اتفاقية سان ريمو... مائة عام على الهيمنة والتقسيم
منذ البدء كان النفط
في المدة الفاصلة تاريخيا بين أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أو ما يسمى -اتفاقا- بالتاريخ الحديث، بدأت مساعي الهيمنة والتدخلات الغربية تتكشف، على نحو واضح، تجاه المنطقة العربية. وكما يتداخل التاريخ بالسياسة، فإن الاقتصاد يأتي لصيقا بهما؛ ليؤدي دوره، محققا شمولية النظرة التاريخية، لذلك قالوا إن الاقتصاد هو محرك التاريخ، وجعلوه الوجه الآخر للسياسة. ومن هذا المنطلق أتت تحركات الدول، وموازين القوى الغربية في المنطقة العربية.
لقد اختبرت المنطقة تحولات مرهونة بالعوامل الاقتصادية، وكانت المصالح النفطية هي المحفز الرئيسي للسياسة العالمية. ومن مراحل مبكرة، كانت الدولة العثمانية هدفا للتغلغل الأجنبي الذي اتخذ أشكالا مختلفة؛ كالامتيازات الأجنبية، والقروض، وامتيازات السكك الحديدية (التعدين لاحقا)، والملاحة، والاستثمارات المالية والبنوك.
واحتدمت المنافسة بين أطراف هذا التغلغل الأجنبي، وازدادت محاولاته في فرض نفوذه وسيطرته على الإمبراطورية العثمانية، بظهور بوادر النفط في المنطقة قبيل الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وبعد أول اكتشاف نفطي في أرض عربية -حقل نفط خانه في المناطق الحدودية مع فارس - سنة 1909.
وأطلت اتفاقية سان ريمو (San Remo) النفطية برأسها، لتغدو صاحبة الأثر الكبير في تاريخ المنطقة الحديث ومستقبله، ولتضع يدها على خيرات البلاد العربية، وتقسمها بين أطراف الدول المنتصرة بالحرب العالمية الأولى.
ويمكن القول إن المصالح الأجنبية كانت قد بدأت منذ عام 1903؛ أي بربط امتيازات السكك الحديدية بحقوق التنقيب عن المعادن ضمن المنطقة المراد تشغيل خط السكة فيها، بما يطلق عليه حقوق التعدين ضمن مساحة عرضها عشرون كيلومترا من الجانبين، في الأراضي التي تمتد على خط السكة المراد إنشاؤها.
لقد قامت بريطانيا بعمل ترتيبات لتقسيم نفط المنطقة بين الشركات والمصالح التنافسية منذ عام 1913، إلا أنها لم تكتف بما حققته من مصالح نفطية من خلال الحكومة العثمانية، بل سعت لأكثر من ذلك؛ إذ كانت تحاول الاستحواذ على الامتيازات النفطية في أراضي الدولة العثمانية، في ظل منافستها مع ألمانيا على هذه المصالح، بعد أن أصبح النفط مصدرا حيويا للطاقة في العالم.
ويمكن اعتبار أن الهدف من جر الدولة العثمانية إلى غمار الحرب العالمية الأولى كان طمعا في تحقيق قدر أكبر من المصالح النفطية؛ إذ كانت بريطانيا مصممة على الاحتفاظ بمكانتها المتفوقة في المنطقة مهما اختلفت الأوضاع، وبذلك، فلم يسمح للدولة العثمانية بالبقاء على موقف الحياد الذي أعلنته سابقا في 3 أغسطس/آب 1914، وكان لا بد من إقحامها بالحرب؛ كي تحقق بريطانيا الأهداف التي تطمح إليها.
من سايكس بيكو إلى سان ريمو.. "الحلفاء" الأعداء
وبذلك، فقد كان للنفط الدور الأساسي في تشكيل السياسة الغربية في منطقة الشرق الأوسط، في الفترة التي سبقت وتلت الحرب العالمية الأولى، ما دعا بريطانيا وحلفاءها للانشغال بمسألة تأمين مخزون النفط وإمداداته، وجعلت منه الهدف الأساسي في سياستها.
ورغم محاولات بريطانيا الانفراد بنفط المنطقة، إلا أن الظروف الدولية لم تساعدها في مبتغاها؛ إذ لم تكد تتخلص من المنافسة الألمانية حتى ظهرت فرنسا على الساحة، وقد سعت إلى ضمان مصالح نفطية لها في الشرق الأوسط، لذلك، فقد بدأت المفاوضات السرية بينهما لاقتسام أراضي الدولة العثمانية. ويظهر في الوثائق الأجنبية أن العلاقات البريطانية الفرنسية توترت بسبب هذه الترتيبات؛ ففي العلن، كانت بريطانيا وفرنسا جزءا مما يطلق عليه "الحلفاء" في الحرب العالمية الأولى، أما في المراسلات السرية وترتيبات تقسيم المناطق والمصالح، فقد شهدت العلاقة شيئا من التوتر والعداء.
