في الوقت الذي تشهد فيه أغلب الأحزاب السياسية في المغرب "انكماشاً" واضحاً، وتراجعاً، خصوصاً بعد "اشتعال" الأوضاع في مدينة جرادة شرق المملكة، والتي لم تبد تجاهها هذه الأحزاب موقفاً حازماً، لمع نجم أحزابٍ تنتمي إلى التيار اليساري، غير المشارك في الحكومة.
واكتفى حزب "العدالة والتنمية"، الذي يقود الأغلبية الحكومية في المغرب، بالموقف الرسمي للحكومة، من خلال تصريح متحدثه الرسمي مصطفى الخلفي، الذي شدّد على احترام الرباط لحق التظاهر، لكن بشرط "احترام الضوابط القانونية والاحتجاج المرخص له"، معدداً خسائر القوات الأمنية خلال الاحتجاجات الأخيرة في جرادة.
من جهتها، آثرت باقي الأحزاب المشاركة في الحكومة، وهي "حزب الأحرار" و"الاتحاد الدستوري" و"الاتحاد الاشتراكي" و"الحركة الشعبية"، الصمت، حيال الأزمة المستشرية في جرادة، وهو الموقف ذاته لحزب "التقدم والاشتراكية"، وإن كان يُحسب لهذا الأخير أنه سبق أن دعا خلال احتجاجات سابقة لجرادة، الحكومة وكافة المعنيين، للعمل على رفع التهميش في المنطقة.
بدوره، لم يتخذ "حزب الأصالة والمعاصرة" المعارض موقفاً رسمياً من الأحداث الأخيرة التي شهدت مواجهات عنيفة بين المحتجين والقوات الرسمية، علماً أنه سبق له أن تفاعل مع الاحتجاجات التي عرفتها المنطقة في شهر فبراير/ شباط الماضي، من خلال دعوته إلى عقد جلسة برلمانية لمناقشة حيثيات اندلاع الاحتجاجات في جرادة، عاصمة الفحم في المغرب.
وفي خضم جمود أحزاب الأغلبية الحكومية والمعارضة على السواء تجاه المواجهات الأخيرة في مدينة جرادة بين قوات الأمن ومتظاهرين يطالبون ببديل اقتصادي ناجع لمناجم الفحم المغلقة، ظهرت مبادرات ومواقف وُصفت بـ"القوية" من قبل بعض أحزاب اليسار المغربي.
وبعدما عجز أي حزب سياسي في المغرب عن القيام بزيارة ميدانية إلى جرادة في خضم الأحداث الأخيرة، ذهب وفد من فدرالية اليسار الديمقراطي إلى المنطقة، حيث انتقل البرلمانيان اليساريان عمر بلافريج ومصطفى الشناوي إلى هذه المنطقة، والتقيا شبابها، كما راقبا عن كثب أوضاع جرادة ومطالب المحتجين.
وقال القيادي اليساري عمر بلافريج، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن حزبه لم يبتعد أبداً عن هموم ومشاغل المواطنين، خاصة في المناطق النائية والمهمشة، وإن زيارة وفد من حزبه إلى المنطقة "لا يعد إنجازاً سياسياً خارقاً، بقدر ما هو واجب محتم عليه كبرلماني يمثل المواطنين، ليس فقط في دائرته الانتخابية التي نجح فيها، وهي دائرة حيّ الرياض في الرباط، وإنما في جميع دوائر وجهات المملكة".
وفي ما يتعلق بما شاهده في جرادة بعد أحداث يوم الخميس الدامية التي أسفرت عن إصابات بليغة في صفوف المتظاهرين وقوات الأمن على السواء، وإحراق سيارات الشرطة، وصف بلافريج الوضع بـ"المحتقن"، والهدوء بأنه "هش وغير مستقر على أسس صلبة"، مؤكداً أن "أي استفزاز بسيط قد يثير احتجاجات قوية جديدة".
وطالبت فدرالية اليسار الديمقراطي رئيس مجلس النواب المغربي بعقد جلسة مستعجلة للجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، لمساءلة وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت حول الأحداث الأخيرة التي شهدها إقليم جرادة، محملة المسؤولية إلى حكومة سعد الدين العثماني، بسبب اعتمادها مقاربة أمنية لهذا الملف الساخن، من خلال التعزيزات والتدخلات الأمنية القوية، عوض التركيز "على المقاربة الحقوقية والاجتماعية".
من جهته، أكد المكتب السياسي لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي (اليساري)، في اجتماعه يوم أمس السبت، على دعم حراك جرادة وباقي الاحتجاجات في المغرب، داعياً إلى "اتخاذ مبادرات نضالية وحدوية، حتى يكون لوقع الدعم والتضامن صداه المرغوب والمطلوب داخل هذا الحراك".
كما حذر "حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي" (اليساري)، من تكرار سيناريو الاحتجاجات التي عاشتها منطقة الحسيمة في الريف المغربي، مطالباً في بيان جديد بإشراك السكان، عبر ممثليهم، في "وضع التصور الجدي لتنمية جرادة، وتنفيذ الوعود المقدمة واتخاذ تدابير فورية مندمجة للرقي بالمنطقة وتنميتها، ومحاسبة ومتابعة كل المسؤولين الذين ساهموا في إيصال الوضع إلى ما هو عليه، بوضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار".