بعد تحشيد عسكري لعدة أيام على أطراف مدينة جاسم، شمالي درعا، في الجنوب السوري، توصلت قوات النظام إلى اتفاق مع أهالي المنطقة، امتنعت بموجبه عن اقتحام المدينة، مقابل تحقيق بعض مطالب النظام، وفي مقدمتها طي ملف المعتقلين من أبناء المنطقة في الوقت الحاضر، والذين يطالب الأهالي النظام بإطلاق سراحهم.
وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن قوات النظام أوقفت عملية اقتحام مدينة جاسم بعد مفاوضات لثلاثة أيام شارك فيها من الطرف الآخر المقابل للنظام كل من "اللجنة المركزية" للتفاوض في درعا، ووفد من وجهاء المدينة، وقادة من "الفيلق الخامس" المدعوم من روسيا.
وأضافت المصادر أن المفاوضات كانت صعبة، وطلب النظام تسليم 20 بندقية وتسوية وضع 300 شخص مطلوبين له بتهمة "الإرهاب"، الأمر الذي اعتبره وفد المعارضة مطالب مبالغا فيها، لكنه وجد نفسه في النهاية مضطرا للاستجابة لمطالب النظام بسبب الضغوط الشعبية عليه لتجنيب منطقتهم اقتحام قوات النظام مع ما يعني ذلك من سفك للدماء وتخريب للممتلكات.
وذكر موقع "تجمع أحرار حوران" المحلي أن رئيس "اللجنة الأمنية" التابعة للنظام، اللواء حسام لوقا طالب بتسليم المنشقين والسلاح الموجود في المدينة، وتسوية أوضاع المطلوبين، "وهي خطوة استباقية للالتفاف على مطالب الأهالي المتكررة بالإفراج عن المعتقلين من أبناء جاسم"، وفق الموقع الذي أوضح أنه أمكن تجنيب المنطقة عواقب الاقتحام، مقابل تأجيل البت في ملف المعتقلين.
غير أن مصدرا مطلعا أعرب للموقع عن تشككه في نيات الأجهزة الأمنية التي تسيطر على المدينة والتي تتحكم بقوات النظام، مشيرا إلى أن التعزيزات التي وصلت ما تزال موجودة في النقاط التي تمركزت بها قبل أسبوع، ما يعني استمرار الضغط على الأهالي، وهو ما سبق أن فعله النظام في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي قبل أشهر، حيث ساهم الاتفاق في تلك الفترة بنشر حواجز عسكرية لـ "الفرقة الرابعة" في محيط طفس وصولاً إلى قرى وبلدات حوض اليرموك.
من جهته، قال الناشط الإعلامي محمد الشلبي المقيم في محافظة درعا، إن قوات النظام دأبت منذ فترة على اتّباع سياسة حشد القوات على حدود منطقة معينة مع التهديد باقتحامها، مع ما يعني ذلك من قصف وتهجير واعتقالات، وذلك بهدف تعديل اتفاقات التسوية التي جرى التوصل إليها عام 2018 خلال سيطرة قوات النظام بدعم روسي على المحافظة.
وأوضح الشلبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن العديد من المناطق لم تخضع بالكامل لسيطرة النظام بموجب تلك الاتفاقات، وظل العناصر السابقون في فصائل المعارضة يحتفظون بسلاحهم الخفيف، فيما تكثفت في الآونة الأخيرة ضغوط الأهالي على النظام من أجل الوفاء بالتزاماته بموجب اتفاقات التسوية بشان الإفراج عن المعتقلين، والكف عن ملاحقة المطلوبين لديه، وشملت تلك الضغوط قيام احتجاجات شعبية وظهور كتابات على الجدران مناوئة للنظام، فضلاً عن قيام مجهولين مسلحين باستهداف عناصر ومواقع قوات النظام أو المتعاونين معه من أبناء المنطقة، وهو ما دفع النظام كما يبدو إلى محاولة تكرار سيناريو مدينة الصنمين المجاورة لمدينة جاسم قبل أشهر، أي اقتحام البلدة، وإبعاد من يرفض تسليم سلاحه إلى الشمال السوري، مضيفاً إلى ذلك محاولة لطي ملف المعتقلين، وإلزام الأهالي على عدم التطرق إليه في مطالبهم من النظام.