وبالعودة لموضوع التفاهمات البريطانية - الفرنسية، فقد تم تبادل المذكرات التي عينت حصة كل منهما بين وزارة الخارجية البريطانية والسفارة الفرنسية في لندن عام 1916، وصولا إلى توقيع اتفاقية سايكس - بيكو (The Sykes–Picot Agreement 16) مارس/آذار 1916 التي احتفظت فرنسا بموجبها بالسيادة على ولاية الموصل، لأن بريطانيا -آنذاك- كانت تفكر في أن تجعل من الوجود الفرنسي في الموصل حاجزا بينها وبين روسيا؛ لذلك وافقت على إعطائها الولاية، ولكن بريطانيا، بعد الثورة البلشفية في عام 1917، ومع انشغال روسيا عن شؤون الشرق الأوسط، كانت قد تراجعت عن ذلك الاتفاق، خاصة مع وجود إغراءات النفط، فلم تصادق، بداية، على الاتفاق النهائي لسايكس - بيكو، وجعلت المصادقة مشروطة بتعهد فرنسا الالتزام بجميع الامتيازات التي كانت تتمتع بها بريطانيا قبل الحرب في المناطق التي ستخضع للنفوذ الفرنسي.
ورغم تقديم فرنسا لهذا التعهد، إلا أن بريطانيا أخذت تتنصل من هذا الاتفاق، وحاولت ضم منطقة الموصل إلى نفوذها، فهددت فرنسا -في حال عدم منحها حصة في نفط الموصل- بمعارضة فعالية امتياز 1914 الممنوح لشركة النفط التركية، وبأنها ستضع العراقيل في وجه مد خط الأنابيب إلى البحر المتوسط.
ويعتقد أن فرنسا كانت على اتصال بشركة ستاندرد أويل الأميركية، وأنها كانت ستلجأ إلى الولايات المتحدة، لتشكلا معا ثقلا ضاغطا في سبيل تطبيق سياسة "الباب المفتوح" حيال نفط بلاد ما بين النهرين، في حال عدم اتفاق بريطانيا معها.
لقد درجت عادة العرب على إلقاء اللوم على سايكس بيكو وبلفور (Balfour Declaration 1917)، وما نتج عن هذه الاتفاقيات، من تقسيم للمنطقة العربية وتفتيت لأجزائها، ونهب لخيراتها، لكن كثيرين تغيب عنهم، ربما، أو يغفلون حقيقة ما أسفر عنه المؤتمر الذي عقد قبل مائة عام من اليوم في 25 إبريل/نيسان 1920، ووقع اتفاقيته مندوبو الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى "دول الحلفاء" في مدينة سان ريمو الإيطالية، لحل مسألة النزاع النفطي، وضمان مصالح كل طرف بينهم. كان لهذه الاتفاقية الأهمية العظمى في ما حصل تباعا في منطقتنا العربية؛ فقد رسمت هذه الاتفاقية مستقبل المشرق العربي وحدوده السياسية إلى يومنا هذا.
وتم بموجب اتفاقية سان ريمو، التي ضمت 28 مادة، تقسيم المشرق العربي دون خريطة مرسومة وملحقة مع الوثيقة، على غير عادة الاتفاقيات المعقودة سابقا؛ بل إنه لم يتم تعيين الحدود بدقة في مناطق النفط إلا على إثر مؤتمر العقير الذي تم عقده في 2 ديسمر/كانون الأول 1922، لتقسيم المغانم ورسم الحدود.
لقد اختلفت اتفاقية سان ريمو عن سايكس بيكو بأن الأخيرة قسمت العراق وسورية إلى عدة أقسام، أما سان ريمو فقد جعلت من التقسيمات عراق وسورية بمفهومها الحديث. مع العلم بأن هذا الأمر لم يطبق في حالة الأراضي العربية في الحدود السورية الغربية والجنوبية؛ نظرا لخصوصية الظرف في فلسطين وشرق الأردن ولبنان.
أما في ما يخص وعد بلفور الذي لم يكن قبل سان ريمو وثيقة قانونية، فقد أصبح بسبب نتائج هذا المؤتمر وثيقة قابلة للتنفيذ قانونيا، وذلك عبر ترسيخه وإدراجه بوصفه بندا كاملا في قرار اعتمدته لاحقا عصبة الأمم، ووافقت عليه الدول المجتمعة، فكان هذا التعديل الذي أدخل على صياغة وعد بلفور هو تأكيد بريطانيا إلتزامها بتنفيذ وعدها لليهود.
إذ جاء في هذه الاتفاقية أن الفرقاء المتعاهدين "الحلفاء" متفقون على وضع فلسطين -حسب عهد عصبة الأمم- تحت انتداب دولة ينتخبونها. وهذه الدولة المنتدبة تكون مسؤولة عن وضع الوعد الذي أعطته الحكومة البريطانية في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 ووافقت عليه دول الحلفاء، موضع التنفيذ، وهو السعي لإنشاء وطن قومي لليهود. وهكذا رتبت التقسيمات والانتدابات في المنطقة العربية حسب مصالح دول الحلفاء دون أن يكون للعرب علم بها، أو موافقة عليها.
