قبل 24 يناير/كانون الثاني الماضي، كان النسيان يُطبق على قرية ابسر أبو علي، لكن تكرار اسمها في إعلان استملاك واستئجار أراضٍ لأغراض مد أنبوب الغاز الإسرائيلي، أعاد تسليط الضوء على "قرية أنصفها التاريخ وظلمها الحاضر"، كما يصفها أحد سكانها. القرية الأردنية التي أعاد تأسيسها رجلٌ واحدٌ قبل نحو 120 عاماً على أنقاض حضارات تعاقبت عليها عبر آلاف السنين، واحدة من 18 قرية وبلدة سيخترقها خط الغاز الإسرائيلي، من دون أن يمنح سكانها حق الاختيار.
تقع القرية إلى الغرب من محافظة إربد الشمالية، تعلو أودية وعرة جعلتها عبر التاريخ مكاناً حصيناً عصياً على الغزاة، ليطلق عليها العثمانيون "بسر" بمعنى الحصينة. وهي تطل على جبال بيسان في فلسطين المحتلة، ما جعلها موقعاً للمدفعية الثقيلة خلال حرب الاستنزاف العربية-الإسرائيلية، إثر هزيمة يونيو/حزيران 1967، حيث لا تزال التحصينات حصينة.
ينظر السكان بكثير من الفخر إلى تاريخ قريتهم التي تقول الشواهد المتناثرة في غفلة من وزارة السياحة والآثار إنه يعود إلى العصر البرونزي المبكر، ويمتد فخرهم إلى جدهم الأول محمد أبو علي الذي أعاد تأسيس القرية، وما تزال أطلال بيوت أبنائه تقاوم الاندثار. في المقابل يتحسرون على واقع القرية، التي تنعدم فيها اليوم التنمية وتغيب عنها الخدمات الأساسية، ما تسبب خلال العقود الماضية بنزوح جماعي طاول 80 في المائة من سكانها، حسب إحصاءات شبه رسمية، تحصي عدد المتبقين بـ289 شخصاً، تلحّ على غالبيتهم فكرة النزوح.
"ما تذكّرونا غير بخط الغاز"، يقول عبد القادر القرعان الذي أدرجت أرضه بإعلان الاستملاك، بينما كان يقلّب مناشدات قدّمها لإنشاء مركز صحي أولي في القرية.
يعتمد السكان في تأمين أبسط حاجياتهم على قرية الطيبة، البعيدة عن قريتهم 4 كيلومترات، ويفصل بينهما وادٍ وعرٍ تتعرج خلاله طريق حذرة لم تصلها المواصلات العامة. لا يوجد في القرية سوى مسجد قديم أعيد ترميمه، ودكان (بقالة) بسيط، ومدرسة ابتدائية مختلطة ينتقل منها الطلبة لمواصلة الدراسة في قرية الطيبة، تقلهم وسائل نقل غير مؤهلة. يذكر عبد القادر أنه في سنوات مضت "كان الطلبة يقطعون الطريق سيراً على الأقدام".
اقــرأ أيضاً
من مردود الأرض أنفق عبد القادر على تدريس خمسة من أبنائه الذكور واثنتين من الإناث، يقول وهو يشير إلى الشهادات المعلقة على جدارٍ في البيت "هذا ما تنتجه الأرض الزراعية". ويعرب عن اعتقاده بأن هدف أنبوب الغاز، تدمير الأرض الزراعية، قائلاً "لازم يحيوا الأرض الميتة مش يموتوا الأرض الحية"، مؤكداً أن استملاك حتى جزء بسيط من أرضه سيتسبب بتدمير كامل الأرض، لذلك حزم عبد القادر أمره بمناهضة قرار الاستملاك "مهما كان الثمن، دفاعاً عن الأرض ورفضاً للتعامل مع العدو".
وأبرمت شركة الكهرباء الوطنية، في 26 سبتمبر/أيلول 2016، صفقة مع شركة "نوبل إنرجي" الأميركية، مشغل حقل "لفيتان" للغاز الطبيعي قبالة السواحل الفلسطينية، ستستورد بموجبها الشركة الأردنية الغاز الإسرائيلي لمدة 15 سنة، اعتباراً من العام 2019، وبكلفة إجمالية للصفقة تبلغ 10 مليارات دولار.
غرب القرية، حيث تنتشر الآبار الرومانية المكشوفة، والحجارة الأثرية التي يعتقد السكان أنها سقوف قرية مدفونة تحت الأرض، كان رائد القرعان يعتني بأرضه المزروعة بأشجار الزيتون واللوز والعنب. وقع نصف دونم من أرض رائد القرعان على خط أنبوب الغاز، وهو أمر يثير غيظه. يقول المتقاعد من القوات المسلحة منذ العام 2013 "خدمت في الجيش وأعرف شو يعني إسرائيليين، ما إلهم أمان"، مضيفاً: "لو خط الغاز جاي من دولة عربية، خاصة من العراق، يأخذوا الأرض كلها ببلاش مش بس نص الدونم، وفوقها بندفع من جيوبنا، لكن غاز من إسرائيل، لا".
