01 أكتوبر 2022
اتفاق السودان.. تهنئة حذرة
لسنا بحاجة إلى زرقاء اليمامة، لرؤية المخاطر التي قد تكتنف اتفاق تقاسم السلطة في السودان، وفي الوقت نفسه، لا يمكن إغفال الأهمية البالغة للخطوة التي تستحق التهنئة. من مزايا الاتفاق أنه يمنح، بشكل مباشر، لممثلي الثورة السودانية، أي تحالف قوى الحرية والتغيير، مقاعد الشراكة في السلطة، وبالتالي حق التمثيليْن، الداخلي والخارجي. فليتوقف المجلس العسكري الآن عن ادعاءات أن قوى البيان لا تمثل السودانيين، وعن عقد اجتماعات مع ائتلافات وحركات هامشية، أو كانت مؤيدة عمر البشير، وهي ممارسة سبقه بها المجلس العسكري المصري إبّان ثورة يناير، في إشارة أخرى إلى تناقل الخبرات بين الطرفين.
يمثل الاتفاق طريقاً جديداً لم يحدث في أي ثورة في الموجة الأولى من الربيع. وعلى الرغم من إغراء الإسقاطات، إلا أن هناك اختلافات رئيسية عن السيناريو المصري، أولها أن قوى إعلان الحرية والتغيير تمثل أحزاباً وحركات سياسية راسخة، ذات عمق يمثل فئات شعبية، وتمكّنت، عبر "تجمع المهنيين"، ثم عبر "لجان الأحياء"، من إيجاد صيغ تنظيمية تجمع المرونة والصلابة. وبالتالي أمكن تنظيم عصيان مدني مذهل في حجمه وإتقانه، وكذلك تنظيم مليونية الثلاثين من يونيو التي اكتسحت العاصمة السودانية، ومدناً كبرى عدة، وذلك على الرغم من انقطاع الإنترنت، ما يعني أن فعالية التنظيم أقوى بكثير مما ظن النظام، وهذا سبب رئيسي في تراجع العسكر، وخضوعهم للقبول بالاتفاق، بعد طول رفض ومماطلة.
في مصر بالعكس، كان "ائتلاف شباب الثورة" بعيداً عن تقديم نفسه ممثلاً وحيداً لقوى الثورة، في ظل وجود قوى وأحزاب غير ممثلة، أو لم تنضو تحته بشكل جاد، كما لم يملك أي تنظيم حقيقي، وظل يعتمد على الحالة السائلة، ويطلق نداءً عاماً بمليونية للمطالبة بكذا، ومن البديهي بعدها أن الزخم كان يتراجع تدريجياً، خصوصاً في أجواء الاعتصامات التي لم تحظ بتنظيم جماعي دقيق، ما يستنفد بسرعة طاقة القواعد الشعبية التلقائية وإمكاناتها.
يتمثل الفارق الثاني في إدراك الواقعية السياسية. فبينما قرّر ائتلاف شباب الثورة مبكراً جداً مقاطعة الاجتماعات التي كان يدعو إليها المجلس العسكري، نشهد تجنّب القوى في السودان "التطهرية الثورية"، فبعد فترة قصيرة من مقتل أكثر من مائة محتج سوداني في الاعتصام أمام مقر القيادة العامة، وافقت قوى الحرية والتغيير على اتفاق سيتضمن مصافحة المشتبه به الأول في مقتل رفاقهم، بل إن الاتفاقية تخلو من أي تناولٍ لوضع المطلوبين للجنائية الدولية، وتحديدا قائد الجنجويد القوي، الفريق حميدتي. وعلى الرغم من مأساوية ذلك، إلا أن السياسة تتضمن موازين القوى، واختيار الأقل سوءا.
الفارق الثالث في اختلاف طبيعة التطور التاريخي للشعب نفسه، أن السودانيين، في النهاية، يحملون ذكرى حياة ديمقراطية حديثة نسبياً، لو قارناها بآخر ذكرى للحياة الديمقراطية النسبية في مصر قبل حركة الضباط الأحرار في 1952. اختلاف رابع في طبيعة التعامل الدولي مع النظام القديم، فبينما كانت هناك مصلحة دولية راسخة في استبقاء مؤسسات حسني مبارك ذات الالتزامات الإقليمية الحساسة بشأن أمن إسرائيل، ومنع الهجرة عبر المتوسط، لا تظهر الصورة نفسها في السودان، وخصوصا أن القوى الدولية بالأصل لم تكن على وفاق مع البشير، المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية.
وعلى الرغم من عوامل التفاؤل باختلاف المسار، فبالتأكيد لا يعني هذا أي يقين بالوصول إلى لحظة نجاح الثورة، فالاتفاق يحتوي على مناطق عديدة جاهزة للانفجار، وأبرزها تولي عسكري رئاسة مجلس السيادة ذي العضوية المقسومة بين العسكريين والمدنيين في الفترة الأولى، وغموض مصير المجلس التشريعي المؤجل لثلاثة أشهر، وتشكيل لجنة تحقيق بفض اعتصام القيادة العامة، والتي يفترض أنها ستشير فوراً إلى أعضاء في المجلس العسكري الذين قد يخوضون معركة ما لم يحصلوا على الخروج الآمن، فضلا عن طول المرحلة الانتقالية (ثلاث سنوات وثلاثة أشهر)، وهو زمن كافٍ لتغير كل شيء، إيجابا أو سلبا.