من خلال مؤتمر سان ريمو، وصلت بريطانيا وفرنسا إلى اتفاق نفطي، وتمكنتا من تسوية خلافاتهما حول نفط الموصل، في اتفاقية النفط التي عقدت بينهما في 25 إبريل/نيسان 1920 -إلا أن بريطانيا لم تتمكن من تجاوز المنافسة الأميركية-.
واشتملت الاتفاقية على مواد تتعلق بتوحيد المصالح النفطية بين البلدين. وفي ما يخص بلاد ما بين النهرين، فقد تعهدت الحكومة البريطانية بمنح الحكومة الفرنسية، أو من ينوب عنها 25% من صافي إنتاج النفط الخام؛ أي إنها أكدت ما جاء في الاتفاقيات السابقة، كما أقرت أن تكون الشركة المعنية تحت السيطرة البريطانية الدائمة، إضافة إلى ضرورة أن توافق الحكومة الفرنسية -في حال تقديم الطلب- على بناء خطي أنابيب منفصلين، مع السكك الحديدية اللازمة لبنائهما وإدامتهما، وبنقل شحنات النفط من بلاد ما بين النهرين وفارس عبر منطقة النفوذ الفرنسي إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، وتتعهد فرنسا بتقديم كافة التسهيلات لحقوق المرور من دون أي مطالبة بأي رسوم على النفط المنقول. وفي حال رغبت شركة النفط المعنية في مد خط أنابيب وسكة حديد إلى الخليج العربي، فإن الحكومة البريطانية ستستعمل دوائرها لضمان منح تسهيلات مماثلة لمثل هذا الغرض.
وباتفاق سان ريمو تم استبعاد شركات النفط الأميركية من المشاركة في تقاسم المصالح النفطية في المنطقة، ما أثار احتجاجات قوية لدى الشركات الأميركية التي كانت تخشى أن يتم حرمانها من الوصول إلى مصادر النفط في الشرق الأوسط. فسارعت -عن طريق وزارة خارجيتها- بالاتصال بالحكومة البريطانية، مبدية اعتراضها على انشغال بريطانيا العظمى بإحكام السيطرة على احتياطات النفط في هذه المنطقة، وتقسيمها للمصالح النفطية وفق رغبتها، الأمر الذي دعا السفير الأميركي جون ديفيس (John W. Davis) لأن يرسل برسالة إلى اللورد كورزون (The Lord Curzon) وزير الدولة للشؤون الخارجية يوم 12 مايو/أيار 1920 اعتبرت الولايات المتحدة الأميركية فيها أن بريطانيا تعطي نفسها صلاحيات وامتيازات خاصة في الأراضي التي فرض عليها الانتداب، ولا سيما المنطقة التي أصبح يطلق عليها العراق، إلا أن بريطانيا أنكرت هذا الأمر، وردت بأن هذه الاتهامات بنيت على انطباع خاطئ حول السياسة النفطية، وأوضحت أن الولايات المتحدة الأميركية تتحكم بإنتاج 70% من الإنتاج النفطي في العالم، وتمتلك شركات النفط الأميركية ما يقدر بثلاثة أرباع إنتاج المكسيك، ويقدر بنحو 12% إضافية، وبالمقابل، فإن إنتاج الإمبراطورية البريطانية يقدر، بالإضافة إلى إنتاج شركة النفط الأنجلو – فارسية، بـ4.5 % فقط من إجمالي الإنتاج العالمي.
ولأن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن قد أعلنت الحرب على الدولة العثمانية، لذلك فقد واجهت صعوبة في لعب دور مباشر في المفاوضات التي جرت آنذاك، ومع ذلك، فإنها لم تقبل بتقسيم الغنائم الذي تم في سان ريمو، وكان لا بد من إعادة تفسير الاتفاق البريطاني - الفرنسي سان ريمو 1920؛ لضمان فتح الباب أمام شركات النفط الأميركية في الأراضي التي خسرتها الدولة العثمانية، قبل الحصول على موافقة واشنطن على الانتداب البريطاني على فلسطين، وكان على بريطانيا التأكيد -وبشكل متكرر- على حماية المصالح الأميركية الخاصة في الأراضي المقدسة.
وبناء على ذلك، قامت وزارة الخارجية الأميركية بالضغط على مكتب الخارجية البريطاني حتى وافق على مراجعة اتفاقية الخط الأحمر الشهيرة (The Red Line Agreement)، وهي اتفاقية وقعت في عام 1928 بين الشركاء في شركة النفط التركية (TPC)، لاحتكار نفط الشرق الأوسط، أو ما يطلق عليه الكارتل النفطي ذو النفوذ الهائل في الأراضي العثمانية السابقة.
