إيران والتحالف ضد "داعش": خطوة للأمام وخطوتين للوراء

10 سبتمبر 2014
عرض عسكري للجيش الإيراني (فطيمة باهرامي/Getty)
+ الخط -
تحاول طهران جاهدة أن تكون شريكاً في التحالفات الإقليمية والدولية التي فرضتها ظروف المنطقة، المهددة بتقدم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ولكنها، حتى الآن على الأقل، لم تحصل على اعتراف صريح وعلني بضرورة استخدام العون الإيراني في العراق، رغم بعض التصريحات الغربية التي تؤكد على الدور المؤثر الذي تستطيع إيران لعبه في محاربة "إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش).

واستناد طهران على هذه التصريحات، وإعلانها جهوزيتها للقيام بهذا الدور، وهو ما جاء على لسان مسؤوليها، ولاسيما وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، جعل أطرافاً غربية تتخوف من زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة، الأمر الذي ترفضه طهران جملة وتفصيلاً.

ولم تكتفِ إيران بتقديم مقترحات للدعم، ولا باستشارات للعراقيين، بل أعلن وزير داخليتها رحماني فضلي، لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، عن أن بلاده اعتقلت مزيداً من الأفراد الذين كانوا يحاولون المرور عبر الأراضي الإيرانية، قادمين من أفغانستان وباكستان للوصول إلى العراق والانضمام إلى تنظيم "الدولة"، ومن الممكن وضع هذا الأمر في خانة تقديم العون الإيراني لمحاربة "داعش".

وتسعى إيران على كل المستويات للمشاركة في الحرب الدولية على "داعش"، الذي لا يبتعد خطره عن الحدود الإيرانية أكثر من كيلومترات معدودة، وهو إذ يهدد إيران من جهة، لكنه يسمح لها بترميم علاقاتها مع الجميع، عبر تقديم التعاون الإيراني للقضاء عليه، وهو تعاون لم يحصل على دعوة رسمية بعد.

وفي سياق تسويق الجمهورية الإسلامية لنفسها بصفتها لا تمتلك طموحات إمبراطورية، رد رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني أمس، خلال كلمته الافتتاحية في "الملتقى الدولي لدعم علماء المسلمين للمقاومة الفلسطينية"، على تصريحات أخيرة أوردها موقع صحيفة "هافينغتون بوست" لوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، الذي اعتبر أن "إيران تُعدّ أكثر خطراً من تنظيم الدولة الإسلامية، فهي تسعى إلى بناء إمبراطورتيها الفارسية القديمة مُجدداً".

ورد لاريجاني بالقول: "إيران لا تطمح إلى إمبراطورية من هذا النوع، ولا تريد التنافس مع دول المنطقة والدول الخليجية الجارة، وإنما تسعى إلى الشراكة، بعيداً عن صورة التنافس العدائي. فإيران بلد له حضارته وتاريخه وفكره الواضح القائم على الثورة الإسلامية، وهذا الفكر يستطيع التأثير في المنطقة كونه قام بالأساس ضد مفهوم الإمبراطورية، ويسعى إلى تحقيق وحدة الأمة الإسلامية، ولهذا السبب يرى الغرب في إيران أكبر عائق له في المنطقة".

وأضاف لاريجاني، أن "الغرب بدأ يستشعر الخطر من التنظيمات الإرهابية وظاهرة التطرف التي بدأت بالانتشار والتمدد في المنطقة"، مستغرباً تصريحات كيسنجر. واعتبر، أن "الخطر الحقيقي الذي يهدد المنطقة والعالم يأتي من داعش".

وقد يكون التخوّف الغربي من الدور الإيراني عائداً إلى قلق آخر من تطوير إيران لترسانة عسكرية نووية، ولاسيما أن البلاد لم تتوصل بعد إلى اتفاق نهائي حول برنامجها النووي مع دول 5+1، فلطالما عُدّ النشاط النووي الإيراني، بالنسبة للولايات المتحدة على وجه الخصوص، أمراً مثيراً للشكوك، ومهدداً لواشنطن وحلفائها في المنطقة على حد سواء.

ويقول مراقبون أن "الرؤية الغربية المتشددة إزاء إيران تحمل قلقاً مستقبلياً، ففي حال سُمح لإيران بتأدية دور مؤثر وواضح في محاربة تنظيم "الدولة"، فإن هذا قد يسمح لها بالتقدم في المنطقة، واكتساب وزن إقليمي جديد، ما قد يجعلها تشكل خطراً على كثيرين.

وسيعطي الاعتراف بالدور الإيراني في محاربة "داعش" لطهران ثقلاً، يتناغم مع سياسة حكومة روحاني، وهو ما تبحث عنه إيران الآن للخروج من العزلة الدولية التي فرضت على البلاد، خلال السنوات الماضية، بسبب البرنامج النووي أولاً، وبسبب مواقف اتخذتها طهران من بعض الاحتجاجات الشعبية في الدول العربية ثانياً.

وسيسمح هذا الدور بترجمة سياسة الاعتدال التي يتحدث عنها روحاني، بخطوات عملية، من المرجّح أن تحقق نجاحاً داخلياً، قبل النجاح على الصعيد الخارجي، بمعنى تمكن الجمهورية الإسلامية من بناء صداقات جديدة مع الغرب، وهو الأمر الذي سيساعدها على التوصل إلى حلول لأزمة النووي، ويلغي الحظر الذي أرهق كاهل الجميع في إيران، شعباً وحكومة.

وبعد الجولة الأوروبية الأخيرة لوزير الخارجية محمد جواد ظريف، ولقائه بعدد من مسؤولي الاتحاد الأوروبي، حضر وزير الخارجية الدنماركي، مارتين ليدغارد، إلى طهران، ونقل تفاؤله بالتوصل إلى نتيجة إيجابية بعد جولات التفاوض النووي، متحدثاً عن فرص قد تسمح بتطوير العلاقات الإيرانية الأوروبية مستقبلاً.

وقال في حوار مع صحيفة "طهران تايمز"، إن إيران تستطيع أن تكون شريكاً في محاربة الإرهاب، وهو ما جاء في وقت سابق على لسان وزيرة الخارجية الإيطالية فيديريكا موغريني، والتي عينت بمنصب منسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي بعد كاثرين آشتون، فضلاً عن تصريح مشابه لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس.

وتستطيع إيران من خلال انخراطها بالحرب ضد "داعش" أن تحقق سياسياً، وعلى المستوى الدولي والإقليمي، ما عجزت عن تحقيقه بسبب مواقفها الازدواجية من "الربيع العربي"، لكن أمر المشاركة بالتحالف الدولي المزمع إنشائه لا زال يواجه برافضين. وهو ما تجلى واضحاً بما نشرته صحيفة "الوطن" السعودية حول عدم تقديم دعوة رسمية لإيران إلى المؤتمر الذي يعقد بين وزراء خارجية عرب وأجانب بجدة، غداً الخميس، وهو المؤتمر الذي سيناقش سبل محاربة "داعش".

وحتى وإن لم تُمدَّ اليدُ علناً إلى إيران، إلا أن البلاد تحارب "داعش" بطريقتها، وهو ما سيجعلها جزءًا من معادلة القضاء على التنظيم، سواء دخلت إلى صيغة التعاون رسمياً أو لم تدخل.

المساهمون