اقتصادي يتجاوز 5% في العام الجاري 2016، وحديث حسن روحاني المتكرر عن الوصول بإنتاج البلاد النفطي إلى 4 ملايين برميل يوميا مقابل مليون برميل قبل رفع العقوبات الغربية في يناير الماضي.
ورغم كل هذه الوعود المتواصلة، إلا أن المواطن الإيراني لم يشعر بتحسن ملموس في مؤشرات الاقتصاد الكلي المتعلقة به، فلم تتراجع مثلاً أسعار السلع والخدمات، ولم تتحسن الأوضاع المعيشية للمواطن، ولم تتولد فرص عمل كبيرة تستوعب ملايين الشباب العاطل.
وفيما كان روحاني والمقربون منه يؤكدون، خلال الفترة الماضية وقبيل الانتخابات البرلمانية، أن توقيع الاتفاق النووي سيتيح وحده حل مشاكل البلاد الرئيسية، ومنها التضخم والانكماش والبطالة والدين المحلي، إلا أن هذه التصريحات باتت صعبة التحقق على أرض الواقع، حيث ما زالت البلاد تمر بوضع اقتصادي صعب لأسباب عدة منها، تهاوي أسعار النفط، وتداعيات العقوبات الغربية على الاقتصاد التي استمرت لأكثر من 10 سنوات.
ويبدو أن الحكومة الإيرانية ليس لديها تصور واضح لإنعاش الاقتصاد المنهك، والتعامل مع تداعيات أزمة النفط الحالية، والاقتصاد نفسه بات رهينة لتناقضات الحمائم والصقور، والدليل ما حدث أمس حينما قدم أكبر مسؤولين رؤيتين متناقضتين للنهوض بالاقتصاد في كلمتيهما بمناسبة السنة الفارسية الجديدة، فقد أعاد الزعيم الأعلى، علي خامنئي، التأكيد على التزامه بمبدأ "اقتصاد المقاومة" المرتكز على الاكتفاء الذاتي، بينما حث حسن روحاني على التعاون مع العالم، وقال إن مزيداً من التواصل مع الدول الأخرى سيكون شرطا أساسيا للنمو الاقتصادي.
اقرأ أيضا: إيران بلا عقوبات: فرص تصطدم بتحديات