انتهى مؤتمر سان ريمو بالموافقة على معاهدة سيفر (Sevres) 10 أغسطس/آب 1920 بكل ترتيبها، كما تضمنت نتائجه تقسيم المنطقة العربية إلى كيانات وأجزاء عدة؛ العراق وسورية الطبيعية إلى 4 أقسام ( لبنان - شرقي الأردن - فلسطين - وما تبقى من سورية)، وأقرت نظام الانتداب بحسب مصالح الدول المنتصرة بالحرب؛ الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، والانتداب البريطاني على فلسطين وشرق الأردن والعراق، مع الالتزام بتحقيق وعد بلفور، ما أدى إلى حدوث مواجهات بين العرب واليهود (العصابات الصهيونية) في فلسطين.
ويبدو أن فرنسا لم تنس الخلاف الذي حصل بينها وبين بريطانيا سابقا ما جعلها تقدم الدعم للعصابات الصهيونية في فلسطين ضد المصالح البريطانية نكاية بالبريطانيين. وفي هذا الصدد، يكشف كتاب (خط في الرمال) للكاتب البريطاني جيمس بار، معلومات غاية في الأهمية، تتناول فترة ما بين الحربيين العالميتين في الشرق الأوسط، ويسلط الضوء على الأحداث التي تتعلق بالصراع البريطاني الفرنسي في المشرق العربي منذ سايكس بيكو ووعد بلفور، وحتى الأحداث التي شكلت تاريخ المنطقة من ثورات ومراسلات.
إلا أن أهمية كتاب جيمس بار تأتي في كشفه عن اللغز الذي حير الحكومة البريطانية في تلك الفترة؛ حول من الذي كان يمول تسليح العصابات الصهيونية في فلسطين ضد المصالح البريطانية، إذ أثبت جيمس بار، من خلال الوثائق، تورط فرنسا في تمويل ودعم هذه الهجمات ضد بريطانيا.
وبذلك منحت عصبة الأمم فرنسا وبريطانيا حق الانتداب على المنطقة العربية، كما لو كان الأمر قد حدث بناء على رغبة الأهالي والسكان، بينما كان الواقع مخالفا لذلك تماما؛ فقد قامت الصدامات واندلعت الثورات على إثر هذه القرارات التي تم فيها تحييد العرب عن حق تقرير مصيرهم، وتجاهل رغبتهم كليا، بل إن الانتداب لم يكن بالنسبة لهم إلا شكلا من أشكال الاستعمار الجديد، فلم يكن من العرب الوحدويين إلا مواجهة قرارات سان ريمو، ورفض الانتداب المفروض عليهم.
أما بالنسبة لسورية التي كانت ذروة رفضها للانتداب في يوليو/تموز 1920، حينما واجه العرب في سورية القوات الفرنسية كوسيلة وحيدة من الوطنيين للدفاع عن حق العرب بالوحدة والاستقلال، لكن لأسباب عدة فقد تم دحر القوات الوطنية في معركة ميسلون، واحتل الجيش الفرنسي دمشق، وانتهت أول دولة عربية حديثة تأسست في بلاد الشام بعد الحرب العالمية الأولى، وانتهى معها حلم الاستقلال والوحدة بشكل كامل في نفوس عرب بلاد الشام.
وبالنظر إلى الدور الذي اضطلعت به فلسطين في مقاومتها الانتداب، فقد قامت المظاهرات والصدامات مع الجنود البريطانيين الذين اعتبرهم الشعب الفلسطيني المسؤولين عن الهجرة اليهودية، وتحركات العصابات الصهيونية في فلسطين، وقامت ثورات عديدة ضدهم؛ من ثورة موسم النبي موسى في إبريل/نيسان من عام 1920، وقبل معرفة نتائج مؤتمر سان ريمو، إذ عدت هذه الثورة بداية الانتفاضات الشعبية الكبرى على الوجود البريطاني.
وعلى إثر وضع العراق كاملا تحت الانتداب البريطاني، والتحكم بثرواته وموارده كافة، فقد ثار العراق، وقامت المظاهرات التي تحولت إلى ثورة مسلحة ضد الانتداب وسياسته القمعية الوحشية بعد إعدام ستة من قادة التحرر الوطني العراقي، وبدأت ثورتهم بعد مضي شهر واحد على معاهدة سان ريمو بمظاهرات واسعة تحولت من حركة احتجاجية سلمية ضد الانتداب إلى ثورة مسلحة ضد الإنكليز، عرفت لاحقا بثورة العشرين.
أخيرا، يمكن القول إن دأب بريطانيا وفرنسا على إخماد كل شكل من أشكال المقاومة في المنطقة العربية -آنذاك- كان ضروريا من وجهة نظر استعمارية، للحفاظ على مصالحهما، وتثبيتا لوجود كل منهما في المنطقة.
وبالنظر إلى كون النفط متصدرا في الأولوية، وعلى رأس هذه المصالح، وهو سبب تمسك المستعمر الجديد بالمنطقة، فإن أي ثورة في الأرض العربية لن تكتمل فرص نجاحها ما دامت آبار النفط وحقول الغاز ومنابعه تضخ من باطن هذه الأراضي.
