أثار إصدار محكمة تحقيق النزاهة العراقيّة أوامر قبض بحق عدد من المسؤولين العراقيين بتهمة الفساد حفيظة بعض الكتل السياسية، التي خشيت من إسقاط الخصوم والكتل السياسية من خلال التهمة، فيما حذّر مراقبون من أن تحل تهمة "الفساد" بدلاً من المادة "4 إرهاب" التي استخدمت لتصفية الخصوم من قبل الحكومة السابقة.
وممّا يؤكّد تلك المخاوف أنّ مذكرات الاعتقال صدرت بحق مسؤولين من كتل معيّنة، فيما لم تصدر حتى الآن أيّ مذكرة اعتقال بحق أيٍّ من كبار المتهمين بالفساد في العراق، والمنتمين إلى كتل سياسية كبيرة في العراق.
وأصدرت محكمة تحقيق النزاهة أوامر قبض بحق وزير التجارة المنتمي إلى ائتلاف الوطنيّة ملاس عبد الكريم، والمدراء العامين لتجارة الحبوب، والتخطيط والمتابعة، والأسواق المركزية، والمواد الغذائية، والرقابة التجارية والمالية، إضافة إلى مدير قسم العقود العامة.
وانتقدت النائبة عن ائتلاف الوطنية ميسون الدملوجي، "تجاهل الحكومة والمحاكم العراقية لكبار المفسدين في البلد، والذين تسببت سرقاتهم بإفراغ خزينة الدولة".
وقالت الدملوجي لـ"العربي الجديد" إنّ "هناك استهدافاً سياسياً واضحاً من خلال صدور مذكرة الاستقدام ومنع وزير التجارة من السفر"، مؤكدة أنّ "ائتلاف الوطنية لا يملك قوة تدافع عنه لذا يتم استهدافه".
ودعت رئيس الوزراء إلى "محاسبة الفاسدين في كل الكتل السياسية وعدم استثناء أيّة كتلة"، متسائلة "هل سيتم محاسبة الوزراء والمسؤولين في دولة القانون والمجلس الأعلى والتيار الصدري، أم لهم حصانة من المساءلة؟".
اقرأ أيضاً: اتفاق عراقي–أميركي: تكثيف ضربات التحالف مقابل منع التدخل الروسي
من جهته، عدّ الخبير السياسي، رعد رشيد، أنّ "العبادي لجأ اليوم لاستخدام تهمة الفساد بدلاً عن تهمة 4 إرهاب التي كان يستخدمها سلفه نوري المالكي لتصفية خصومه".
وقال رشيد خلال حديثه لـ"العربي الجديد" إنّ "حملة الإصلاحات ومحاربة الفساد، التي أطلقها رئيس الوزراء والتي وعد بتطبيقها لم يتحقق منها شيء حتى الآن"، مبيناً أنّ "الطامة الكبرى تكمن بأنّ رؤوس الفساد ما زالوا يمارسون عملهم بشكل انسيابي على الرغم من وجود الأدلة والبراهين على تورّطهم بملفات فساد مالي وإداري وهدر وسرقة أموال الدولة وعدم تأدية الواجب بشكل صحيح".
وأشار إلى أنّ "عدم الاقتراب من هؤلاء ومحاسبة المسؤولين في الكتل الأخرى التي لا تمتلك مافيات ولا مليشيات تحميها، يؤكّد الاستهداف السياسي من خلال ملفات الفساد".
وأكّد أنّ "العبادي اليوم يحتاج إلى ضغط على الكتل السياسيّة التي تعارضه وتختلف معه بالرأي، حتى تقبل بأجندته وبسياسته، خصوصاً مع الرفض الكبير من قبل تلك الكتل لانضمام العراق إلى التحالف الرباعي، الأمر الذي استدعى لجوء العبادي إلى التصفيات والضغط على الخصوم من خلال تهمة الفساد بدلاً من تهمة 4 إرهاب".
وأضاف أنّ "لجوء العبادي إلى هذه الطريقة بالتعامل مع خصومه، سيضع وحدة العراق على المحك، ففي الوقت الذي انقسم فيه العراقيون إلى معسكرين، أحدهما مع التحالف الرباعي والآخر مع التحالف الدولي، جاءت تصفيات العبادي لتعزّز ذلك الانشقاق".
ودعا العبادي إلى "العمل على كسب الخصوم والكتل السياسيّة من خلال زرع الثقة معها، وتنفيذ الاتفاقات السياسية، من أجل وحدة العراق"، مؤكّداً أن "لا مصالحة وطنيّة في العراق من دون مصالحة بين الكتل السياسيّة".
يشار إلى أنّ مافيات الفساد العراقيّة مازالت تتمتّع بسلطة فوق سلطة القانون، لما لها من نفوذ وقوة ماليّة ومليشيات مسلحة، ما يحوّلها إلى قوة محصنّة ضد أيّ مساءلة قانونية، وكان مصدر في السلطة القضائيّة العراقية قد كشف لـ"العربي الجديد"، أنّ أغلب القضاة الذين كان من المفترض بهم متابعة ملفات الفساد في مؤسسات الدولة، تعرّضوا لتهديدات فرديّة وجماعيّة من مافيات تورطت في ملفات فساد كبيرة جدّاً، مشيراً إلى أنّ التهديدات تنوعت ما بين التهديد بالقتل والخطف لهم ولعوائلهم، أو الإقالة من مناصبهم، وحتى اتهامهم بملفات فساد.
اقرأ أيضاً: العراق: التحالف الوطني يلتفّ على قانون "الحرس الوطني"