تعود إلى الواجهة اليوم مجموعة الأزياء التي صممها الراحل إيف سان لوران في عام 1971، والتي أطلقت الصحافة عليها لقب "الفضيحة"، وتتزامن هذه العودة مع المعرض الضخم في باريس بعنوان "أحلام الشرق"، والذي يضم تصاميم سان لوران المستوحاة من الهند والصين واليابان.
وتشكل المجموعة التي استلهمها سان لوران من فترة الاحتلال النازي لباريس انعطافة بارزة في مسيرته. أوحت بصوت مناقض للسائد حينها، ومنعت من دخول الولايات المتحدة. كل هذا لم يكترث له المصمم البارع والذي بقي يتعامل مع هذه الصدمة بثقة المغامر والمجنون. محفزاً نفسه، رغم تورطه حينها في العلاج من الإدمان على المخدرات، على خوض طريق لم يسبقه إليه أحد. طريق مربك ويعترف لاحقاً بأنه من أشد السبل صعوبة، لكن ما هو الفن غير هذا؟ تاركاً للتهميش في عوالم المرأة القوية اللاهية غير المنضبطة، وصاحبة الأهواء أن تجد نفسها في تصاميمه، في خطوط فساتينه وتعرجاتها وعريها وألوانها الصاخبة وتلوثاتها. فلم تكن المرأة في هذه المجموعة المرأة البرجوازية المهتمة برجلها، كتابع جميل له، مثل بيته الأنيق ووظيفته المستقرة، وكصورة مجتمعية ضمن أصدقائه وسهراتهم. بل المرأة هنا متحررة وثائرة على كل مظاهر "التنميط" كسيدة رزينة وتملك مالاً، لكنها بلا سلطة.
موجة مجنونة
هذه المغامرة تستقدم معها الآن موجة "مجنونة" في المشهد الباريسي تشبه نساء اليوم. سيدات أنيقات بأحذية عالية جداً وتنانير قصيرة في عز الطقس البارد، يرتدين جاكيتات فرو خضراء واخزة، ويمشين بثقة في جادات عاصمة الأنوار، وبين نوادي السهر فيها. موجة تعترف الصحف الفرنسية اليوم أنها عودة إلى زمن "فضيحة" سان لوران، والتي عرف أنها أبرز مجموعاته صخباً وثورة. ميزت هذه المجموعة الرجل الذي حرر المرأة من الفستان في يوم ما، وأعارها ما يسمى البنطال الفضفاض، عن باقي المصممين بأنها حملت المرأة من برجوازيتها واستهلاكية الزي إلى ثورته. لغة مختلفة وصادمة تحتكم إلى معاكسة المجتمع التقليدي والصارم. تخرج من عباءته وآلياته وتمعس أيضاً ثقافة دور الأزياء، المحتكمة إلى عقل الرجل كممول للمرأة ومصدر المال لشراء الفساتين.
مجموعة "الفضيحة" في متحف "إيف سان لوران" في باريس (يوتيوب)
وأعطت هذه التشكيلة للمرأة ثقة بنفسها كفرد مستقل ومتحرر، وهو ما حملته من اسم: "تحرر". جعلت الخوف يخرج إلى العلن. احتجاج عارم من هذه المجموعة التي ظهر فيها أيضاَ رجال شبه عراة، وفتيات يعطين وجهاً مختلفاً عن العارضات الحزينات، صاحبات الوجوه الصامتة. إلا أنّ هذه الألبسة جاءت كدعابة، ومن ثم صرخة في وجه التعليب. فساتين ألصقت عليها شفاه متورمة ملأى بأعقاب السجائر، والتي كان سان لوران أول من ابتدعها في عالم الازياء.
زمن الأربعينيات
المجموعة التي قيل عنها بأنها "خطيرة"، وتحمل هدماً للقيم، وتهدد صورة المرأة، وتجعلها في هيئة بائعة الهوى، صمدت كل هذا الوقت في طي النسيان، وإن تم تذكرها بخجل من وقت إلى آخر وعبر معرض وحيد. تستحضر وجودها بكل معانيها وطفوليتها وعبثها الصارخ، وتنتفض على النبذ الذي حوصرت به. خصوصاً أنها تعيدنا إلى زمن أربعينيات القرن العشرين حيث ظهرت فيها الفساتين القصيرة والأحذية ذات المنصات العالية والأكتاف المرتفعة والماكياج الثقيل من تلك الحقبة المرتبكة في زمن التخبطات السياسية والأيديولوجية، وأعطت لاحقاً إلهاماً لمصورين لامعين كثر من أمثال هيلموت نيوتن وجينلوف سييف وبوب ريتشاردسون، والذين وثقوا عبر عارضات مشهورات لكل هذا الإبداع الذي كونه سان لوران في لحظة فارقة من تاريخ الموضة.