في المدة الفاصلة تاريخيا بين أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أو ما يسمى -اتفاقا- بالتاريخ الحديث، بدأت مساعي الهيمنة والتدخلات الغربية تتكشف، على نحو واضح، تجاه المنطقة العربية. وكما يتداخل التاريخ بالسياسة، فإن الاقتصاد يأتي لصيقا بهما؛ ليؤدي دوره، محققا شمولية النظرة التاريخية، لذلك قالوا إن الاقتصاد هو محرك التاريخ، وجعلوه الوجه الآخر للسياسة. ومن هذا المنطلق أتت تحركات الدول، وموازين القوى الغربية في المنطقة العربية.
لقد اختبرت المنطقة تحولات مرهونة بالعوامل الاقتصادية، وكانت المصالح النفطية هي المحفز الرئيسي للسياسة العالمية. ومن مراحل مبكرة، كانت الدولة العثمانية هدفا للتغلغل الأجنبي الذي اتخذ أشكالا مختلفة؛ كالامتيازات الأجنبية، والقروض، وامتيازات السكك الحديدية (التعدين لاحقا)، والملاحة، والاستثمارات المالية والبنوك.
واحتدمت المنافسة بين أطراف هذا التغلغل الأجنبي، وازدادت محاولاته في فرض نفوذه وسيطرته على الإمبراطورية العثمانية، بظهور بوادر النفط في المنطقة قبيل الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وبعد أول اكتشاف نفطي في أرض عربية -حقل نفط خانه في المناطق الحدودية مع فارس - سنة 1909.
وأطلت اتفاقية سان ريمو (San Remo) النفطية برأسها، لتغدو صاحبة الأثر الكبير في تاريخ المنطقة الحديث ومستقبله، ولتضع يدها على خيرات البلاد العربية، وتقسمها بين أطراف الدول المنتصرة بالحرب العالمية الأولى.
ويمكن القول إن المصالح الأجنبية كانت قد بدأت منذ عام 1903؛ أي بربط امتيازات السكك الحديدية بحقوق التنقيب عن المعادن ضمن المنطقة المراد تشغيل خط السكة فيها، بما يطلق عليه حقوق التعدين ضمن مساحة عرضها عشرون كيلومترا من الجانبين، في الأراضي التي تمتد على خط السكة المراد إنشاؤها.
لقد قامت بريطانيا بعمل ترتيبات لتقسيم نفط المنطقة بين الشركات والمصالح التنافسية منذ عام 1913، إلا أنها لم تكتف بما حققته من مصالح نفطية من خلال الحكومة العثمانية، بل سعت لأكثر من ذلك؛ إذ كانت تحاول الاستحواذ على الامتيازات النفطية في أراضي الدولة العثمانية، في ظل منافستها مع ألمانيا على هذه المصالح، بعد أن أصبح النفط مصدرا حيويا للطاقة في العالم.
ويمكن اعتبار أن الهدف من جر الدولة العثمانية إلى غمار الحرب العالمية الأولى كان طمعا في تحقيق قدر أكبر من المصالح النفطية؛ إذ كانت بريطانيا مصممة على الاحتفاظ بمكانتها المتفوقة في المنطقة مهما اختلفت الأوضاع، وبذلك، فلم يسمح للدولة العثمانية بالبقاء على موقف الحياد الذي أعلنته سابقا في 3 أغسطس/آب 1914، وكان لا بد من إقحامها بالحرب؛ كي تحقق بريطانيا الأهداف التي تطمح إليها.
من سايكس بيكو إلى سان ريمو.. "الحلفاء" الأعداء
وبذلك، فقد كان للنفط الدور الأساسي في تشكيل السياسة الغربية في منطقة الشرق الأوسط، في الفترة التي سبقت وتلت الحرب العالمية الأولى، ما دعا بريطانيا وحلفاءها للانشغال بمسألة تأمين مخزون النفط وإمداداته، وجعلت منه الهدف الأساسي في سياستها.
ورغم محاولات بريطانيا الانفراد بنفط المنطقة، إلا أن الظروف الدولية لم تساعدها في مبتغاها؛ إذ لم تكد تتخلص من المنافسة الألمانية حتى ظهرت فرنسا على الساحة، وقد سعت إلى ضمان مصالح نفطية لها في الشرق الأوسط، لذلك، فقد بدأت المفاوضات السرية بينهما لاقتسام أراضي الدولة العثمانية. ويظهر في الوثائق الأجنبية أن العلاقات البريطانية الفرنسية توترت بسبب هذه الترتيبات؛ ففي العلن، كانت بريطانيا وفرنسا جزءا مما يطلق عليه "الحلفاء" في الحرب العالمية الأولى، أما في المراسلات السرية وترتيبات تقسيم المناطق والمصالح، فقد شهدت العلاقة شيئا من التوتر والعداء.