وبموجب الإعلان الذي نُشر لأغراض وزارة الطاقة، سيتم استملاك 344 دونماً و166 متراً، واستئجار 611 دونماً و763 متراً، على طول خط الأنبوب من نقطة التزويد على الحدود الأردنية بالقرب من معبر الشيخ حسين، ولغاية نقطة الربط في قرية الخناصري التابعة لمحافظة المفرق شمال شرق المملكة. ويمنح قانون الاستملاك رئاسة الوزراء حق إصدار قرار بالموافقة على استملاك وحيازة المساحات المحددة، استملاكاً مطلقاً وحيازة فورية، بعد مضي 15 يوماً على نشر الإعلان.
ليس بعيداً عن أرض رائد القرعان، خلّف المساحون وراءهم خطاً أحمر يحدد مسار الأنبوب في القرية، وعنه يقول القرعان: "قبل ثلاثة شهور شاهدت غرباء يعملون في المكان، وعندما سألتهم ماذا يفعلون قالوا إنهم مبعوثون من الحكومة، من دون أن يتحدثوا عن أنبوب الغاز".
على بعد أمتار قليلة إلى الغرب من الخط الأحمر، تقع تحصينات إسمنتية استخدمتها المدفعية الثقيلة للجيش العراقي التي رابطت في مدينة إربد بالتنسيق مع الجيش الأردني خلال حرب الاستنزاف العربية-الإسرائيلية، في أعقاب هزيمة يونيو/حزيران 1967. يتساءل رائد القرعان، وهو ينظر إلى التحصينات العسكرية " شو راح يعني لو عبر خط الغاز من هنا"؟
أما أبو محمود القرعان، أكثر المتضررين من قرار الاستملاك، بمساحة تقدر بـ12 دونماً من أرضه، فيسأل: "شو نعمل؟ لو قلنا مش موافقين في حد راح يسمعنا"؟ يعلن من أمام بيته، الملاصق لبيت قديم يعتقد أنه يعود لأحد أبناء الجد المؤسس محمد أبو علي، أنه سيرحل عن القرية في حال تم استملاك أرضه بالقوة. يقول أبو محمود: "بعد أن يستملكوا الأرض ويعطونا تعويضات قليلة، وبعد أن يُمد أنبوب الغاز الإسرائيلي، لماذا نبقى في القرية، هل نبقى حتى يصل اليوم الذي يأتي إسرائيلي إلى هنا يقول لنا: شلوم خبيبي".
وعلى الرغم من رجاحة كفة مناهضي الأنبوب، يوجد في ابسر أبو علي من يتلهفون للبدء بالمشروع، معتقدين أن خط الغاز الإسرائيلي سيجلب معه التنمية التي حُرموا منها عقوداً، بعد أن ذكّر بقريتهم المنسية.
اقــرأ أيضاً
ينظر السكان بكثير من الفخر إلى تاريخ قريتهم التي تقول الشواهد المتناثرة في غفلة من وزارة السياحة والآثار إنه يعود إلى العصر البرونزي المبكر، ويمتد فخرهم إلى جدهم الأول محمد أبو علي الذي أعاد تأسيس القرية، وما تزال أطلال بيوت أبنائه تقاوم الاندثار. في المقابل يتحسرون على واقع القرية، التي تنعدم فيها اليوم التنمية وتغيب عنها الخدمات الأساسية، ما تسبب خلال العقود الماضية بنزوح جماعي طاول 80 في المائة من سكانها، حسب إحصاءات شبه رسمية، تحصي عدد المتبقين بـ289 شخصاً، تلحّ على غالبيتهم فكرة النزوح.
"ما تذكّرونا غير بخط الغاز"، يقول عبد القادر القرعان الذي أدرجت أرضه بإعلان الاستملاك، بينما كان يقلّب مناشدات قدّمها لإنشاء مركز صحي أولي في القرية.
يعتمد السكان في تأمين أبسط حاجياتهم على قرية الطيبة، البعيدة عن قريتهم 4 كيلومترات، ويفصل بينهما وادٍ وعرٍ تتعرج خلاله طريق حذرة لم تصلها المواصلات العامة. لا يوجد في القرية سوى مسجد قديم أعيد ترميمه، ودكان (بقالة) بسيط، ومدرسة ابتدائية مختلطة ينتقل منها الطلبة لمواصلة الدراسة في قرية الطيبة، تقلهم وسائل نقل غير مؤهلة. يذكر عبد القادر أنه في سنوات مضت "كان الطلبة يقطعون الطريق سيراً على الأقدام".
