يواجه الصحافي الروسي المتخصص في شؤون الصناعات العسكرية والفضائية، إيفان سافرونوف، تهمة "الخيانة العظمى" والسجن لمدة تصل إلى 20 عاماً في حال إدانته، في قضية أثارت تفاعلاً واسعاً وحملة تضامن هائلة في الأوساط الإعلامية الروسية.
وحتى إقرار اعتقاله لمدة شهرين على ذمة التحقيق في جلسة مغلقة، يوم الثلاثاء الماضي، عمل سافرونوف مستشاراً إعلامياً لرئيس مؤسسة الفضاء الروسية "روس كوسموس"، كما سبق له أن عمل بصحيفتي "فيدوموستي" و"كوميرسانت" في الأعوام بين 2010 و2020.
فسافرونوف، الذي ولد في موسكو في عام 1990، تخرّج عام 2010 من المدرسة العليا للاقتصاد في تخصص الإعلام، ثم عمل صحافياً بجريدة "كوميرسانت" إلى أن تم تسريحه في العام الماضي على خلفية نشر مقال حول احتمال استقالة رئيسة مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي فالينتينا ماتفيينكو، ثم عمل بجريدة "فيدوموستي"، قبل أن يتم تعيينه مستشاراً لمدير عام "روس كوسموس"، دميتري روغوزين، في مايو/ أيار الماضي.
وبحسب رواية جهاز الأمن الفدرالي الروسي، فإن "سافرونوف كان يؤدي مهمة أحد الأجهزة الخاصة لحلف الناتو ويجمع ويسلم لمندوبه بيانات تشكل أسرار الدولة حول التعاون العسكري - التقني والدفاع والأمن في روسيا الاتحادية". وكشف المحامي إيفان بافلوف، الذي يتولى الدفاع عن سافرونوف، أن موكله يُشتبه بضلوعه في تسليم البيانات للمخابرات التشيكية التي كانت تعمل تحت قيادة أميركية، وأنه تم تجنيده في عام 2012 عندما كان يعمل في "كوميرسانت"، وفق رواية التحقيق.
وقال إيفان بافلوف إن جلسة الاستماع لم تكن عادية لأن محقق الدولة لم يقدم أي أدلة. وأشار إلى أن قضية الصحافي السابق تتضمن سبعة مجلدات توحي بأن الأجهزة الأمنية كانت تراقبه منذ زمن.
حازت قضية سافرونوف على ضجّة واسعة. وأبدت المتحدثة باسم السفارة الأميركية ريبيكا روس، الثلاثاء، قلقها إزاء قمع الصحافيين في روسيا. وكتبت في تغريدة "مع تتالي التوقيفات في صفوف الصحافيين الروس، بدأ الأمر يبدو أشبه بحملة منظمة ضد حرية الإعلام". وردت وزارة الخارجية الروسية، ليل الثلاثاء، في تغريدة قائلةً: "اهتموا بشؤونكم الخاصة".
والأربعاء، أصر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، مجدداً، على أن سافرونوف أوقف على خلفية قضية لا علاقة لها بعمله الصحافي. وندد بيسكوف بتصريحات "عاطفية" أصدرها زملاء سابقون لسافرونوف ووسائل إعلام تصر على أن الأخير غير مذنب. وصرّح بيكسوف للصحافيين "علينا انتظار المحاكمة".
وشكّك الصحافيون ووسائل الإعلام المستقلة الروسية في رواية جهاز الأمن الروسي وحقيقة اطلاع سافرونوف على البيانات ذات هذه الدرجة من الحساسية من أساسها، مطلقين حملة تضامن واسعة لمناصرته. وفي الوقت الذي لا تكشف فيه جهات التحقيق عن ملابسات قضية سافرونوف بذريعة "السرية"، يرفض الرئيس المشارك لنقابة الصحافيين والعاملين بوسائل الإعلام إيغور ياسين، مثل هذه الحجة، معتبراً أن القضية تندرج ضمن الحملة على الصحافة وحرية التعبير في البلاد.