أثارت المجموعة جدلاً كبيراً سنة 1971 (Getty)
اقــرأ أيضاً
استفزاز جمالي
وتحمل المجموعة شيئاً من البراءة وقوة الحدس واستفزازاً جمالياً. لا سيما عبر تصميم "الثعلب الأخضر" أو من خلال "بايات" الشفتين المرسومتين المتورمتين على الفساتين، والأوتاد المشدودة عبرها، والفساتين الكلاسيكية المكسوة بالتجاعيد وجذور الشعر الملوّثة وغير المصففة والعمامة التي تدين أكثر من أي وقت آخر الترف الاجتماعي والطبقي منذ عصر ماري أنطوانيت. هذه التصاميم تقود إلى عودة الغريزة والإغراء البريئين، ونوع من انعكاس للنفس العابثة ومضادة للمظهر الإلهي الذي لا يمكن الوصول إليه، الذي تمنينا به دور الأزياء، كملائكة من زمن الإغريق.
تظهر المرأة في "مجموعة الأربعين" (الاسم الآخر للمجموعة رسمياً)، ساخرة ورومانسية وغامضة ونقية. ترضي نفسها قبل أن ترضي الرجل. ترضي أنوثة متحررة، فيها سحر كاف كي توقع أي كائن في شراكها. وكانت المجموعة قد أطلق أول عرض لها في منزل سان لوران في شارع سبونتيني، وهوجم من قبل الصحافة التي لم تر من أعماله إلا الأحكام المسبقة. وكانت آراؤهم محدودة ولا تنظر الى البعيد. وكتبت "صحيفة المساء" يومها أن ما يصنعه سان لوران هو "مهزلة".
بالتأكيد في هذه المجموعة التقى سان لوران بفنه. هنا يتقبل ازدواجيته وقبوله لمآسي طفولته ويستحضر فساتين أمه الفاخرة وكآبته ويدرك أنه حان وقته ليستلهم شيئاً من شبابه وكان في سن الخامسة والثلاثين. وشكلت هذه المجموعة هوية جديدة في الموضة، وأعادت سان لوران الى نفسه، وإلى الفنان المشغول بمغامرته. فلم تعد الموضة فن الخياطة وشكلاً من أشكال الفن ومفردة أكاديمية، بل أصبحت مثل عمل روائي، قصة للفساتين سينمائية ومتقدة بالذكاء والحركة. وبهذا أصبحت ثورة سان لوران مع فضيحته المفترضة هذه هي المفردة التي ستستخدمها مدارس الأزياء اليوم، وتستعيد حضورها مع النساء كموضة هذا الشتاء والربيع المقبل.
استفزاز جمالي
وتحمل المجموعة شيئاً من البراءة وقوة الحدس واستفزازاً جمالياً. لا سيما عبر تصميم "الثعلب الأخضر" أو من خلال "بايات" الشفتين المرسومتين المتورمتين على الفساتين، والأوتاد المشدودة عبرها، والفساتين الكلاسيكية المكسوة بالتجاعيد وجذور الشعر الملوّثة وغير المصففة والعمامة التي تدين أكثر من أي وقت آخر الترف الاجتماعي والطبقي منذ عصر ماري أنطوانيت. هذه التصاميم تقود إلى عودة الغريزة والإغراء البريئين، ونوع من انعكاس للنفس العابثة ومضادة للمظهر الإلهي الذي لا يمكن الوصول إليه، الذي تمنينا به دور الأزياء، كملائكة من زمن الإغريق.
تظهر المرأة في "مجموعة الأربعين" (الاسم الآخر للمجموعة رسمياً)، ساخرة ورومانسية وغامضة ونقية. ترضي نفسها قبل أن ترضي الرجل. ترضي أنوثة متحررة، فيها سحر كاف كي توقع أي كائن في شراكها. وكانت المجموعة قد أطلق أول عرض لها في منزل سان لوران في شارع سبونتيني، وهوجم من قبل الصحافة التي لم تر من أعماله إلا الأحكام المسبقة. وكانت آراؤهم محدودة ولا تنظر الى البعيد. وكتبت "صحيفة المساء" يومها أن ما يصنعه سان لوران هو "مهزلة".
بالتأكيد في هذه المجموعة التقى سان لوران بفنه. هنا يتقبل ازدواجيته وقبوله لمآسي طفولته ويستحضر فساتين أمه الفاخرة وكآبته ويدرك أنه حان وقته ليستلهم شيئاً من شبابه وكان في سن الخامسة والثلاثين. وشكلت هذه المجموعة هوية جديدة في الموضة، وأعادت سان لوران الى نفسه، وإلى الفنان المشغول بمغامرته. فلم تعد الموضة فن الخياطة وشكلاً من أشكال الفن ومفردة أكاديمية، بل أصبحت مثل عمل روائي، قصة للفساتين سينمائية ومتقدة بالذكاء والحركة. وبهذا أصبحت ثورة سان لوران مع فضيحته المفترضة هذه هي المفردة التي ستستخدمها مدارس الأزياء اليوم، وتستعيد حضورها مع النساء كموضة هذا الشتاء والربيع المقبل.