"هذه قرية منسية"، يقول السبعيني الذي تقاعد من القوات المسلحة عام 1983 لينصرف للاعتناء بأشجار الزيتون في الأرض التي ورثها عن والده، وزراعة القمح. ينظر إلى ابنه الذي يحمل درجة الماجستير في علم النفس، ويقول "مش حرام أنه بعده بلا شغل، ولو اشتغل في إربد أو العاصمة الراتب ما راح يكفي مواصلات أو سكن".
من مردود الأرض أنفق عبد القادر على تدريس خمسة من أبنائه الذكور واثنتين من الإناث، يقول وهو يشير إلى الشهادات المعلقة على جدارٍ في البيت "هذا ما تنتجه الأرض الزراعية". ويعرب عن اعتقاده بأن هدف أنبوب الغاز، تدمير الأرض الزراعية، قائلاً "لازم يحيوا الأرض الميتة مش يموتوا الأرض الحية"، مؤكداً أن استملاك حتى جزء بسيط من أرضه سيتسبب بتدمير كامل الأرض، لذلك حزم عبد القادر أمره بمناهضة قرار الاستملاك "مهما كان الثمن، دفاعاً عن الأرض ورفضاً للتعامل مع العدو".
وأبرمت شركة الكهرباء الوطنية، في 26 سبتمبر/أيلول 2016، صفقة مع شركة "نوبل إنرجي" الأميركية، مشغل حقل "لفيتان" للغاز الطبيعي قبالة السواحل الفلسطينية، ستستورد بموجبها الشركة الأردنية الغاز الإسرائيلي لمدة 15 سنة، اعتباراً من العام 2019، وبكلفة إجمالية للصفقة تبلغ 10 مليارات دولار.
غرب القرية، حيث تنتشر الآبار الرومانية المكشوفة، والحجارة الأثرية التي يعتقد السكان أنها سقوف قرية مدفونة تحت الأرض، كان رائد القرعان يعتني بأرضه المزروعة بأشجار الزيتون واللوز والعنب. وقع نصف دونم من أرض رائد القرعان على خط أنبوب الغاز، وهو أمر يثير غيظه. يقول المتقاعد من القوات المسلحة منذ العام 2013 "خدمت في الجيش وأعرف شو يعني إسرائيليين، ما إلهم أمان"، مضيفاً: "لو خط الغاز جاي من دولة عربية، خاصة من العراق، يأخذوا الأرض كلها ببلاش مش بس نص الدونم، وفوقها بندفع من جيوبنا، لكن غاز من إسرائيل، لا".
وبموجب الإعلان الذي نُشر لأغراض وزارة الطاقة، سيتم استملاك 344 دونماً و166 متراً، واستئجار 611 دونماً و763 متراً، على طول خط الأنبوب من نقطة التزويد على الحدود الأردنية بالقرب من معبر الشيخ حسين، ولغاية نقطة الربط في قرية الخناصري التابعة لمحافظة المفرق شمال شرق المملكة. ويمنح قانون الاستملاك رئاسة الوزراء حق إصدار قرار بالموافقة على استملاك وحيازة المساحات المحددة، استملاكاً مطلقاً وحيازة فورية، بعد مضي 15 يوماً على نشر الإعلان.
ليس بعيداً عن أرض رائد القرعان، خلّف المساحون وراءهم خطاً أحمر يحدد مسار الأنبوب في القرية، وعنه يقول القرعان: "قبل ثلاثة شهور شاهدت غرباء يعملون في المكان، وعندما سألتهم ماذا يفعلون قالوا إنهم مبعوثون من الحكومة، من دون أن يتحدثوا عن أنبوب الغاز".
على بعد أمتار قليلة إلى الغرب من الخط الأحمر، تقع تحصينات إسمنتية استخدمتها المدفعية الثقيلة للجيش العراقي التي رابطت في مدينة إربد بالتنسيق مع الجيش الأردني خلال حرب الاستنزاف العربية-الإسرائيلية، في أعقاب هزيمة يونيو/حزيران 1967. يتساءل رائد القرعان، وهو ينظر إلى التحصينات العسكرية " شو راح يعني لو عبر خط الغاز من هنا"؟
وعلى الرغم من رجاحة كفة مناهضي الأنبوب، يوجد في ابسر أبو علي من يتلهفون للبدء بالمشروع، معتقدين أن خط الغاز الإسرائيلي سيجلب معه التنمية التي حُرموا منها عقوداً، بعد أن ذكّر بقريتهم المنسية.