وبالعودة لموضوع التفاهمات البريطانية - الفرنسية، فقد تم تبادل المذكرات التي عينت حصة كل منهما بين وزارة الخارجية البريطانية والسفارة الفرنسية في لندن عام 1916، وصولا إلى توقيع اتفاقية سايكس - بيكو (The Sykes–Picot Agreement 16) مارس/آذار 1916 التي احتفظت فرنسا بموجبها بالسيادة على ولاية الموصل، لأن بريطانيا -آنذاك- كانت تفكر في أن تجعل من الوجود الفرنسي في الموصل حاجزا بينها وبين روسيا؛ لذلك وافقت على إعطائها الولاية، ولكن بريطانيا، بعد الثورة البلشفية في عام 1917، ومع انشغال روسيا عن شؤون الشرق الأوسط، كانت قد تراجعت عن ذلك الاتفاق، خاصة مع وجود إغراءات النفط، فلم تصادق، بداية، على الاتفاق النهائي لسايكس - بيكو، وجعلت المصادقة مشروطة بتعهد فرنسا الالتزام بجميع الامتيازات التي كانت تتمتع بها بريطانيا قبل الحرب في المناطق التي ستخضع للنفوذ الفرنسي.
ورغم تقديم فرنسا لهذا التعهد، إلا أن بريطانيا أخذت تتنصل من هذا الاتفاق، وحاولت ضم منطقة الموصل إلى نفوذها، فهددت فرنسا -في حال عدم منحها حصة في نفط الموصل- بمعارضة فعالية امتياز 1914 الممنوح لشركة النفط التركية، وبأنها ستضع العراقيل في وجه مد خط الأنابيب إلى البحر المتوسط.
ويعتقد أن فرنسا كانت على اتصال بشركة ستاندرد أويل الأميركية، وأنها كانت ستلجأ إلى الولايات المتحدة، لتشكلا معا ثقلا ضاغطا في سبيل تطبيق سياسة "الباب المفتوح" حيال نفط بلاد ما بين النهرين، في حال عدم اتفاق بريطانيا معها.
لقد درجت عادة العرب على إلقاء اللوم على سايكس بيكو وبلفور (Balfour Declaration 1917)، وما نتج عن هذه الاتفاقيات، من تقسيم للمنطقة العربية وتفتيت لأجزائها، ونهب لخيراتها، لكن كثيرين تغيب عنهم، ربما، أو يغفلون حقيقة ما أسفر عنه المؤتمر الذي عقد قبل مائة عام من اليوم في 25 إبريل/نيسان 1920، ووقع اتفاقيته مندوبو الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى "دول الحلفاء" في مدينة سان ريمو الإيطالية، لحل مسألة النزاع النفطي، وضمان مصالح كل طرف بينهم. كان لهذه الاتفاقية الأهمية العظمى في ما حصل تباعا في منطقتنا العربية؛ فقد رسمت هذه الاتفاقية مستقبل المشرق العربي وحدوده السياسية إلى يومنا هذا.
وتم بموجب اتفاقية سان ريمو، التي ضمت 28 مادة، تقسيم المشرق العربي دون خريطة مرسومة وملحقة مع الوثيقة، على غير عادة الاتفاقيات المعقودة سابقا؛ بل إنه لم يتم تعيين الحدود بدقة في مناطق النفط إلا على إثر مؤتمر العقير الذي تم عقده في 2 ديسمر/كانون الأول 1922، لتقسيم المغانم ورسم الحدود.
لقد اختلفت اتفاقية سان ريمو عن سايكس بيكو بأن الأخيرة قسمت العراق وسورية إلى عدة أقسام، أما سان ريمو فقد جعلت من التقسيمات عراق وسورية بمفهومها الحديث. مع العلم بأن هذا الأمر لم يطبق في حالة الأراضي العربية في الحدود السورية الغربية والجنوبية؛ نظرا لخصوصية الظرف في فلسطين وشرق الأردن ولبنان.
أما في ما يخص وعد بلفور الذي لم يكن قبل سان ريمو وثيقة قانونية، فقد أصبح بسبب نتائج هذا المؤتمر وثيقة قابلة للتنفيذ قانونيا، وذلك عبر ترسيخه وإدراجه بوصفه بندا كاملا في قرار اعتمدته لاحقا عصبة الأمم، ووافقت عليه الدول المجتمعة، فكان هذا التعديل الذي أدخل على صياغة وعد بلفور هو تأكيد بريطانيا إلتزامها بتنفيذ وعدها لليهود.
إذ جاء في هذه الاتفاقية أن الفرقاء المتعاهدين "الحلفاء" متفقون على وضع فلسطين -حسب عهد عصبة الأمم- تحت انتداب دولة ينتخبونها. وهذه الدولة المنتدبة تكون مسؤولة عن وضع الوعد الذي أعطته الحكومة البريطانية في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 ووافقت عليه دول الحلفاء، موضع التنفيذ، وهو السعي لإنشاء وطن قومي لليهود. وهكذا رتبت التقسيمات والانتدابات في المنطقة العربية حسب مصالح دول الحلفاء دون أن يكون للعرب علم بها، أو موافقة عليها.
