وانطلقت ثلاث مسيرات من مناطق مختلفة في وسط نواكشوط ومدينة نواذيبو بدعوة من ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية للحراطين، وهو هيئة تنسيقية، ورفع المتظاهرون لافتات ترفض "تهميش وإقصاء" الأرقاء السابقين وتدعو إلى الوحدة الوطنية ومحاربة العبودية والطبقية.
وتميزت المسيرة السنوية فى نسختها الخامسة بمشاركة نشطاء من مختلف الشرائح دعما لمطالب الأرقاء السابقين، كما شهدت خلافات بين قادة الميثاق ومنظمي المسيرة التي تخلد ذكرى إصدار ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين في 29 أبريل/ نيسان 2013.
ونشبت خلافات بين قادة الميثاق هذا العام ما أدى إلى ثلاث مسيرات منفردة، حيث نظم جناح بكر ولد مسعود، رئيس منظمة نجدة العبيد، مسيرة انطلقت من ساعة ابن عباس وجابت الشوارع الرئيسية وسط نواكشوط.
وشدد ولد مسعود على ضرورة تحقيق العدالة والمساواة بين الموريتانيين، مؤكدا أن الميثاق تأسس قبل خمس سنوات من أجل حقوق وكرامة المواطنين خاصة الأرقاء السابقين الذين يعانون من العبودية ومخلفاتها.
كما نظم جناح المنسق السابق للميثاق، محمد فال ولد هنضية، مظاهرة أمام ملعب العاصمة نواكشوط. وقال ولد هنضية إن تأسيس الميثاق بمشاركة مثقفين وشخصيات عامة من مختلف الموريتانيين حدث عظيم للقضاء على الفرقة وتحقيق الوحدة الوطنية بين الموريتانيين.
كما نظم جناح محمد ولد بربص، رئيس حزب المستقبل، مسيرة شعبية بمناسبة ذكرى تأسيس الميثاق. وشهدت العاصمة الاقتصادية نواذيبو مظاهرة مماثلة.
وقال سيد أحمد ولد اعلي، وهو مشارك فى المظاهرة، لـ"العربي الجديد"، إنه جاء من منطقة "الترحيل" جنوب نواكشوط إلى ساحة ابن عباس، "من أجل رفع الظلم عنا، نحن -الحراطين- مهمشون في الوظائف وفرص العمل وتتم إهانتنا من قبل من يتحكمون في الأمور".
وأضاف ولد اعلي: "ما نطلبه هو حقوقنا كمواطنين موريتانيين. لن نقبل العبودية بعد اليوم ولن نقبل الإقصاء. سنأخذ حقوقنا كاملة بكل الطرق. لقد انتهى زمن تغييب الحراطين والوقوف على أكتافهم".
وقال صمب ولد يحيى، أحد نشطاء الميثاق، لـ"العربي الجديد"، إن تخليد ذكرى إعلان وثيقة الحقوق السياسية والاجتماعية للحراطين "تقليد سنوي يأخذ زخمه سنويا مع مشاركة المزيد من النخب السياسية والاجتماعية الموريتانية، ما يشير إلى حالة إجماع شعبي على مطالب الحراطين ورفض التهميش وضرورة تحقيق الوحدة الوطنية ومعالجة أسباب الغبن والظلم".
ونبه ولد يحيى إلى غياب تجاوب حقيقي من قبل الدولة الموريتانية، حيث قال إن "من يهيمنون على السلطة والنفوذ يواصلون صم آذانهم عن مطالب الشعب وشريحة الحراطين بشكل خاص، فالآلاف من الأرقاء السابقين يقبعون فى مناطق آدوابة حيث الفقر وانعدام التعليم وغياب الصحة، كما أن العبودية لا تزال موجودة ولم تتم معاقبة من يمارسونها، وهنالك حماية قضائية ودينية للمستعبدين".
وأشار ولد يحيى إلى أن "مطالب ميثاق الحراطين بسيطة وبديهية، وهي القضاء التام على العبودية وإعادة تأسيس الدولة الموريتانية على أسس عادلة، لأنه تم الاستحواذ على الدولة من قبل البعض وتم إقصاء بقية مكونات الشعب الموريتاني خاصة الأرقاء السابقين، ولا تزال مؤسسات الدولة ومراكز النفوذ محرمة على أبناء الحراطين".
وحدد ولد يحيي مطالب المتظاهرين في "تطبيق القوانين المجرمة للعبودية وهي كثيرة، ولكن لم يتم تطبيقها، وإنجاز خطة تنموية عاجلة في مناطق آدوابة (تجمعات سكنية للحراطين) حيث الفقر والجوع والأمية، إضافة إلى "تمييز إيجابي" لصالح العبيد السابقين من أجل دمجهم في الحياة الاقتصادية، من خلال مشاريع صغيرة وتمثيل أكبر لأطر ومثقفي الحراطين في دوائر الدولة ومراكز القرار".
وقلل ولد يحيى من أهمية الخلافات بين قادة الميثاق، واصفا ما حدث بأنه "نتيجة الوفاة المفاجئة لمنسق الميثاق الراحل محمد سعيد ولد همدي، وهو ما خلف فراغا لم يتم التغلب عليه بعد". وشدد ولد يحيى على أنه لا يوجد خلاف حول المطالب الرئيسية، ولا حول ما ورد في وثيقة الميثاق التي صدرت عام 2013.
وكان العشرات من زعماء شريحة الحراطين قد أصدروا وثيقة "ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين" في 29 أبريل/نيسان 2013، وطالبت الوثيقة بـ"اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية لصالح المحرومين والمهمشين في البلد، وإنشاء مناطق مختارة للتعليم في المناطق الأكثر فقرا (آدوابة)، والتطبيق الفعلي للقوانين المجرمة للعبودية والقيام بإصلاح زراعي حقيقي".
ودعت الوثيقة إلى "إعادة تأسيس الجمهورية على قاعدة التقاســم الحقيقي للسلطة والثروة بين كافة أبناء البلد، وهو مطلب بات يفرض نفسه أكثر من أي وقت مضى، باعتباره السبيل الوحيد للخلاص من هذا الحيف المستديم الناتج عن تاريخ مرير ممتد على مدى قرون، لكنه ما يزال شاخصا أمام أعيننا حتى اليوم".