واعتبر الشلبي أن الاتفاق الأخير بين لجنة التفاوض عن درعا وسلطات النظام، يمثل انتصاراً للنظام الذي نجحت استراتيجيته في الاحتواء النسبي لاحتجاجات الأهالي، تحت طائلة التهديد باجتياح المنطقة، وتدفيع سكانها ثمن أي تصعيد، أو تحدٍ للنظام.
وكانت قوات النظام قد أرسلت في الأيام الماضية تعزيزات عسكرية إلى محيط جاسم شمالي درعا، ونشرت حواجز عسكرية فيها، بهدف إحكام السيطرة على المدينة، تمهيداً لدخولها من عدة محاور، وذلك بعد مطالبة سكان البلدة بإطلاق سراح أبنائهم المعتقلين، والذين يبلغ عددهم نحو 40 شخصاً، تم اعتقالهم بعد اتفاقات التسوية عام 2018. كما يتذرع النظام بوجود مطلوبين له في البلدة، وذلك بعد تعرض عدد من مواقعه هناك لهجمات رداً على انتهاكاته بحق المدنيين.
وشهدت مدينة جاسم في الآونة الأخيرة العديد من عمليات الاغتيال، طاولت قيادات سابقين في فصائل محلية. وكذلك شهدتْ اشتباكات وإطلاق نار عدّة مرات في محيط المركز الثقافي الذي تتمركز فيه قوات تابعة لأجهزة النظام الأمنية.
وقد وصلت تعزيزات عسكرية من الفرقة السابعة والفرقة التاسعة إلى أطراف مدينة جاسم الشمالية والجنوبية وانتشرت في نقاط تل الهش وتل أم حوران وتل مطوق وتل الحارة.
ورأى عضو قيادة المنطقة الجنوبية السابقة (أبو توفيق)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ما جرى يأتي في سياق خطط النظام وإيران لإحكام السيطرة على محافظة درعا، مشيرا إلى أن أغلب التعزيزات التي أرسلها النظام إلى المنطقة من فرق عسكرية مدعومة من إيران، بما فيها الفرقتان السابعة والرابعة.
وأضاف أبو توفيق أن النظام، مدعوما من إيران، يحاول التملص من التزاماته بموجب اتفاقات التسوية في الجنوب لعلم 2018 والتي رعتها روسيا، وصولا إلى إحكام السيطرة على تلك المناطق بالكامل، وإخماد أي احتجاجات أو مطالب للأهالي، تحت طائلة اقتحام مناطقهم، وتهجير سكانها. واعتبر أن المحافظة تقع من جديد ضحية التنافس بين روسيا وإيران، فيما تعبث أجهزة النظام الأمنية بالمحافظة، من خلال عمليات الاغتيال والتفجيرات والاعتقالات والتضييق على الأهالي في مصادر رزقهم وتنقلاتهم، وتشجيع إعادة ظهور تنظيم "داعش" بهدف خلط الأوراق واتخاذه حجة لابتزاز أهالي درعا، فضلا عن ضلوع كبار مسؤولي النظام الأمنيين والعسكريين في تجارة المخدرات عبر محافظة درعا، باتجاه الأردن ودول الخليج.
وكانت مدينة الصنمين المجاورة لجاسم شهدت مطلع مارس/آذار الماضي توقيع اتفاق بين عناصر من "الجيش الحر" سابقا وقوات النظام على خلفية مواجهات بينهما في المدينة، قضى بتهجير المقاتلين الرافضين للتسوية إلى الشمال السوري وإجراء تسوية لمن يرفض الذهاب إلى الشمال. ونص الاتفاق على ترحيل 26 مقاتلا رفضوا التسوية إلى إدلب، وأجرى حوالى 30 مقاتلا رفضوا الترحيل تسوية مع النظام، فيما دخلت قوات النظام إلى المدينة.