وتبقى عيون المصريين والعرب تتجه جنوباً بانتظار تجربة جديدة تضاف إلى جيلٍ راكم خبراتٍ معمقة، ولا تنقطع محاولاته بأنماط مختلفة لإعادة الربيع إلى منطقة تجتاحها العواصف.
يمثل الاتفاق طريقاً جديداً لم يحدث في أي ثورة في الموجة الأولى من الربيع. وعلى الرغم من إغراء الإسقاطات، إلا أن هناك اختلافات رئيسية عن السيناريو المصري، أولها أن قوى إعلان الحرية والتغيير تمثل أحزاباً وحركات سياسية راسخة، ذات عمق يمثل فئات شعبية، وتمكّنت، عبر "تجمع المهنيين"، ثم عبر "لجان الأحياء"، من إيجاد صيغ تنظيمية تجمع المرونة والصلابة. وبالتالي أمكن تنظيم عصيان مدني مذهل في حجمه وإتقانه، وكذلك تنظيم مليونية الثلاثين من يونيو التي اكتسحت العاصمة السودانية، ومدناً كبرى عدة، وذلك على الرغم من انقطاع الإنترنت، ما يعني أن فعالية التنظيم أقوى بكثير مما ظن النظام، وهذا سبب رئيسي في تراجع العسكر، وخضوعهم للقبول بالاتفاق، بعد طول رفض ومماطلة.
في مصر بالعكس، كان "ائتلاف شباب الثورة" بعيداً عن تقديم نفسه ممثلاً وحيداً لقوى الثورة، في ظل وجود قوى وأحزاب غير ممثلة، أو لم تنضو تحته بشكل جاد، كما لم يملك أي تنظيم حقيقي، وظل يعتمد على الحالة السائلة، ويطلق نداءً عاماً بمليونية للمطالبة بكذا، ومن البديهي بعدها أن الزخم كان يتراجع تدريجياً، خصوصاً في أجواء الاعتصامات التي لم تحظ بتنظيم جماعي دقيق، ما يستنفد بسرعة طاقة القواعد الشعبية التلقائية وإمكاناتها.
يتمثل الفارق الثاني في إدراك الواقعية السياسية. فبينما قرّر ائتلاف شباب الثورة مبكراً جداً مقاطعة الاجتماعات التي كان يدعو إليها المجلس العسكري، نشهد تجنّب القوى في السودان "التطهرية الثورية"، فبعد فترة قصيرة من مقتل أكثر من مائة محتج سوداني في الاعتصام أمام مقر القيادة العامة، وافقت قوى الحرية والتغيير على اتفاق سيتضمن مصافحة المشتبه به الأول في مقتل رفاقهم، بل إن الاتفاقية تخلو من أي تناولٍ لوضع المطلوبين للجنائية الدولية، وتحديدا قائد الجنجويد القوي، الفريق حميدتي. وعلى الرغم من مأساوية ذلك، إلا أن السياسة تتضمن موازين القوى، واختيار الأقل سوءا.
الفارق الثالث في اختلاف طبيعة التطور التاريخي للشعب نفسه، أن السودانيين، في النهاية، يحملون ذكرى حياة ديمقراطية حديثة نسبياً، لو قارناها بآخر ذكرى للحياة الديمقراطية النسبية في مصر قبل حركة الضباط الأحرار في 1952. اختلاف رابع في طبيعة التعامل الدولي مع النظام القديم، فبينما كانت هناك مصلحة دولية راسخة في استبقاء مؤسسات حسني مبارك ذات الالتزامات الإقليمية الحساسة بشأن أمن إسرائيل، ومنع الهجرة عبر المتوسط، لا تظهر الصورة نفسها في السودان، وخصوصا أن القوى الدولية بالأصل لم تكن على وفاق مع البشير، المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية.
وعلى الرغم من عوامل التفاؤل باختلاف المسار، فبالتأكيد لا يعني هذا أي يقين بالوصول إلى لحظة نجاح الثورة، فالاتفاق يحتوي على مناطق عديدة جاهزة للانفجار، وأبرزها تولي عسكري رئاسة مجلس السيادة ذي العضوية المقسومة بين العسكريين والمدنيين في الفترة الأولى، وغموض مصير المجلس التشريعي المؤجل لثلاثة أشهر، وتشكيل لجنة تحقيق بفض اعتصام القيادة العامة، والتي يفترض أنها ستشير فوراً إلى أعضاء في المجلس العسكري الذين قد يخوضون معركة ما لم يحصلوا على الخروج الآمن، فضلا عن طول المرحلة الانتقالية (ثلاث سنوات وثلاثة أشهر)، وهو زمن كافٍ لتغير كل شيء، إيجابا أو سلبا.
وتبقى عيون المصريين والعرب تتجه جنوباً بانتظار تجربة جديدة تضاف إلى جيلٍ راكم خبراتٍ معمقة، ولا تنقطع محاولاته بأنماط مختلفة لإعادة الربيع إلى منطقة تجتاحها العواصف.