من خلال مؤتمر سان ريمو، وصلت بريطانيا وفرنسا إلى اتفاق نفطي، وتمكنتا من تسوية خلافاتهما حول نفط الموصل، في اتفاقية النفط التي عقدت بينهما في 25 إبريل/نيسان 1920 -إلا أن بريطانيا لم تتمكن من تجاوز المنافسة الأميركية-.
واشتملت الاتفاقية على مواد تتعلق بتوحيد المصالح النفطية بين البلدين. وفي ما يخص بلاد ما بين النهرين، فقد تعهدت الحكومة البريطانية بمنح الحكومة الفرنسية، أو من ينوب عنها 25% من صافي إنتاج النفط الخام؛ أي إنها أكدت ما جاء في الاتفاقيات السابقة، كما أقرت أن تكون الشركة المعنية تحت السيطرة البريطانية الدائمة، إضافة إلى ضرورة أن توافق الحكومة الفرنسية -في حال تقديم الطلب- على بناء خطي أنابيب منفصلين، مع السكك الحديدية اللازمة لبنائهما وإدامتهما، وبنقل شحنات النفط من بلاد ما بين النهرين وفارس عبر منطقة النفوذ الفرنسي إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، وتتعهد فرنسا بتقديم كافة التسهيلات لحقوق المرور من دون أي مطالبة بأي رسوم على النفط المنقول. وفي حال رغبت شركة النفط المعنية في مد خط أنابيب وسكة حديد إلى الخليج العربي، فإن الحكومة البريطانية ستستعمل دوائرها لضمان منح تسهيلات مماثلة لمثل هذا الغرض.
وباتفاق سان ريمو تم استبعاد شركات النفط الأميركية من المشاركة في تقاسم المصالح النفطية في المنطقة، ما أثار احتجاجات قوية لدى الشركات الأميركية التي كانت تخشى أن يتم حرمانها من الوصول إلى مصادر النفط في الشرق الأوسط. فسارعت -عن طريق وزارة خارجيتها- بالاتصال بالحكومة البريطانية، مبدية اعتراضها على انشغال بريطانيا العظمى بإحكام السيطرة على احتياطات النفط في هذه المنطقة، وتقسيمها للمصالح النفطية وفق رغبتها، الأمر الذي دعا السفير الأميركي جون ديفيس (John W. Davis) لأن يرسل برسالة إلى اللورد كورزون (The Lord Curzon) وزير الدولة للشؤون الخارجية يوم 12 مايو/أيار 1920 اعتبرت الولايات المتحدة الأميركية فيها أن بريطانيا تعطي نفسها صلاحيات وامتيازات خاصة في الأراضي التي فرض عليها الانتداب، ولا سيما المنطقة التي أصبح يطلق عليها العراق، إلا أن بريطانيا أنكرت هذا الأمر، وردت بأن هذه الاتهامات بنيت على انطباع خاطئ حول السياسة النفطية، وأوضحت أن الولايات المتحدة الأميركية تتحكم بإنتاج 70% من الإنتاج النفطي في العالم، وتمتلك شركات النفط الأميركية ما يقدر بثلاثة أرباع إنتاج المكسيك، ويقدر بنحو 12% إضافية، وبالمقابل، فإن إنتاج الإمبراطورية البريطانية يقدر، بالإضافة إلى إنتاج شركة النفط الأنجلو – فارسية، بـ4.5 % فقط من إجمالي الإنتاج العالمي.
ولأن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن قد أعلنت الحرب على الدولة العثمانية، لذلك فقد واجهت صعوبة في لعب دور مباشر في المفاوضات التي جرت آنذاك، ومع ذلك، فإنها لم تقبل بتقسيم الغنائم الذي تم في سان ريمو، وكان لا بد من إعادة تفسير الاتفاق البريطاني - الفرنسي سان ريمو 1920؛ لضمان فتح الباب أمام شركات النفط الأميركية في الأراضي التي خسرتها الدولة العثمانية، قبل الحصول على موافقة واشنطن على الانتداب البريطاني على فلسطين، وكان على بريطانيا التأكيد -وبشكل متكرر- على حماية المصالح الأميركية الخاصة في الأراضي المقدسة.
وبناء على ذلك، قامت وزارة الخارجية الأميركية بالضغط على مكتب الخارجية البريطاني حتى وافق على مراجعة اتفاقية الخط الأحمر الشهيرة (The Red Line Agreement)، وهي اتفاقية وقعت في عام 1928 بين الشركاء في شركة النفط التركية (TPC)، لاحتكار نفط الشرق الأوسط، أو ما يطلق عليه الكارتل النفطي ذو النفوذ الهائل في الأراضي العثمانية السابقة.
