أخيراً، وبعد عقد من مباحثات صعبة، توصل الروس والصينيون إلى اتفاق حول توريد الغاز الروسي إلى الصين، تم توقيعه في بكين في اليوم الثاني (21 مايو/أيار) لزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين.
وكان بوتين قد اقترح إلغاء ضريبة استخراج مصادر الطاقة في الحقول التي سيصار إلى تشغيلها من أجل تصدير الغاز إلى الصين. علماً بأن الضريبة على استخراج الغاز في حقول "غاز بروم" في سيبيريا الشرقية كانت قد خُفضت في السابق إلى حوالي 80 روبلاً لكل ألف متر مكعب من الغاز.
وفي استجابة سريعة، أعلن الجانب الصيني استعداده لإلغاء ضرائب استيراد الغاز من روسيا، الأمر الذي ساعد على التوصل إلى اتفاق حول سعر الغاز.
تفاصيل الاتفاق
سبق هذا الاتفاق، اتفاق إطار تعاون حول الشروط الأساسية لتوريد الغاز من روسيا إلى الصين وقّع عام 2009، ونصّ على تصدير 68 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً إلى السوق الصينية، كما يشير موقع "روسيا ما وراء العناوين".
وهكذا، انتهت عشر سنوات من الأخذ والرد إلى توقيع شركة "غاز بروم" الروسية مع شركة النفط الصينية الوطنية " CNPC" عقداً، مدّته 30 عاماً، وقيمته الإجمالية 400 مليار دولار، بسعر 350 دولاراً لكل ألف متر مكعب من الغاز.
وتناقلت وسائل إعلام مختلفة تصريحات لوزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، بعد مراسم التوقيع، أفاد فيها أنّ الصين يمكنها أن تدفع سلفة بموجب هذا العقد، تصل إلى حوالى 25 مليار دولار.
وتشير الصحافة الاقتصادية الروسية إلى أن توريد الغاز إلى الصين سوف يكون عبر خط "سيلا سيبيري"، بدءاً من العام 2018، بمعدل 38 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، قابلة للزيادة حتى 60 مليار متر مكعب.
وتتعدد آراء الخبراء المنشورة حول أهمية هذا الاتفاق والآفاق التي يفتحها، إلا أنهم يكادون لا يختلفون. فوفقاً لليونيد خوميريكي كاتب مقال "روسيا والصين توقّعان عقد القرن"، على موقع "روسيا ما وراء العناوين"، لا تبدو الشركة الروسية "غاز بروم" راضية عن السعر المتفق عليه مع الصين. أما الجانب السياسي فأمر آخر.
ما بعد سعر الغاز
كانت "غاز بروم" تأمل، وفقاً لخوميريكي، الاتفاق على 380 دولاراً للألف متر مكعب، وهو الثمن الذي يسدده الأوروبيون لقاء الغاز الروسي، الأمر الذي سيدفعهم للمساومة على سعر أدنى.
إلا أن الاضطرابات في أوكرانيا تحول مبدئياً دون ذلك، خصوصاً أن المصادر البديلة التي تسعى أوروبا إلى تنويعها، غير متاحة بعد، وتحتاج إلى خطط طويلة الأجل.
وفي هذا المنحى بالذات، تأتي التسهيلات الروسية لاتفاق الغاز مع الصين، المفتوح على استثمارات في مشاريع صناعية، في المرتبة الأولى منها مشروع "فلاديفوستوك للغاز الطبيعي المسال"، في منطقة الشرق الأقصى، وينتظر أن تستثمر الصين أموالاً كبيرة في هذا المجال.
وفيما ترى رئيسة قسم النفط والغاز في المجمع التابع لمعهد بحوث الطاقة لدى أكاديمية العلوم الروسية تاتيانا ميتروفا أن "العقد موجّه نحو تطوير سيبيريا الشرقية صناعياً"، يخالفها رئيس شركة "إيست أوروبيان غاز آناليز" الاستشارية ميخائيل كورتشيمكين، ويقول: "إن الخسارة ستلحق بمستهلكي الغاز الروس، لأن تمويل "سيلا سيبيري" سيتطلب ارتفاعاً متسارعاً في أسعار الغاز المحلية".
منافسة مع قطر
ينتهي خوميريكي إلى أن الوصول إلى سوق الغاز الطبيعي المسال في الصين مهم بالنسبة لروسيا، ولكنه سوف يزيد من حدة المنافسة مع استراليا وقطر، وبالتالي فمن المرجح أن تكون المنافسة على حساب السعر.
وفي حوار مع وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، أجراه الباحث الاقتصادي أليكسي لوسان لـ"روسيسكايا غازيتا"، تحدّث الوزير عن خطوات مشابهة تقوم بها قطر، على خلفية تصاعد وتائر استهلاك الغاز في منطقة آسيا - المحيط الهادئ، في بلدان مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية. وأنّ روسيا تعمل على تطوير حقول جديدة وتقوم بإنشاء البنية التحتية اللازمة لتغطية الطلب المتزايد.
وأضاف: "لكنني أريد التأكيد أننا بصرف النظر عن ظهور مشاريع جديدة نحافظ على أفضلية السوق الأوروبية"، مشيراً إلى ضغوط شديدة تمارس على روسيا من جانب الأميركيين والأوروبيين، شكلها اقتصادي والغاية منها سياسي، "بينما الشركات لا ترى طريق العقوبات مناسباً".
وردّاً عن سؤال حول وجود بديل واقعي عن الغاز الروسي بالنسبة لأوروبا، أجاب نوفاك: "لن تستطيع أوروبا الاستغناء عن الغاز الروسي، ولا يمكن تقليص الاعتماد على روسيا قبل مرور سنين طويلة. إضافة إلى أن استخراج الغاز في أوروبا سيتقلص مع حلول العام 2020 إلى 100 مليار متر مكعب، أي بحدود 20%. وأي تقليص سوف يؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في الأسعار".
وأكد أن روسيا مستعدة لمنافسة "أي منتجين يمكن أن يزوّدوا أوروبا بمصادر الطاقة"، وأن قطر قامت أيضاً بتقليص الكمية المصدّرة إلى أوروبا ووجهت الفائض نحو آسيا، حيث الأسعار أعلى، وأن الولايات المتحدة ليس لديها اليوم فائض في إنتاج الغاز، إضافة إلى عدم وجود قوانين تسمح بتصديره، عدا المخاوف من ارتفاع أسعاره المحلية في حال البدء بتصديره".
"غاز بروم" أمام إغواء
الواضح أن "غاز بروم" تتعامل بمرونة وحنكة إلى الآن مع العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، فما زالت تراقب حال القرم، على الرغم من حجم الاستثمارات المغرية هناك. الحديث يدور في الصحافة الاقتصادية عن عقوبات أوروبية تطال الشركتين العاملتين في القرم "تشيرنوميردين نفطيغاز" و"فيودوسيا" للتنقيب عن مصادر الطاقة وتسويقها، كما يدور الحديث عن كمية 1.65 مليار متر مكعب من الغاز استخرجت في العام 2013.
كذلك، يجري الحديث عن مضاعفة الإنتاج في الأشهر الستة الأخيرة بمعدل 23%، وعن أن القرم يمكنه تغطية نفقات ميزانيته من مبيعات النفط والغاز، دون الاعتماد على الموازنة الفيدرالية الروسية، وعن تقديرات غير مؤكدة تتحدث عن احتياطات من النفط، في القرم، تصل إلى 435.1 مليون طن، ومن الغاز إلى 1.97 ترليون متر مكعب.
فهل دخلت روسيا لعبة حروب الطاقة من بوابة القرم؟