ويقول ياسين لـ"العربي الجديد": "نقابة الصحافيين على قناعة بأن أي حجج متعلقة بالسرية لن تجنب التحقيق الحالة العامة من انعدام الثقة به عندما يتعلق الأمر بصحافي محترف مثل إيفان سافرونوف، وتعتبر أي تستر على تفاصيل القضية الجنائية بحقه بمثابة انتقام الأجهزة الخاصة من مقالاته". كما يؤكد ياسين على دعم النقابة للاعتصامات الفردية تضامناً مع سافرونوف، مضيفاً: "ندعو كل من يؤمن بقيمة حرية التعبير ويحترم العمل الصحافي إلى الانضمام إلى الفعاليات الاحتجاجية المناهضة للقضايا الظالمة بحق الصحافيين، وفي مقدمتها ملاحقة زميلنا إيفان سافرونوف".
وشهدت موسكو وغيرها من المدن الروسية سلسلة من الاعتصامات الفردية دعماً لسافرونوف، بما فيها مجموعة من الاعتصامات أمام مبنى جهاز الأمن الفدرالي، وسط العاصمة، تخللتها اعتقالات طاولت 27 شخصاً، ومن بينهم الإعلامية كسينيا سوبتشاك، التي خاضت سباق الانتخابات الرئاسية في عام 2018.
ونشر صحافيون روس التماساً، نقلته وكالة "رويترز"، يطالبون فيه بالكشف عن تهم الخيانة الموجهة ضد سافرونوف، معربين عن مخاوفهم من أن تكون القضية زائفة وأن يكون الإعلام في مرمى سهام القمع على نحو متزايد.
وورد في الالتماس الذي نشره على الإنترنت صحافيون في صحيفة "نوفايا غازيتا" الاستقصائية ويحمل 7500 توقيع "إنهم يحتجزون الآن إيفان سافرونوف". وجاء في الالتماس أنه يتعين رفع السرية عن القضية ونشر الاتهامات علناً و"إذا لم يحدث هذا (فالقضية) مزيفة. يتم إخفاء الأدلة عندما تكون (القضايا) مزيفة".
وكشفت قضية سافرونوف مدى خطورة عمل الصحافيين المتخصصين في قضايا الأجهزة الخاصة ومجمع التصنيع العسكري، وفق ما لفتت إليه صحيفة "فيدوموستي"، داعيةً إلى ضرورة المراقبة المجتمعية للقضايا التي تتولاها أجهزة القوة، لا سيما السرية منها.
وفي مقال بعنوان "أسرار إيفان سافرونوف التامة"، وصفت الصحيفة الوضع مع صحافيها السابق بأنه "إشارة جديدة وسيئة للغاية لجميع الصحافيين الروس"، لافتةً إلى أن قضيته تشكل سابقة لملاحقة صحافي بتهمة "الخيانة العظمى" لأول مرة منذ عام 1999.
وذكّرت الصحيفة بأن مقالاً سابقاً نشره سافرونوف في "كوميرسانت" حول توريد مقاتلات روسية لمصر أثار، في مايو/ أيار 2019، ردود فعل سلبية على طرفي المحيط الأطلسي. إذ أعربت موسكو عن سخطها من الكشف عن معلومات سرية مقابل استياء واشنطن من قيام أحد حلفائها بشراء طائرات حربية روسية، ما أدى إلى حذف المقال من موقع الجريدة.
واعتبرت "فيدوموستي" أن قضية سافرونوف تشبه تلفيق تهمة الاتجار بالمخدرات للصحافي الاستقصائي إيفان غولونوف، في منتصف العام الماضي، من ناحية "عبث الاتهامات"، مشيرةً إلى مجموعة من التناقضات في القضية، بما فيها سفر سافرونوف مراراً ضمن طاقم الإعلام الرئاسي، ما يعني خضوعه لاستعلامات أمنية متكررة.
وتفرض الدولة رقابة على كافة وسائل الإعلام الكبرى في روسيا. وأخيراً، اشتكى صحافيون يعملون في وسائل إعلام مطبوعة أو في منصات إلكترونية من تزايد التضييق على الحريات الإعلامية والضغوط التي يمارسها الكرملين، بحسب وكالة "فرانس برس".
والإثنين الماضي، فُرضت على المراسلة سفيتلانا بروكوبييفا، من مدينة بسكوف، في شمال غرب البلاد، غرامة مالية تقارب سبعة آلاف دولار "لتبريرها الإرهاب" في قضية أثارت موجة تنديد. وكان الادعاء قد طلب إنزال عقوبة الحبس ست سنوات بحقها على خلفية نشرها تعليقاً على اعتداء بقنبلة.