انتهى مؤتمر سان ريمو بالموافقة على معاهدة سيفر (Sevres) 10 أغسطس/آب 1920 بكل ترتيبها، كما تضمنت نتائجه تقسيم المنطقة العربية إلى كيانات وأجزاء عدة؛ العراق وسورية الطبيعية إلى 4 أقسام ( لبنان - شرقي الأردن - فلسطين - وما تبقى من سورية)، وأقرت نظام الانتداب بحسب مصالح الدول المنتصرة بالحرب؛ الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، والانتداب البريطاني على فلسطين وشرق الأردن والعراق، مع الالتزام بتحقيق وعد بلفور، ما أدى إلى حدوث مواجهات بين العرب واليهود (العصابات الصهيونية) في فلسطين.
ويبدو أن فرنسا لم تنس الخلاف الذي حصل بينها وبين بريطانيا سابقا ما جعلها تقدم الدعم للعصابات الصهيونية في فلسطين ضد المصالح البريطانية نكاية بالبريطانيين. وفي هذا الصدد، يكشف كتاب (خط في الرمال) للكاتب البريطاني جيمس بار، معلومات غاية في الأهمية، تتناول فترة ما بين الحربيين العالميتين في الشرق الأوسط، ويسلط الضوء على الأحداث التي تتعلق بالصراع البريطاني الفرنسي في المشرق العربي منذ سايكس بيكو ووعد بلفور، وحتى الأحداث التي شكلت تاريخ المنطقة من ثورات ومراسلات.
إلا أن أهمية كتاب جيمس بار تأتي في كشفه عن اللغز الذي حير الحكومة البريطانية في تلك الفترة؛ حول من الذي كان يمول تسليح العصابات الصهيونية في فلسطين ضد المصالح البريطانية، إذ أثبت جيمس بار، من خلال الوثائق، تورط فرنسا في تمويل ودعم هذه الهجمات ضد بريطانيا.
وبذلك منحت عصبة الأمم فرنسا وبريطانيا حق الانتداب على المنطقة العربية، كما لو كان الأمر قد حدث بناء على رغبة الأهالي والسكان، بينما كان الواقع مخالفا لذلك تماما؛ فقد قامت الصدامات واندلعت الثورات على إثر هذه القرارات التي تم فيها تحييد العرب عن حق تقرير مصيرهم، وتجاهل رغبتهم كليا، بل إن الانتداب لم يكن بالنسبة لهم إلا شكلا من أشكال الاستعمار الجديد، فلم يكن من العرب الوحدويين إلا مواجهة قرارات سان ريمو، ورفض الانتداب المفروض عليهم.
أما بالنسبة لسورية التي كانت ذروة رفضها للانتداب في يوليو/تموز 1920، حينما واجه العرب في سورية القوات الفرنسية كوسيلة وحيدة من الوطنيين للدفاع عن حق العرب بالوحدة والاستقلال، لكن لأسباب عدة فقد تم دحر القوات الوطنية في معركة ميسلون، واحتل الجيش الفرنسي دمشق، وانتهت أول دولة عربية حديثة تأسست في بلاد الشام بعد الحرب العالمية الأولى، وانتهى معها حلم الاستقلال والوحدة بشكل كامل في نفوس عرب بلاد الشام.
وبالنظر إلى الدور الذي اضطلعت به فلسطين في مقاومتها الانتداب، فقد قامت المظاهرات والصدامات مع الجنود البريطانيين الذين اعتبرهم الشعب الفلسطيني المسؤولين عن الهجرة اليهودية، وتحركات العصابات الصهيونية في فلسطين، وقامت ثورات عديدة ضدهم؛ من ثورة موسم النبي موسى في إبريل/نيسان من عام 1920، وقبل معرفة نتائج مؤتمر سان ريمو، إذ عدت هذه الثورة بداية الانتفاضات الشعبية الكبرى على الوجود البريطاني.
وعلى إثر وضع العراق كاملا تحت الانتداب البريطاني، والتحكم بثرواته وموارده كافة، فقد ثار العراق، وقامت المظاهرات التي تحولت إلى ثورة مسلحة ضد الانتداب وسياسته القمعية الوحشية بعد إعدام ستة من قادة التحرر الوطني العراقي، وبدأت ثورتهم بعد مضي شهر واحد على معاهدة سان ريمو بمظاهرات واسعة تحولت من حركة احتجاجية سلمية ضد الانتداب إلى ثورة مسلحة ضد الإنكليز، عرفت لاحقا بثورة العشرين.
أخيرا، يمكن القول إن دأب بريطانيا وفرنسا على إخماد كل شكل من أشكال المقاومة في المنطقة العربية -آنذاك- كان ضروريا من وجهة نظر استعمارية، للحفاظ على مصالحهما، وتثبيتا لوجود كل منهما في المنطقة.
وبالنظر إلى كون النفط متصدرا في الأولوية، وعلى رأس هذه المصالح، وهو سبب تمسك المستعمر الجديد بالمنطقة، فإن أي ثورة في الأرض العربية لن تكتمل فرص نجاحها ما دامت آبار النفط وحقول الغاز ومنابعه تضخ من باطن هذه الأراضي.